لا أدري إن كان سوء حظ أو حسن حظ، أو أن الحظ لم يكن له مكان أصلاً في الأمر، أنني قررت أن أنام باكراً ليل الجمعة، فاستيقظت لأرى في «الواتس اب» سيلاً من الرسائل بشأن الانقلاب الذي لم يدم طويلاً في تركيا. احتجت بعض الوقت لأستعيد توازني، وأستوعب ما حدث في العالم أثناء نومي.
مفاجأة الحدث الذي تمّ تحت ستر الظلام تشبه إلى حد كبير مفاجأة حدث الغزو العراقي للكويت الذي استيقظنا عليه في ذلك الصباح الأغسطسي الحارق. علم غالبية الناس حينئذٍ بالخبر، وهم على مائدة الفطور، إما من الإذاعة أو من المكالمات الهاتفية التي تبادلها الناس فور علمهم بالخبر. ففي 1990 لم يكن هناك رسائل ذكية تراكم نفسها في حسابات الواتس أب، أو في وسائل التواصل الأخرى، وتتيح لنا تتبعها وقراءتها بحيث لا نشعر أن شيئاً فاتنا، مما دار من أحداث وأحاديث أثناء نومنا، سواءً في دوائرنا القريبة أم في العالم الكبير حولنا.
الملفت في الأمر ليس الحدث نفسه فقط، ولا كمية الرسائل والصور التي غصّت بها حسابات الواتس أب؛ وإنّما المواقف التي أخذها الناس على اختلاف خلفياتهم واهتماماتهم السياسية وتعاملهم مع تطورات الأحداث.
قرّرت أن أتجرّد من أي حكم مسبق على أي طرف من أطراف الحدث في تركيا، وأتنقل بعين محايدة بين ما وصلني ويصلني من رسائل وبين الأخبار، التي كانت تتدفق من مختلف القنوات والوكالات على اختلاف مواقفها من الانقلاب.
بعيداً عن الدول والحكومات التي أيّدت وشجبت والتزمت الصمت، كلٌّ بحسب مصالحها أولاً وأخيراً. كان للأفراد تصنيفاتهم أيضاً، فكثيرون تسمّروا أمام القنوات التلفزيونية، وشاشات الكمبيوتر والهواتف لمتابعة التطورات لحظةً بلحظة، وكانوا في هذه الأثناء يبنون رأياً وموقفاً مما يحدث، وهذا الموقف، منطقياً، يبدأ من الخلفية المعلوماتية لدى الشخص ويتغيّر بتغير المعطيات الواردة. كثيرون أيضاً اعتبروا هواتفهم محطات لما يأتيهم من رسائل وصور ويعيدون إرسالها دون أن تكون لهم مواقف، وهم على استعداد لتصديق كل ما يردهم من رسائل ويقع تحت وعيهم، وهؤلاء يشبهون في ذلك من يصدّقون كل ما هو مكتوبٌ في الصحف أو يذاع، أي لا رأي لهم ولا عقل ناقد لما يقع تحت وعيه. وآخرون انتظروا مواقف مراكز انتمائهم سواء السياسي أو الديني ليتلقوا الرأي الذي ينوون تبنيه في شأن ما حدث، هؤلاء أيضاً يفرضون على أنفسهم نظرة أحادية تغلق العين عن كل ما يخالف هذه المواقف، ويعتبرونها خروجاً عن الولاء والانتماء.
البعض انشغل بمقارنة نفسه، خصوصاً في الدول التي مرّت بتجارب «الربيع العربي»، بحثاً عن أوجه التشابه والاختلاف، ربما بحثاً مقارناً عن أسباب النجاح والفشل في التجربتين، ولم تخلُ هذه المقارنات من مراقبة ردود فعل الحكومات لترى مدى اتساقها مع التجربة التي مرت بها مع شعوبها، ولم يخلُ الأمر من التساؤل عمّا إذا كانت تلك الديمقراطية التي ساد الاتفاق على أنها تستحق الإشادة «حلال عليهم» و»حرام علينا».
من الأحداث المتسارعة والكثيفة التي مرّت على تركيا ومتابعي أحداثها، هناك أمران هما الأكثر وضوحاً، الأول هو النحو للتبنّى المطلق لموقف «مع أو ضد» ما يحدث في تركيا، برغم أن المشاهد المتابع من الخارج يملك ميزة وضوح الصورة الأكبر عن بعد، ولن يحاسبه أحدٌ على وقوفه في منتصف المسافة ليبنى رأياً متوافقاً في بعض منه مع ما يحدث ورافضاً في بعضه الآخر. والأمر الثاني، هو التركيز على رجب طيّب أردوغان كشخص، وليس على نظام الديمقراطية الذي انتفض الشعب التركي لحمايته، وما أردوغان إلا جزء من هذا النظام وليس كله.
من بين الصور الكثيرة التي تم تداولها عبر الواتس اب، ووسائل الاتصال الأخرى صورة كانت الأبلغ تعبيراً عن ذلك، كانت تحمل رسمين كاريكاتوريين أحدهما لرجال بثياب خليجية يحملون صور أردوغان ويهتفون باسمه، بينما الأتراك يحملون علم تركيا ويهتفون باسم تركيا، وقال التعليق على الصورة: «الأتراك خرجوا حاملين علم بلادهم دفاعاً عن الديمقراطية فداء للوطن، والعرب عدّدوا مناقب أردوغان وحزبه بوصفه البطل، فداء للأشخاص».
ما حدث في تركيا قدّم درساً قد يكون مكلفاً بعض الشيء لتركيا على أصعدة مختلفة، لكنه مجاني للحكومات والشعوب من حولها، وهو أن الاستثمار في الأنظمة الديمقراطية تخلق شعباً بإرادة بإمكانها الانتصار لهذه الديمقراطية. فلم يكن أردوغان هو الكاسب حينما قال «لا تكسب القوة وإنما الحق»، فالكاسب الحقيقي هو الوطن الذي كان على حق، وما أعلى هذا الحق هو إرادة الشعب. فلم يكن الشعب ليلبّي نداء أردوغان عبر الهاتف بعد أن أعلن قادة الانقلاب بيانهم، لو لم يكن قد رأى فيه قائداً يُستند إليه، بل إن الأمر قد بلغ أن معارضته وقفت معه في تلك اللحظة الفاصلة التي وضع فيها الوطن، والوطن وحده قيد الأعين.
الصور التي ستبقى في الذهن من انقلاب تركيا الذي فشل، هي جموع غفيرة يعلوها علم أحمر بهلاله ونجمته، وليس صوراً لأشخاص. أردوغان لم يكن «ملاكاً» سياسياً خالصاً خلال فترتي رئاسته السابقة والحالية، فكان رئيساً له من الخصومات ومن «إشاعات» الفساد ومن طموحات البقاء أكثر في الرئاسة وأقاويل بأنه كان ينوى تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي كي يتمكن من ترشيح نفسه في منصب رئاسي بعد أن استنفد دورتيه. لكنه كان أيضاً قيادياً له دور أساسي في بلوغ شعبه لهذه المرحلة من الولاء للعلم والوطن. فكسب أردوغان وكسبت تركيا. وسيظل ما حدث درساً فريداً في تاريخها، صنعته لحظة فاصلة حصدت فيها تركيا ثمار ديمقراطيتها. والدرس واضح لمن أراد أن يستفيد.
إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "العدد 5065 - الثلثاء 19 يوليو 2016م الموافق 14 شوال 1437هـ
كلام سليم ، وللاسف نحن في دول الوطن العربي نقوم بالمعارض او الولاء من اجل أشخاص وليس من اجل فكر و مفهوم و حقيقة يجب ان تحدث بل يغلب علينا طابع مايسمى ( العبودي ) و ليس الى وطننا فَلَو كل شخص فكرة و اخذ قرار بمنطق و بحيادية لما وصلنا آلى هذه المرحلة من التخلف العربي بنسبة للعالم الذي في كل ساعة و يوم يتطور بفكره فبدل ان نقف في طريق الصحيح نقف في الطريق الخاطئ من اجل المصالح الشخصية وليس من اجل الحب و الإخلاص في العمل و حب الوطن بأمانة هذي الفرق بيننا و بين الغرب
سيدتي. من صفات البشر تصديق ما يرغبون و إنكار ما لا يرغبون. استيقظت فجر الخميس الثاني من اغسطس كعادتي و استمعت الي إذاعة بي بي سي العالمية. كان المذيع علي اتصال هاتفي مباشر مع سفير بريطانيا في الكويت يتحدث عن مشاهداته عبر نافذة حجرة نومه من الدبابات العراقية التي كانت تجوب شوارع الكويت. اتصلت فورا بأحد الشخصيات المهمة و اخبرته عن احتلال الكويت. نهرني و قال : تحلم. روح نام.
لا يمكن تغيير العقليات طالما يبقي البشر علي اسلوبهم المعتاد . تأكدي من ذلك.
والله عالم مجنون ما تدري ويش اللي صاير بالضبط ناس تقول انه تمثيليه وناس تقول امريكا انقذت اردوغان بفضل القاعده الموجوده واحنى ضايعين في الطوشه مو عارفين ويش السالفه بالضبط.
ارادة الشعب
اذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
فَوَيْلٌ لِمَنْ لَمْ تَشُقْـهُ الْحَيَاةُ مِنْ صَفْعَـةِ العَـدَم المُنْتَصِر