تشكو الأندية والجمعيات والصناديق الخيرية من ندرة الكوادر الإدارية، ومن قلة المتقدمين للانخراط في مجالس إداراتها، أو حتى المساهمة في تنفيذ مهامها. ونتيجةً لذلك أصبح من المألوف أن نرى إعلانات في الصحف اليومية عن تأجيل عقد بعض الجمعيات العمومية لبعض الأندية والمؤسسات الخيرية، لعدم استكمال عدد المترشحين لعضوية مجلس الإدارة. ويمكن أن نرى نفس الإعلان ينشر في الصحف لأكثر من مرةٍ والسبب واحد، وهو عدم اكتمال عدد المترشحين لعضوية المجلس. مع العلم بأن العزوف عن المشاركة في العمل التطوعي ليس محصوراً في عدم التقدم لعضوية مجالس الإدارة؛ ولكن يشمل مجمل نشاط العمل الاجتماعي التطوعي.
العزوف عن القيام بواجب العمل التطوعي من خلال مجالس الإدارة أو عدم المشاركة في العمل التطوعي عموماً، له أسباب كثيرة ومتعددة، منها عدم رغبة الأفراد في العمل التطوعي أو كون بعضهم ساهم في السابق في العمل التطوعي، وواجه مصاعب أو إحباطات نتيجة لعدم تحقيق نتائج كان يتمناها. والبعض الآخر لا يقدّر واجبه نحو المجتمع، وأن تقديم خدمة العمل التطوعي ليس في أولوياته. والنتيجة هي العزوف، وبصفة حتمية ضعف العمل التطوعي عموماً، ومعاناة الأندية والجمعيات الخيرية من ناحية الاستمرار في تقديم خدماتها للمحتاجين في المجتمع.
وينتج عن ذلك حالة من الضعف العام في تقديم العمل التطوعي على مستوى البلد، وكذلك ازدياد حالة العزوف حتى من قبل المشاركين، الذين يمضون سنواتٍ من العمل التطوعي المتواصل، لكنّهم يصلون إلى مرحلةٍ من التعب أو اليأس من عدم مساهمة الآخرين، ويتخلّون عن دورهم ويتركون الساحة، ويصبح حالهم حال البقية من الناس التي لا تساهم.
ولذلك يجب أن يكون هناك برنامج توعية فعّال على مستوى البلد، لتشجيع الناس على العمل التطوعي، مع تخصيص حوافز سنوية لتكريم العاملين في هذا المجال، حتى نستطيع زيادة الوعي ومن ثم المساهمة في خدمة المجتمع. ويمكن أن يكون هناك أكثر من يوم في السنة، لإقامة مناسبات لهذا الغرض تكون فيها فعاليات مجتمعية تطوعية. هذه المناسبات إذا أقيمت يجب أن تكون فيها برامج موجّهة للعمل التطوعي، ومن ضمنها تكريم المبدعين في العمل التطوعي.
وربما من المناسب أن نقول بأن العمل التطوعي ليس سهلاً، وأن الأشخاص الذين يعملون في العمل التطوعي لهم مواصفات معينة وطبيعة قابلة لمساعدة الآخرين، من غير كللٍ أو ملل، ومن غير مقابل مادي. فهذه الشريحة من الناس لديهم إيمانٌ بواجبهم نحو مساعدة الآخرين، ولذلك هم يعشقون العمل التطوعي ويتهافتون على تقديمه، على رغم التعب والمشاكل التي يواجهونها.
من واقع خبرتي في مجال إدارة الأندية الرياضية، كنت أقول للعاملين معي ولازلت، بأن أي فردٍ يعمل في العمل التطوعي يجب ألا يتوقع حتى كلمة «شكراً» من الآخرين، فإن قيلت له، فألف حمدٍ وشكر، وإن لم يتكرّم أحدٌ بقولها، فيجب ألا يهتم طالما هو راضٍ بخدمة الناس.
أتمنى في مقال قادم أن نتكلّم عن أنواع وأشكال الخدمات التي يمكن تقديمها للمجتمع والمؤسسات التطوعية والخيرية، ولكني أحب أن اختم هذا المقال بذكر الآتي: كنت ولسنواتٍ عدة أذهب صباح يوم الجمعة إلى ساحل بلاج الجزائر للسباحة في البحر والتمتع بالمشي على رماله. في أحد تلك الأيام رأيت باصين (حافلتين) نزل منهما ما يقارب 50 إلى 60 شخصاً، محمّلين بأكياس نايلون كبيرة ومتجهين إلى البحر، وقفت حائراً أفكر: ماذا سيعملون؟ وإذا بهم يشاركون في تنظيف الساحل ويلتقطون المخلّفات من ورق وعلب مشروبات فارغة، ويضعونها في الأكياس التي كانوا يحملونها. ذهبت إليهم لأتعرّف عليهم وأسألهم ماذا يعملون؟ عرفت أنهم من نادي الفلبين في البحرين، وأن المشاركين كلّهم من جنسية الفلبين، وأنهم يقومون بهذا العمل بمعدل عدة مرات في السنة.
ما شاء الله، قلتها بحسرة، نحن البحرينيين الذين نرمي المخلفات على شواطئنا، وهم الأجانب الذين ينظفونها نيابةً عنا. ولكني أفقت على حقيقةٍ واضحة، وهي أن هذا العمل الذي يقومون به هو ما تعلّموه من التربية في بلادهم، وأن ما نقوم به من رمي المخلفات على الشواطئ هو ما تعوّدنا عليه من عدم اهتمام، وعدم مراعاة لمتطلبات خدمة المجتمع وغياب العمل التطوعي.
وفقكم الله لخدمة الآخرين، وأشّد بحرارةٍ على أيدي كل من يعمل في تقديم العمل التطوعي، فهذا نبلٌ لا توجد من الكلمات ما يكفي لإيفاء حقّ من يقوم به.
إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"العدد 5071 - الإثنين 25 يوليو 2016م الموافق 20 شوال 1437هـ
أتفق معاك في المقال في مجال العمل التطوعي في البحرين عندي بعض الملاحظات هو أن هناك البعض يسيطر على الجمعية أو المؤسسة فقط له والنفوذ يكون بشكل أوسع مع ما يريد هو الشخص وجعلها للأهل والاصدقاء فقط أو تكون ذات لون وأحد هناك تكمن المشكلة يجب أن يكون هناك قانون وأضح من أجل نشر ثقافة العمل التطوعي في المجتمع .
نعم نحتاج الى زيادة الوعي بأهمية العمل التطوعي في النهوض بالمجتمع ورأب الصدع، ونشر ثقافة أن العمل التطوعي من واجبات الافراد القادرين على العطاء ، ومن الضروري حث الطاقات الشبابية على المساهمة والمنح.
احنا بعد البحرينيين نظيفين وشباب ما شاء الله وجمعيات واجد تطوعية بس يبغي اليهم دعاية وتشجيع...وبعض الشباب الله يعينه عنده مسؤليات لاخر اليوم ما يمديه يسوي شي..
شكراً صالح حسين مقال رائع عن العمل التطوعي وعن عزوف الشباب الاسهام فيه بلدنا بها طاقات ويجب على المسئولين تشجيعم حتى نرتقى
نعم تعرف ليش ... انا عملة ما يقارب 33 سنه لم اجنى غير حب الناس و لم اجد يوم تم تكريمي من قبل اى مسؤول على مستوى المؤسسه او البلد والذى يتقاضى يعمل لهو حفل وهدايه من جميع الحهات .