في مقال لي نُشر في «الوسط» قبل أكثر من عام، وتحديداً بتاريخ (10 مارس/ آذار 2015) تحت عنوان: «ماذا سيفعل داعش في الأيام الأخيرة من هزيمته؟» ذكرت فيه أن الحكام المستبدّين يلجأون إلى أشد وسائل الانتقام انحطاطاً وجنوناً لحظة تيقنهم النهائي بزوال الحكم من تحت أيديهم، واستطردتُّ: «وإذا كان الحكام الدكتاتوريون في تاريخنا المعاصر لا يتورعون عن ممارسة هذه السياسة الجنونية قبيل انهيار أنظمتهم، ضاربين بعرض الحائط كل المواثيق والتشريعات الوطنية والدولية التي تعهدوا بها، فمن باب أولى أن تفعل ذلك بصورة أشد وأكثر هولاً دولة عصابة متوحشة إجرامية تحكم باسم الاسلام كداعش، لا تعترف أصلاً حتى بشرع الله، إلا كما تفسره ويفتي به مفتوها المجرمون، فما بالك بالتشريعات والقوانين والدساتير الوضعية الدولية».
لم يكن «داعش» وقت كلامنا حينذاك قد تعرض لهزائم عسكرية فقد بموجبها مواقع ومناطق رئيسية له من الأراضي التي يُقيم عليها «دويلته» في العراق، وعلى الأخص تكريت والرمادي وأخيراً الفلوجة، ولم يكن قد توسع بضرباته الجنونية المتسارعة خارج فضائه السوري العراقي على نحو ما شهدناه بدءاً من هجمات سوسة ثم باريس في (نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ومروراً بضربات بلجيكا وتركيا وأميركا، وربما حتى كتابة هذه السطور، وليس انتهاءً بهجمات اليوم الأخير من رمضان الانتحارية في عدة مدن سعودية، دعْ عنك المجزرة الكبرى التي ارتكبها قبل هذه الهجمات بساعات في كرادة بغداد بالعراق الذي تُعدُّ ساحته المسرح المفضل والناجح بامتياز منذ الاحتلال الأميركي لارتكاب هذا النوع من المذابح الإرهابية الكبرى بكل سهولة ويسر في ظل فساد وهشاشة الحكومة العراقية بأجهزتها الأمنية والاستخباراتية، وفي ظل الصمتين العربي والدولي المريبين المخجلين بُعيد وقوع كل مجزرة من هذه المجازر الجماعية الكبرى تُرتكب منذ الاحتلال الأميركي والتي تحصد الواحدة منها في العادة أرواح العشرات والمئات من الأبرياء والتي لا تقارن ألبتة، في ضخامة أعداد ضحاياها، بأية مجزرة من المجازر التي ارتكبها ويرتكبها «داعش» خارج فضاء دويلته في سورية والعراق. وكأنما اللحم العراقي لحم رخيص لا ينتمي إلى فصيلة الجنس البشري ولا يستحق الإدانة القوية بأعلى الأصوات كعمليّات داعش في البلدان الغربية، فما بالك بالنفرة والتداعي والفزعة الدولية.
وخلاصة القول، إن ضربات «داعش» الانتحارية في اليومين الأخيرين من شهر رمضان الفائت في العراق والسعودية إنما هي ضربات انتقامية بائسة تترجم بالضبط شعوره ببداية العد التنازلي لزوال «دويلته « في سورية والعراق، لكن السؤال هنا: هل بزوال دويلته يزول خطر الإرهاب «الداعشي» الذي يهدد المنطقة والعالم؟ من الواضح جيداً أنَّ «داعش» ستظل تحت يديه أداتان رئيسيتان للمضي قُدماً في أنشطته الإرهابية وبصورة اكثر شناعةً، أولاهما، وهي الأهم، تتمثل في تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي التي يصطاد من خلالها في شراكه ربما شهريّاً مئات الشباب الجُدد من مختلف دول العالم الذين ينجح سريعاً في غسل أدمغتهم بصورة مُدهشة، وثانيهما «الحزام الناسف» الذي يجرى تحصيله او تصنيعه بأية طريقة لتجهيز مشروع انتحاري. وغني عن القول إن الوسيلة الأولى هي الأخطر والأهم على المدى المنظور، والتي ينبغي أن تتضافر جهود القوى الإقليمية والدولية لإنجازها كمتطلب آنيٍّ أكثر إلحاحاً في ظل الصعوبات الموضوعية والذاتية التي تكتنف عملية إلحاق الهزيمة النهائية بالفكر الإرهابي الداعشي وأضرابه في المنطقة بصورة نهائية، وهي عملية بالغة التعقيد في المرحلة التاريخية الراهنة؛ لأنها مرتبطة بشروط إنجاز التحولات السياسية والاجتماعية، وعلى رأسها التحولات الإصلاحية الراديكالية، أو إحلال وبناء أنظمة ديمقراطية معاصرة في الإقليم، وهي مهمَّات قد يستغرق تحقيقها وقتاً طويلاً لا يبدو سهلاً في الأفق المنظور.
قبل أيام قليلة من عمليات «داعش» الإرهابية الأخيرة في العراق والسعودية اُعلن في واشنطن استعداد منظمة «المشروع ضد التطرف» بالتعاون مع البيت الأبيض والدوائر الاستخباراتية الأميركية لإطلاق برنامج معلوماتي يرصد عبر الأدوات الصورية والسمعية المواد المتطرفة على مواقع التواصل الاجتماعي ويحذفها تلقائيّاً تحت غطاء قانوني بالتنسيق مع الشركات العملاقة الثلاث التي تحتكر جُلَّ وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» و»فيسبوك» و»يوتيوب»، ولا شك أن هذا إنجاز مهم سبق أن دعونا إليه في مقالات سابقة، وقلنا لا يُعقل أن يستفيد الإرهابيون من واحدة من ثمار الاختراعات العلمية للدول الغربية، وعلى رأسها أميركا، ولا يكون لديها اختراع علمي مضاد يشل قدرة « داعش» على الاستفادة منه. ولما كان من غير الواضح حتى الآن ما إذا سيعمم هذا البرنامج على أوسع نطاق في العالم بأسره، وعلى الأخص في المنطقة العربية، بؤرة ونبتة الفكر الداعشي، وموضع تمركزه في تصدير الارهاب فكراً وممارسةً إلى العالم، أم سيقتصر فقط على حماية الفضاء الأميركي، فإنه والحال كذلك لن يكون كافياً لتحصينها من الإرهاب بمعزل عن التعاون والتنسيق المُحكم مع دول المنطقة. وفي جميع الأحوال فإن هذا العلاج كما ذكرنا لن يكون إلا مسكناً وقتيّاً لا علاجاً نهائيّاً لإبادة الفكر الداعشي من جذوره ما لم تشرع الولايات المتحدة نفسها بممارسة وتكثيف ضغوطها على حلفائها في الشرق الأوسط نحو الشروع لاجتثاث نبتة الإرهاب في المنطقة، وليس الاكتفاء بالوسائل العسكرية والأمنية فحسب، بل وبتطهير بيئة الاستبداد الحاضنة للنبتة، وتناميها له في المنطقة عبر إنجاز، على الأقل، مستلزمات التحولات الإصلاحية الحقيقية الفعلية على المدى المنظور وليس عبر «الطبطبة» التي تمارسها واشنطن مع حلفائها وتضخيم المنجزات الشكلية تارةً، وتبرير ضروب العسف والتنكيل تارة أخرى بحق قوى التغيير الإصلاحية وباسم محاربة الإرهاب ذاته.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5055 - السبت 09 يوليو 2016م الموافق 04 شوال 1437هـ
اتفق مع الاخ الكاتب تماما .يجب ابادة الفكر الداعشي وابادة افكار ولاية الفقية وتصدير الثورة با التوازي
يا انت نايم يا مغسول مخك ... ولاية الفقيه هي التي حمتك ... اصحوا الى متى نايمين
صباح الخير
بكل صراحة قتل داعش وأخواتها والجماعه التكفيريه السلفيه يكمن بقطع رأس الأفعى الأم التي هي من تمول وتسلح وتهئ المكنه الاعلاميه بكل ثقلها من خلال قنوات فضائية مباشرة معروفه للجميع وإنشاء الله النار ستحرقهم قريبأ يمكرون ونمكر والله خير الماكرين
المشكلة الداعش هو فكر موجود عندنا في المناهج وبعض صلوات الجمعة والجماعة وفضائيات ولهم من يدعمهم ويمولهم بالمال والرجال
ولم الاستعجال
تو الناس . خله بعد چم يوم أحسن . ترا هالأيام حر ومايسوا