لا أحد ينكر دور وزارة العمل والتنمية الاجتماعية منذ إنشائها تحت مسميات مختلفة، في تطوير العمل الخيري والاجتماعي التطوعي في البحرين، وتقديم المساعدات الإجتماعية للأسر المحتاجة في شتى المناطق، ولكونها أيضاً المظلة الرئيسة المنظمة لعمل المنظمات الأهلية، ومنها الصناديق الخيرية آنذاك والجمعيات الخيرية حاليّاً.
نقول ذلك بكل أريحية، ولكن هناك بعض المنغصات التي تعرقل هذا الدور المهم للوزارة والمنظمات الأهلية عموماً والخيرية بالذات. فقد شدتني إحصائية حديثة صادرة من الوزارة نشرت في إحدى الصحف المحلية تقول بأن الوزارة في العام الماضي (2015م) منحت 603 منظمات أهلية مسجلة في البحرين 662 ترخيصاً لجمع المال من الداخل والخارج، منها 193 ترخيصاً لجمع المال و247 لتحويله للخارج و171 لاستلامه من الخارج، و47 ترخيصاً لتلقي أموال من دون ترخيص و4 هبات.
هذا العدد الهائل من طلبات التراخيص لم يكن ليتم لولا أن جهداً كبيراً قد بذلته جهات متعددة مثل الوزارة والمنظمات الأهلية والخيرية صاحبة هذه الطلبات لتنفيذ ذلك، وفقاً لأحكام المادة (21) من قانون الجمعيات التي «تحظر جمع المال داخل البحرين أو خارجها إلا بموجب ترخيص مسبق من قبل وزارة التنمية الاجتماعية».
البداية
كانت في العام 2006م عندما أصدرت الوزارة قرارها رقم (27) بشأن طلب الترخيص لجمع المال وكان قراراً فوقياً ولم تتشاور الوزارة بشأنه مع الصناديق الخيرية آنذاك، مما دعا الصناديق لرفضه والتقدم بمرئياتها التي تضمنت التزامها بالقوانين والأنظمة، ولكن تطلب إلغاء أو تجميد هذا القرار. وقد أكدت الصناديق الخيرية في مرئياتها التزامها التام بالقوانين والقرارات التنظيمية في جميع المجالات التي تهمها وتمس مجالات عملها بما في ذلك تنظيم جمع المال، كون هذه الصناديق حتى في ذلك الوقت هي نفسها مؤسسات أهلية منتخبة ضمن مؤسسات المجتمع المدني. أيضاً ركزت على أهمية التشاور والحوار مع الوزارة قبل إصدارها أية قرارات تمس أو تتعلق بأعمال وشئون الصناديق الخيرية حتى تضمن الوزارة مشاركة فعالة من قبل هذه الصناديق، وتطلب التشاور بشأن القرار مع الوزارة بعد تحولها لجمعيات. كما أكدت الصناديق عدم ممانعتها من التقيد بقرار الوزارة بشأن جمع المال للمشاريع قصيرة الأجل، ولكن لم ترتضِ تضمين الحصالات في هذا القرار بحكم أن الحصالات ليس لها أمد محدد، وتأخذ طابع الاستمرارية. الحصالات من أهم الموارد الأساسية لدخلها من أجل دعم برامجها الموجهة للعوائل المحتاجة، وإن وضع معوقات في طريقها كمثل هذا القرار، يؤثر سلباً على مواردها الشحيحة أصلاً، وخاصة أن آلية تنفيذ هذا القرار، بما جاء فيه، غير قابلة للتطبيق عمليّاً.
بعد ذلك تم فعلاً تجميد قرار جمع المال إلى أن تحولت الصناديق إلى جمعيات خيرية خلال تلك الفترة، ولكن بعدها أصدر المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2013م بشأن تنظيم جمع المال للأغراض العامة، ولائحة تنفيذية من الوزارة، مرة أخرى بدون التشاور مع هذه المنظمات الأهلية صاحبة الشأن.
آليات المرسوم بقانون
ولكي نتفهم أكثر هذه الإجراءات المعقدة سنلخصها كما جاءت في هذا المرسوم بقانون... «يقدَّم طلب الترخيص بجمْع المال إلى الوزارة طبقاً للنموذج المعد لهذا الغرض قبل بِدء الجمْع بشهرين على الأقل، وعلى أن يشتمل الطلب على طريقة الجمْع ومدته ومكانه والغرض منه. وتحدِّد اللائحة التنفيذية لهذا القانون طرق جمْع المال ووسائل الجمْع وضوابطه ومدة الترخيص، وعدد المرات التي يجوز الترخيص فيها لذات الشخص بجمع المال. على الوزارة أن تبت في طلب الترخيص بجمع المال خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه، وعليها قبل البت في الطلب أن تستطلع رأي الجهات الحكومية ذات الصلة بالغرض الذي يجمع من أجله المال. ويخطَر طالب الترخيص بقبول الطلب أو رفضه، كما تخطَر الجهات الحكومية المختصة. ويُعتبَر فوات المدة المشار إليها دون رد بمثابة رفْضٍ ضمني للطلب.
يلتزم المرخَّص له بفتح حساب في أحد المصارف المعتمَدة من مصرف البحرين المركزي، تودَع فيه المبالغ المحصَّلة، وأن يخطِر الوزارة برقم هذا الحساب. يجب على كل شخص طبيعي أو اعتباري تلقَّى تبرعاً للأغراض العامة بغير ترخيص أن يبلغ الوزارة خلال سبعة أيام بقيمة هذا التبرع، والغرض منه والمتبرِّع، وعلى الوزارة أن تخطره خلال خمسة عشر يوماً بقبول هذا التبرع أو رفضه طبقاً لاتفاق الغرض منه، مع الأغراض العامة من عدمه. ويعتبَر فوات هذه المدة دون رد بمثابة موافقة ضمنية على قبول التبرع.
وتبيِّن اللائحة التنفيذية ضوابط قبول التبرعات والإجراءات المتعلقة بها وقواعد إنفاقها والتقرير بشأنها. لا يجوز للمرخَّص له إنفاق المال في غير الغرض الذي جُمِع من أجله، وفي حالة الرغبة في تغيير هذا الغرض يجب الحصول على موافقة الوزارة، ويتحمل المرخَّص له المسئولية تجاه المتبرِّع إذا كان التبرُّع مشروطاً دون أدنى مسئولية في ذلك على الوزارة. ويلتزم المرخَّص له خلال خمسة عشر يوماً من انتهاء المدة المحددة لجمع المال أو الإخطار بقبول التبرع بأن يقدم للوزارة تقريراً بحصيلة المبالغ التي جُمِعت وأوجه الصرف منها مؤيَّدة بالمستندات الدالة على صحتها، ويقدم هذا التقرير سنوياً إذا زادت المدة المحددة لجمع المال على سنة».
لاشك أن هذا القانون يستهدف ضبط إجراءات جمع المال، وتكريس مبادئ الشفافية في جمع الأموال والتبرعات، والحفاظ على الأموال الخيرية، وعدم استغلالها في دعم أية أعمال غير مشروعة قانوناً، إضافة إلى تعزيز طمأنينة المواطنين والمقيمين لجهة صرف الأموال، والذي يسهم في تشجيع وتحفيز أعمال الخير في إطار من الشفافية والمسئولية والالتزام ولكن يجب التأكيد هنا أن المشكلة الرئيسة ليست في القانون أو النظام نفسه الذي تقبلته المنظمات الأهلية وتنفذه على مضض، وإنما في آليات تطبيق وتنفيذ هذا النظام، فهي لا تحقق هدف إعانة المنظمات الأهلية في العمل الخيري والتطوعي على جمع المال للمصالح والمنافع العامة، وإنما تعيق عملها.
المشكلة والحل
اللائحة التنفيذية التي تبنتها الوزارة تضمنت الكثير من الإجراءات التي تعيق تسهيل تطبيقها من قبل أكثر من جهة حتى من الوزارة نفسها والمنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية والبنوك، وكذلك المحلات التجارية التي تتعامل معها هذه الجمعيات في مجال وضع الحصالات، إضافة للشركات والبنوك والمؤسسات الخاصة التي ترغب في تقديم تبرعاتها لها. وهذا ما توقعته المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية بالتحديد في بادئ الأمر، وقد تبين صحة ذلك من خلال تجارب الأعوام السابقة، إذ إن هذه الآلية عملياً صعبة التطبيق ومعقدة بسبب بيروقراطية تشكيلها.
المشكلة الأخرى هي أن الوزارة لم تلتزم من خلال التجربة، بالمدد الزمنية المحددة في المرسوم بقانون، ولذلك تحتاج أي جمعية مثلاً لمدة تزيد على 4 أشهر للحصول على هذا الترخيص، إن استطاعت تكملة وتوفيرالمعلومات المطلوبة من أول محاولة. في حالات عدة ترفض هذه الطلبات حتى بدون ذكر الأسباب أو تتأخر أكثر بمجرد أن تكون معلومة واحدة ناقصة، لتبدأ هذه العملية الطويلة من جديد. عند رفض الطلب تتوقف التبرعات حتى من الشركات والمؤسسات الداعمة، لأن هذه المؤسسات تطالب بترخيص جمع المال قبل أن تتبرع بشيء. حدث ذلك في شهر رمضان الفضيل لهذا العام وخسرت الجمعيات هذه التبرعات على رغم الحاجة الماسة لها.
إن من مسئولية الوزارة التي هي المظلة لهذه المنظمات الأهلية التأكد من عدم تضرر هذه الجمعيات التي يعمل أفرادها من أجل الخير كل الخير للمجتمع البحريني من بعض قراراتها وهي من تنسق وتوصل رأي المنظمات الأهلية للجهات الحكومية الأخرى التي لها صلة بالموضوع بكل شفافية.
الوزارة مطالبة باستحداث تشريعات وآليات تسهم في تيسير أعمال هذه المنظمات الأهلية ومساعدتها في تطويرهذا المجال الخيري والاجتماعي لما فيه صالح البحرين ومواطنيها. مثل هذه القرارات إذا لم تشارك هذه المنظمات الأهلية في دراستها وتبنيها مع الجهة المصدرة لها فإنها في النهاية تقتل روح التطوع عند أفرادها وهذا ما لا يرضاه أي عاقل.
ولذلك نقول بأنه ليس عدلاً أن تواصل الوزارة وتستمر في عدم الالتفات للشكاوى المتزايدة من المنظمات الأهلية والجمعيات الخيرية، على رغم علمها بذلك، بشان إعادة النظر في هذه الآلية المعقدة وتخفيف القيود عليها، وخصوصاً أن عمل هذه المنظمات تطوعي بحت، ومن شأن ذلك أن يقلل نسبة الإقبال على العمل الخيري الاجتماعي التطوعي الذي هو أصلاً يعاني للأسف في بلدنا من الشللية والانحسار التدريجي.
إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"العدد 5068 - الجمعة 22 يوليو 2016م الموافق 17 شوال 1437هـ
صار لنا شهرين مقدمين على الطلب بعد اجراءات معقدة من قبل التنمية وللان لم نستلم الموافقة .. جمعية خيرية
في الصميم...!!!
البيروقراطية اداة خطيرة جداً خصوصاً عندما تكون متعمدة
كل يوم تضع الحكومة عراقيل جديدة للعمل الخيرية والتطوعي. بالطبع نحن مع التنظيم ولكننا ضد التضييق. فهذه الإجراءات تضييق وليس تنظيم. والوزارة لم تشاور كل المعنيين بموضوع جمع المال، لا الجمعيات المعنية ولا المختصين ولا حتى البنوك التي تفاجأت بطلب فتح حساب مؤقت لجمع المال، فتعطلت مصالح العباد لأن هناك من قرر التضييق على المؤسسات الأهلية.
يتعرض القائمون على الجمعيات الخيرية إلى اجراءات وعراقيل كبيرة وهم متطوعون تركوا ابناءاهم وتفرغوا للعمل الخيري على حساب راحتهم وراحة اسرهم، يجب ان يشجعوا ويكرموا من الدولة على عملهم ويسهل عليهم.
العمل التطوعي والخيري يحتاج الى ناس في قمة التواضع ويحتاج لشخص لا يهمه الا رضا الله اما .... فإنك تبحث عن الجاه وتتعامل مع الناس بالطبقية وتفضل الأغنياء ومجالستهم وتتكبر على الفقراء
هذا التعليق ليس له أي علاقة بالموضوع.
ليس عيب ان تجمع للمحتاجين سوى على مستوى الدول او الجمعيات ولاكن باشراف اداره منبثقه من...
البروقراطية على جمعيات معينة وليس على كل الجمعيات ، هذا الحال المأساوي هو الذي يؤلم النفس ويثبط الههم ، ما تعانيه الجمعيات الخيرية خليط بين البروقراطية والطائفية المقيتة