انتشرت في (19 يوليو/ تموز 2016) اتهامات لزوجة المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب (ميلانيا)، بأنها سرقت أجزاءً من خطاب يعود إلى ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما. ميلانيا ترامب قالت: «إن والديّ علّماني أن أعمل بجدٍّ من أجل أن أحقّق الأشياء التي أحلم بها في الحياة، وأنَّ الكلمة التي أنطق بها هي عهد علي، وأن أفعل ما أقول وأن أنفّذ ما أعِدُ به، وأن أعامل الناس باحترام».
ورأى مراقبون ومعلقون صحافيون أن التشابه واضح تماماً بين خطاب ميلانيا الذي ألقته في 2016، وذلك الخطاب الذي ألقته ميشيل أوباما العام 2008 أثناء مؤتمرٍ للحزب الديمقراطي،
هناك عبارات اخرى متشابهة. ولاحقاً، اعترف جيسون ميللر، المستشار الإعلامي لترامب، بأنه المسئول عن هذه السرقة الأدبية.
انتشرت أيضاً تعليقات عديدة على الموضوع، من بينها من قال بأن ميشيل نفسها كانت قد استقت المفاهيم التي استخدمتها في خطابها العام 2008 من كتاب «العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعليّة»، لمؤلفه عالم الإدارة الراحل ستيفن كوفي الذي توفّي في العام 2012.
وكان ستيفن كوفي قد أشار في مقابلة له في العام 2011 إلى أنه قبل أن يكتب كتابه، كان قد تأثّر كثيراً بكتابين، وهما كتاب Effective Executive الذي ألفه الأب الروحي لعلم الإدارة الحديث بيتر دراكر في العام 1967، وكتابMan›s Search for Meaning الذي ألفه عالم النفس فيكتور فرانكل Viktor Frankl. وفرانكل كتب ذلك الكتاب عن تجربته في معسكرات الموت في ألمانيا النازية، وكيف أنه تحت التعذيب والضغط، اكتشف خطأ النظريات الحتمية التي تقول إن مصير الإنسان محتوم بالظروف الوراثية، أو الظروف النفسية التربوية (كعلاقته مع والدته التي يطرحها سيغموند فرويد)، أو الظروف البيئية والمجتمعية المحيطة به.
كوفي آمن بأنَّ الإنسان كائنٌ حرٌّ يختار لنفسه مصيره مهما تكن ظروفه الجينية أو التربوية أو البيئية؛ وأن الإنسان المسئول responsible (كما تشرح الكلمة التي تتكوّن من مفردتين) هو المخلوق الذي يمتلك القدرة able على تحديد الرد response، والشخص الذي يمتلك تحديد الرد... انه شخص له ضمير حر (الضمير)، عارف بنفسه (الإدراك الذاتي)، ويمتلك رؤية لمستقبله (الخيال)، ويقرّر مصيره بنفسه (الإرادة المستقلة).
تأسيساً على تلك المفاهيم، استعان ستيفن كوفي بنظرية القانون الطبيعي (الفطرة)، وهذه النظرية تعتمد على مبادئ خالدة بغض النظر عن الزمان والمكان، يسترشد بها الإنسان. ويشير كوفي إلى أنّ النمو الإنساني الطبيعي ينتقل من اعتماد المرء على الآخرين dependant إلى الاستقلال والاعتماد الذاتي independent، ومن ثم إلى الاعتماد المتبادل مع الآخرين interdependent.
كوفي قال إنَّ الإنسان الذي يسعى إلى الانتقال من مرحلة الاعتماد على الآخرين إلى مرحلة الاعتماد على الذات، يحتاج إلى 3 عادات لتحقيق هذا الانتصار الشخصيPrivate Victory، وهذه العادات هي:
العادة الأولى: كن مبادراً Be Proactive، وهذه العادة تبحث في المؤثرات والاهتمامات التي تفرض نفسها على الإنسان، وكيف يتحوّل الشخص من مشتت الاهتمامات يعيش تحت ضغط الظروف، إلى مؤثر وفاعل وقادر على تحديد مسار حياته.
العادة الثانية: ابدأ والغاية في ذهنكBegin with the End in Mind، وهذه العادة تحدّد رسالة الشخص في حياته، وتصوراته وقيمه التي يسترشد بها.
العادة الثالثة: ابدأ بالأهم ثم المُهم Put First Things First، وهذه العادة تجعل الإنسان قادراً على إدارة أولوياته ووقته، وأن يقرّر إذا كان أمر ما «عاجلاً ومهمّاً»، أو «غير عاجل ومهم»، أو «عاجلاً وغير مهم»، أو «غير عاجل وغير مهم»، وكيف يتصرَّف مع كل مُهمَّة أمامه.
بعد ذلك طرح كوفي أن الإنسان، ولكي ينتقل من مرحلة الاعتماد على الذات إلى مرحلة الاعتماد المتبادل مع الآخرين، فإنه يحتاج إلى 3 عادات أخرى لتحقيق هذا الانتصار الجماعي Public Victory، وهذه العادات هي:
العادة الرابعة: فكّر بالمنفعة المتبادلة Think Win/Win وهذه العادة تنطلق من مبادئ الفطرة، بأن الرزق متوافرٌ للجميع، وأن التفكير في الخير للآخرين يعود بالخير على الشخص الذي يفكّر بأن يكون نافعاً للناس. وعليه، فإنَّ الشخص الناجح الذي يسعى إلى تحقيق النصر الجماعي، عليه أن يتبنَّى إطاراً لتحقيق الفائدة المشتركة مع الطرف الآخر، وأنَّ يبحث -قدر الإمكان- عما يرضي جميع الأطراف.
العادة الخامسة: اسع إلى فهم الآخرين أولاً، ثم اسعَ إلى أنْ يفهموكSeek First to Understand, Then to Be Understood، وهذا يؤكد أن على الإنسان أن يضع نفسه في موقع الآخرين، وأن يدرك الأسباب التي أوصلتهم إلى ما هم عليه، وعليه أن يتعلّم الإنصات جيداً، وأن تكون لديه خاصية «التقمص العاطفي»، وبعد ذلك بإمكانه أن يسعى إلى أن يفهمه الطرف الآخر.
العادة السادسة: التكاتف مع الآخرين Synergize، وهذه العادة تجعل «الكل» أعظم من مجموع الأفراد، وهو امتدادٌ لعادة تحقيق المنفعة المتبادلة والسعي لفهم الآخرين أولاً.
وبعد ذلك، يطرح كوفي العادة السابعة، وهي شحذ المنشار Sharpen the Saw، وذلك إيماناً بمبدأ التجديد المستمر الذي يجب أن يُخضع الإنسان نفسه له، لكي يبقى على عاداته وقدراته سليمة وفعالة.
ولا شك في أن النجاح الذي حقّقه ستيفن كوفي في نشر الكتاب نابع من سهولة الطرح، وقدرته على شرح المفاهيم الفلسفية بأسلوب قصصي شيق، وعبر توضيح الإطار وتقسيمه بأسلوب عصري، وربطه بمفهومي النصر الخاص (إدارة الذات وتحديد المصير)، وبالنصر العام (من خلال الاشتراك والتعاون مع الآخرين).
لقد استلهم كوفي الأفكار التي طرحها من جاء قبله (مثل بيتر دراكر وفيكتور فرانكل)، وأعاد إنتاجها وطوّرها لكي يقول إن كل شخص هو سيد نفسه، وهو الذي يحدّد ما إذا سيكون سعيداً أو تعيساً، أو سيكون ناجحاً أو فاشلاً، بالاعتماد على حريته في الاستجابة للمؤثرات المحيطة به، وقدرته على تحديد الخيارات، من خلال تمسّكه الفعال بعاداتٍ ترتبط بفطرة الإنسان الحُر والكريم.
لا غرابة إذاً في الجدل الذي أثير حول خطاب زوجة دونالد ترامب في 2016، وفيما إذا كانت قد أخذته من خطاب زوجة باراك أوباما في 2008، وفيما إذا كانت ميشيل أوباما نفسها قد استقت بعض ما ذكرته من كتاب «العادات السبع للأشخاص الأكثر فاعليّة» الذي نشره ستيفن كوفي في العام 1989، وباع منه أكثر من 25 مليون نسخة، وترجم إلى أكثر من 40 لغة، وتأثّر به ملايين الناجحين في بلدان مختلفة في جميع أنحاء العالم.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5067 - الخميس 21 يوليو 2016م الموافق 16 شوال 1437هـ
هذه النظريات السبع المطروحة ألم تأتي من نظرية الحكم الاستراكي لو أنا غلطان ؟؟
مقال رائع ، شكرا يا دكتور منصور
كلمة شكراً قليلة في حقك...
و حرف ال "د" قبل اسمك يتشرف بك
وان وضعه الاخرون في الوحل
ابداع يادكتور
مقال فيه حقيقة خلق الانسان من محبة واحترام للاخرين ولنفسك ودروس للاشخاص المبدعين المتميزين في اسعاد ونجاح الاخرين وانفسهم اي خريطة طريق في كل شي ،،،،
ثم لتكمل منظومة العادات السبع اضاف دكتور ستيفن كوفي العادة الثامنة واتي ملخصها ابحث عن صوتك لداخلي لتكون قادراً على الهام نفسك والهام الاخرين
مفيد وممتع
وسام