في مساء يوم الجمعة الموافق 15 يوليو/ تموز 2016 تفاجأ الشعب التركي ودول العالم في كل القارات بخبر الانقلاب العسكري على الحكومة التركية التي جاءت عبر صناديق الاقتراع، وهذا ما جعل شعوب وحكومات العالم تراقب مجريات الحوادث بقلق شديد، وقد أجمعوا على تنديده وعدم التعاطف معه؛ لأنهم تخوفوا من عودة العسكر إلى السلطة في تركيا بعد القضاء على الحكم المدني، والشعب التركي ومعارضته السياسية في تلك الليلة العصيبة وقفوا بصدورهم العارية ضد محاولة الانقلاب العسكري، وأعلنوا رفضهم القاطع له؛ لأنهم يعلمون أن حكم العسكر الذي لا يرغبون في الرجوع إليه، سينهي تماما المبادئ والمظاهر الديمقراطية في بلادهم.
لقد وجدوا أنفسهم أنهم على أبواب مرحلة سياسية خطيرة جدا، لو سكتوا ولم يكن لهم الموقف الحازم تجاه هذه المحاولة الانقلابية سينتهي الحكم المدني الذي تسلم السلطة في بلادهم ديمقراطيا قبل أكثر من 12 عاما، الذي يعتبرونه على رغم ملاحظاتهم عليه أفضل بكثير من عودة حكم العسكر إلى السلطة، فلهذا قرروا النزول إلى الساحات في العاصمة اسطنبول وبقية المدن التركية الكبرى، بكل شرائحه وأطيافه ومكوناته وتياراته السياسية، ويكون هدفه الوحيد هو إفشال الانقلاب العسكري الذي يعتمد في تحركه على القوات البرية والجوية وبعض القطاعات العسكرية المختلفة، غير عابئين بتهديدات الإنقلابيين لهم.
لقد نجحوا في تحقيق هدفهم، وأفشلوا الانقلاب بعد ساعات قليلة من انطلاقه، وأثبتوا للعالم أن الشعب بكل مكوناته الوطنية هو الذي يحمي وطنه من كل المخاطر التي تداهمه في أنصاف الليالي، وأنه الضمانة الأكيدة للأمن والسلام والاستقرار في بلدهم، وأنه السبيل الوحيد لتطوير وتنمية وطنهم، فلو تخلى عن القيام بهذه المسئولية في تلك اللحظات الخطيرة لذهب وطنهم وكل مكوناته إلى المجهول الذي لا يعلم مداه إلا الله والراسخون في العلم.
المراقبون يقولون إن تمترس الشعب التركي بكل أطيافه السياسية والمدنية خلف المبادئ الديمقراطية التي أتت بالحكم المدني، يجعل الرئيس التركي يقف طويلا أمام هذه الحاله التضامنية غير المعهودة سابقا في بلاده، لا ريب أن وقوف الشعب التركي في وجه الانقلاب العسكري وإفشاله قد ثبت وقوّى حكمه أكثر من السابق، ولكنه في الواقع كان وقوفه من أجل ترسيخ الدعائم الديمقراطية التي تسمح للشعب التركي وجميع الأحزاب السياسية المعارضة التي شاركت في إفشال الانقلاب ممارسة حقها الدستوري والقانوني ومشاركتها في تطوير وتنمية بلدهم، سياسيا واقتصاديا وأمنيا وتحصينه من كل الأزمات والمخاطر المحتملة في المستقبل، ويعتقدون أن تركيا بعد فشل الانقلاب تختلف كثيرا عن تركيا ما قبل المحاولة الانقلابية، ويرون أن في هذه المرحلة الحساسة يتطلب من الحكومة التركية التعاون بصورة واسعة مع المعارضة بكل مكوناتها السياسية، لترسيخ الديمقراطية والحكم المدني، وامتصاص كل تداعيات وانعكاسات المحاولة الانقلابية.
لكي تعود تركيا إلى مواقعها العالمية المتقدمة التي كان الشعب التركي يطمح تحقيقها، في الجوانب الاقتصادية والسياسية والحقوقية والسياحية، فالمئات من الشعب التركي الذين سقطوا بين قتيل وجريح وهم يدافعون عن المبادئ الديمقراطية، من الطبيعي سيكون لهم ولعوائلهم مكانة خاصة في المرحلة القادمة؛ لأنهم بفضل تضحياتهم السخية حافظت تركيا على كيانها السياسي والاقتصادي والعسكري، لقد شهد العالم للشعب التركي أنه بوقوفه المسالم الواعي وتضحياته الكبيرة قد ساهم بشكل مباشر في عودة بلدهم إلى أحضان الدولة المدنية، التي تحتاج منهم مواصلة العمل الجاد، لتكتمل جميع أركانها الديمقراطية، ويكون حقا كما جاء في الدستور التركي أن الشعب مصدر السلطات الثلاث، التنفيذية والقضائية والتشريعية، ويأملون أن يحقق الشعب التركي كل طموحاته الديمقراطية وبناء دولته المدنية، التي تنعكس إيجابيا على بلدهم والعالم أجمع في كل الاتجاهات.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5069 - السبت 23 يوليو 2016م الموافق 18 شوال 1437هـ
تصفية حسابات
انت مصدق ان هذا انقلاب
الكاسر
نداء الا اردوغان الله الله في شعبك لا تنتغص حق مواطن ولا حق الوطن احمد ربك ان عندك شعب وقف عاري الصدر لحمايتك وصية ثانية