لعلَّ واحداً من أهم المجالات التي يجب على أي مدير الالتفات إليها يتعلق بالتوقعات وكيفية إدارتها، لأنَّ ذلك من شأنه أن يُحدِّد معالم النجاح أو الفشل. وبداية، فإنَّ التوقع يتحكم ويوجه الدوافع الكامنة داخل الإنسان، ولقد طرح عالم الإدارة فيكتور فروم «نظرية التوقع» في الدوافع العام 1964، وأشار إلى أن المرء يُحدِّد طريقة تصرفه على أساس النتائج «المتوقعة» التي تدفعه لاختيار سلوك مُحدَّد دون غيره.
بحسب فروم، فإنَّ المرء يجري العديد من الحسابات في ذهنه قبل أن يُقرِّر اختياراته، وعليه، فإنَّ ما يتوقعه ذلك الشخص من نتائج (أو مكافآت او عقوبات) يجعله يوجه أداؤه لضمان الفوز بما يرغب وتوقع الحصول عليه في نهاية المطاف.
ان الحر لا يمكن إجباره على القيام بأمرٍ مُعيَّن، وهو حر لانه يستطيع تحديد خياراته من بين عدد من الخيارات والبرامج والأنشطة التي تتوفر أمامه، وإن كل ذلك يتم عبر «توقع» النتائج، والتي تُحدِّد مقدار الجهد المطلوب، وفيما إذا كانت النتائج تستحق الجهد الذي سيبذله المرء، والسلوك الذي سيختاره، من أجل الوصول إلى النتيجة. بمعنى آخر، فإنَّ المرء يسعى إلى تحقيق «تكافؤ» Valence بين الجهد الذي سيبذله والنتيجة التي سيحصل عليها.
وعليه، فإنَّ أي شخص يدير توقعاته اعتمادا على حسابات ذهنية تربط بين النتائج المرجوَّة والجهد المطلوب، وإدارة التوقعات بهذا الشكل تُحدِّد قوة اندفاع الشخص نحو عملٍ ما، أو مشروعٍ ما، أو مهمةٍ ما. ويمكن للشخص أن يحقق التكافؤ بين ما سيبذله وما سيحققه، كما يمكن للمؤسسة أن تدير العلاقة مع موظفيها او مستثمريها او زبائنها، عبر رفع أو خفض التوقعات، وعبر الإيفاء بتقديم المنتجات أو الخدمات.
وبالنسبة لإدارة العلاقة مع الموظفين في المؤسسة، يمكن للإدارة أن ترفع التوقعات بما يدفع العاملين لديها لبذل جهود معينة، تماما كما يمكن كبحهم عبر نظام للعقوبات. وفي الماضي، كان التعويل على إدارة توقعات الناس عبر التركيز على العقوبات، وكان يمكن حتى فرض عقوبات غير متوازنة ولا يتوقعها الناس، وكل ذلك من أجل إرعابهم او إبعادهم عن القيام بعملٍ ما او اخضاعهم بصورة مطلقة لوضع قائم. أما في العصر الحالي، الذي يوصف احيانا بعصر الخيارات والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنَّ التركيزيتجه أكثر نحو الحوافز الإيجابية، وذلك لاعتبارات التطور في الذوق ومستوى الحياة الكريمة.
إدارة التوقعات يعتبر موضوعاً استراتيجيّاً بالنسبة للمؤسسات الإبداعية، ومثلاً، فإنَّ شركة «أبل» كانت تصعد قيمتها باستمرار أثناء قيادة ستيف جوبز لها (قبل وفاته في 2011)، لأن الزبائن والمستثمرين كانوا دائما «يتوقعون» الإعلان عن منتجات جديدة كل مرة يخرج فيها جوبز بمؤتمر صحافي، ولكن عندما توفي صدم المستثمرون بأن المنتج الذي أعلن عنه بعد وفاته كان أقل من المتوقع، وذلك أدى إلى انخفاض في قيمة أسهم الشركة.
المؤسسة المبدعة عليها دائماً أن تتجاوز توقعات زبائنها وموظفيها ومستثمريها، ولذا فإن أسوأ ما يمكن أن يحصل لزبون ما، هو أن يحصل على وعدٍ بحلِّ مشكلةٍ من المشاكل، وإذا به يفاجأ بتعطيل الخدمات أو عدم الاستجابة له بحسب الجدول الزمني «المتوقع». ولقد أدَّت هذه الفلسفة إلى اعتبار أن «الزبون» هو الملك، بمعنى أن طلباته ورغباته لا يمكن ردُّها أو التلاعب بها، وأن الاستجابة إليه تُحدِّد مدى نجاح أو فشل المؤسسة.
ان المؤسسات الناجحة تسعى إلى أن يكون لديها فريق لدعم الزبائن، وأن يكون هذا الفريق على دراية جيدة بالحلول المطلوبة لكل مشكلة محتملة، ويكون قادراً على التحدث مع الزبون حول الخيارات المتاحة والاحتمالات المتوقعة، وأن يتم ذلك بسرعة. إن إدارة توقعات الزبائن في هذا الجانب تتطلب موظفين متدربين على سرد الحلول الممكنة، وتتطلب وجود فرق دعم تتعامل مع تعقيدات المشاكل التي يواجهها الزبائن، وتتطلب وجود من ينخرط مباشرة من أجل حل ما يتم تشخيصه من مشاكل. وما سيميز المؤسسات الناجحة عن غيرها هي أنها تستطيع أن تتجاوز توقعات الزبائن أثناء تقديم هذه الخدمة.
كما أن المؤسسات الناجحة تطرح جدولاً زمنيّاً واضحاً، لكي يتوقع الزبون متى سيتم حل المشكلة، وذلك لكي يتحمل الإزعاج المؤقت لعدم توفر ما يريده من المنتج أو الخدمة بين يديه، والتي يدفع مقابلها المال أو الاشتراكات أو الرسوم. الزبائن يغضبون إذا كان لا يمكنهم معرفة الجدول الزمني المتوقع لحل المشكلة، أو أنهم لا يعلمون سبب المشكلة أو كيفية معالجتها، أو متى سيتم ذلك.
إدارة التوقعات بصورة راقية تتطلب أيضاً الشفافية، وهو عامل حاسم يحدد فيما إذا كان الزبون سيثق في المؤسسة ومنتجاتها وخدماتها، أم أنه سيتذمر وسينشر ما يسيء إلى سمعتها وسيغادرها في أسرع وقت يتمكن من ذلك. وعليه، فإن المؤسسة الناجحة تسعى لأن تكون إجاباتها على استفسارات الزبائن صادقة ومن دون لف أو دوران، بل إنها قد تفتح الباب للتشاور مع الناس حول طرق حل المشكلة مع حفظ الأسرار وتحمل أعباء جميع التكاليف.
المؤسسات الناجحة تعتمد على التفاؤل بالخير وبالمستقبل، وذلك من خلال رؤية واضحة وواقعية تعتمد على تجارب ملموسة وقابلة لأن يصدقها الآخرون.
شركة غوغل تطرح من ضمن ثقافتها أن «إدارة التوقعات هي الخطوة الأولى لتجربة إيجابية للزبائن»، وواقعا انها الخطوة الاولى لتجربة ايجابية مع الذات قبل ان تكون مع الاخرين.
ان ادارة التوقعات تتطلب المتابعة الحثيثة في كل مرحلة من مراحل عملية اتخاذ القرار، للتأكد من إمكانية الاستجابة لما يسعى اليه المرء، وللتأكد من امكانية الاستجابة لتوقعات الزبائن والموظفين والمستثمرين. ان إدارة التوقعات تضمن النجاح على مستوى ادارة الذات وتضمن الاستمرار في الصعود والتفوق في الأداء والتميز على المنافسين.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5081 - الخميس 04 أغسطس 2016م الموافق 01 ذي القعدة 1437هـ
المشكلة مو في التوقعات فقط بل في المعطيات التي امامك الغير واضحة وامامك خيارات و وقت ينفذ كالسيف و اخرون ينتظرون و يضغطون و اوناس و ازمنة متغيرة كامواج البحر لا تعرف لها مرسا تجري وراء مصالحها الخ و ما نجاحنا و توفيقنا الا بالله .
إدارة التوقعات وماوصلنا إليه من تفرقتنا كشعب وانعدام الثقة بيننا
مشكور دكتور منصور... .. والله يكون في عونك