قليلة هي الأوراق التي يمكن أن تلعب بها الولايات المتحدة الآن بخلاف الإعراب عن قلقها بعد أن استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المحاولة الانقلابية لتطهير الآلاف من خصومه والمطالبة بتسليم رجل دين معارض يعيش في بنسلفانيا.
فقد أدى قرار أردوغان السماح باستئناف انطلاق الطائرات من قاعدة أنجرليك الجوية التي تمثل عنصراً مهماً في حرب الولايات المتحدة على تنظيم "داعش" إلى تحاشي صدام مباشر بين البلدين الحليفين.
غير أن المسئولين الأميركيين فوجئوا بحجم الرد التركي على الانقلاب الفاشل ويقولون إن العلاقات بين الطرفين مستقبلاً ستتوقف على مدى ملاحقة أردوغان لرجل الدين فتح الله غولن والمدى الذي ستصل إليه حملته على خصومه.
ومع ذلك فتعاون تركيا في الحرب على "داعش" له أهمية بالغة بالنسبة إلى واشنطن ولذلك وكما هو الحال في التعاملات مع حكومات قمعية في مختلف أنحاء العالم تجد إدارة أوباما نفسها تعمل على موازنة المصالح الأمنية الأميركية مقابل مبادئها الخاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية.
وقال مسئول أميركي رفيع "ما سيحدث لعلاقتنا مع تركيا سيتوقف إلى حد كبير على المسار الذي ستسلكه تركيا نفسها خلال التحقيقات وما ستتخذه من قرارات في أعقاب هذه المحاولة الانقلابية". واتهم أردوغان غولن بأنه وراء محاولة قلب نظام الحكم وقال أمس (الإثنين) إن حكومته ستطلب رسمياً تسليمه لها خلال أيام. وينفي غولن نفياً قاطعاً أي دور له في الانقلاب.
ويعتقد البعض في الإدارة الأميركية أن اعتقال الآلاف من ضباط الجيش والشرطة والقضاة وأعضاء النيابة في أعقاب الانقلاب الفاشل فيه قدر كبير من التمادي.
وقال مسئول ثانٍ تحدث لوكالة "رويترز" شريطة عدم نشر اسمه "نحن نعتقد أن تركيا تجاوزت ما كنا نريد أن نراه". ويقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن تركيا لها الحق في مقاضاة من شاركوا في الانقلاب لكنه حذرها من التمادي انطلاقاً من مخاوفه على حقوق الإنسان والديمقراطية في دولة رئيسية من أعضاء حلف شمال الأطلسي.
وقال في بروكسل يوم الإثنين "نحن نقف بالكامل إلى جانب القيادة المنتخبة في تركيا. لكننا نحث حكومة تركيا بكل حزم على الحفاظ على الهدوء والاستقرار في مختلف أنحاء البلاد".
ودعت مسئولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغيريني أنقرة إلى تجنب الخطوات التي من شأنها الإضرار بالنظام الدستوري.
ومن الأمور المعرضة للخطر ما تحمله تركيا من آمال منذ فترة طويلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقد أوضحت موغيريني أنه إذا أعادت تركيا العمل بعقوبة الإعدام فإن ذلك سيقضي على أي احتمال لدخول الاتحاد.
ومع ذلك فمن الناحية العملية لا تملك الولايات المتحدة وحلفاؤها أي وسائل للضغط على تركيا في شئونها الداخلية.
وقال أحد كبار مستشاري البيت الأبيض سابقاً في الشأن التركي، ماثيو بريزا: "لا يوجد شيء يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لإثناء الرئيس أردوغان عن تطهير الجيش والقضاء من الناس الذين يرى أنهم يشكلون خطراً".
وأضاف "بكل بساطة سيفعل الرئيس أردوغان ذلك. فهو يرى في مثل هذه الإجراءات مسألة حياة أو موت وكذلك وسيلة لامتلاك قدر أكبر كثيرا من القوة".
وقال الدبلوماسي الأميركي السابق والخبير في شئون تركيا في صندوق مارشال الألماني في واشنطن، جوشوا ووكر "أعتقد أن الرئيس أردوغان أوضح تماماً أنهم سيبذلون كل ما هو مطلوب - وبنص كلماتهم – (تأمين تركيا) وإذا كان معنى ذلك استغلال أنجرليك وغيرها من القواعد العسكرية فأنا مقتنع أنهم سيفعلون ذلك".
وأضاف "فهم يقولون إنهم لن يناقشوا خطة بديلة لأن الولايات المتحدة حليفة ولكن من الواضح أن لديهم الاستطاعة لإغلاق أنجرليك وأولويتهم الأمنية القصوى في الأجل القريب هي غولن لا تنظيم (داعش)".
وقال مسئولون دفاعيون أميركيون إن التيار الكهربائي مازال مقطوعاً عن أنجرليك لكن عمليات الإقلاع والهبوط استؤنفت باستخدام مولدات الكهرباء. وقال مسئول "إنهم يعملون على إعادة الكهرباء".
وتستضيف القاعدة عدداً من منشآت الاستخبارات الأميركية ذات الأهمية الحيوية للحرب على تنظيم "داعش". ومن المقرر أن يشارك مسئولون كبار من تركيا في اجتماع دولي يعقد في واشنطن هذا الأسبوع يتركز على الحملة على "داعش".
وعلى رغم أن تركيا انضمت للحملة التي تقودها الولايات المتحدة على التنظيم المتشدد في سورية فقد ظلت الحكومة التركية تشعر بعدم ارتياح للدعم الأميركي لقوة من الأكراد السوريين تعتبرها قوة تابعة لـ "حزب العمال الكردستاني" الذي يقاتل من أجل استقلال الأكراد في تركيا.
ومع ذلك فقد خفت حدة الخلافات بشأن هذه المسألة في الوقت الذي واجه فيه أردوغان موجة من الهجمات داخل تركيا يعتقد أن "داعش" وراء تنفيذها.
ونتيجة لذلك تزايد التعاون بين جماعات المعارضة السورية التي تدعمها تركيا والولايات المتحدة وتقاتل من أجل إنهاء سيطرة التنظيم على شريط حدودي طوله 100 كيلومتر تقريباً على الحدود مع تركيا.
وقال المحلل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سونر جاغابتاي إن الانقلاب سيؤدي إلى اختلال كبير في الحملة على "داعش" لأنه قسم الجيش التركي ولما تردد عن أن كثيرين من الضباط الضالعين في المؤامرة هم من سلاح الجو وقوات الدرك.
بل لقد كان قائد قاعدة أنجرليك الجوية الجنرال بكير إرجان فان نفسه من بين المعتقلين بسبب محاولة الانقلاب.
ومن الممكن أن يهدد أردوغان بإغلاق قاعدة أنجرليك أمام القوات الأميركية في إطار سعيه لتسلم غولن من الولايات المتحدة لكن وزير الخارجية كيري أوضح أن على تركيا أن تقدم أدلة مقنعة على تورط غولن مع أي طلب لتسلمه.
وقال جاغابتاي إن قاعدة "أنجرليك لها أهميتها في الحرب على (التنظيم المتشدد) لكنها ليست عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه. وإذا شعرت واشنطن بأن هذا سيصبح شرطاً لابد منه في العلاقة (بين الطرفين) فربما تسحب تأييدها. وسيتطلب ذلك إعادة ترتيب القوات".