عقمت طبيبة الاسنان منار سرحان يدها واجهزتها الطبية بعد انتهائها من حشو ضرس مريض قبل العودة لمنزلها لمتابعة لقاء ضمن بطولة كأس اوروبا ستحلله فنيا لصالح صحيفة رياضية، في عمل غير مسبوق للسيدات في مصر.
وتظهر سرحان (27 عاما) ذات البشرة الخمرية وحجاب الراس بشكل شبه اسبوعي لتحليل مباريات الكرة الاوروبية على قناة "سي بي سي" الفضائية الخاصة، وتنافس بذلك كبار المحللين من لاعبي كرة القدم السابقين الذين يحتكرون هذا المجال في مصر.
وتقول سرحان بصوت خجول في مقابلة مع وكالة فرانس برس في عيادة خاصة تعمل بها بشكل غير دائم "اخترت مهنة طبيبة الاسنان بعقلي، لكن كرة القدم هي شغفي وحبي".
وتضيف وهي تفحص اسنان مريضها بتركيز "سعيت في البداية للعب الكرة لكنني لم اجد فرصة جيدة في مصر، واعتقد ان تخصصي في التحليل الكروي يعوضني كثيرا عن ذلك".
وبدأت سرحان العمل في الصحافة الرياضية بشكل تطوعي في العام 2002 باستخدام كاميرا متواضعة لتصوير مقاطع فيديو لحساب موقع الكتروني لناديها المفضل، الزمالك.
ولاحقا، سعت الى الكتابة لصالح مواقع الكترونية رياضية عدة، قبل ان تحترف التحليل في صحيفة "المصري اليوم" المستقلة وموقع "فيلجول" الرياضي الشهير في مصر، وباتت تظهر على برامج الفضائيات الرياضية.
وتشرح تقارير سرحان طرق اللعبة المختلفة ونقاط التحول في المباريات، بالاضافة الى تضمينها احصاءات ومقارنات بين ابرز اللاعبين والمدربين.
وتعمل سرحان صباحا في مركز طبي حكومي، وفي اوقات اخرى في عيادة خاصة تملكها صديقتها، الا انها تتفرغ مساء لمتابعة المباريات والقراءة في آخر مستجدات كرة القدم.
وتقول سرحان ضاحكة وهي تلملم ادواتها الطبية، "صباحا انا طبيبة اسنان ومساء محللة كرة". وتتابع "المجهود كمحللة كروية اكبر رغم ان العائد المادي أقل". وتعتبر طب الاسنان مهنة مربحة وتحظى بالتقدير في مصر.
الا ان دخولها هذا المجال لم يكن سهلا.
وتقول سرحان التي تزين غرفة نومها صور للاعبين مصريين واوروبيين "المجال اصلا صعب للشباب الذكور، فما بالك لبنت؟"، الا ان ذلك دفعها "لاثبات نفسها اكثر".
وتسترجع بداياتها قائلة "في البداية، تعرضت للسخرية. كانوا يقولون لي البنت مكانها المطبخ". الا ان عشرات من متابعيها على موقع "تويتر" والبالغ عددهم نحو 32 الفا يلجؤون اليها الان للتاكد من ادق تفاصيل الكرة الاوروبية.
- "محللة محترفة" - وتحظى مباريات كبرى الاندية الاوروبية بمتابعة كثيفة في مصر، خصوصا مع اقتصار حضور الجمهور في ملاعب مصر على بعض المباريات الدولية للفريق الوطني او بعض مباريات الاندية في البطولات الافريقية.
ويقول المذيع الشاب في قناة "سي بي سي" ابراهيم فايق ان استضافته سرحان كان ينطوي على "غرابة كبيرة" في البداية لكونها "سيدة وطبيبة"، الا انها اثبتت "جدارتها".
ويقول فايق لوكالة فرانس برس "لدى منار فهم كبير وعميق للكرة وهي تقدم تحليلا كرويا مختلفا. فاجأني شرحها لخطط وتكتكيات الفرق المختلفة".
ويضيف "لقد تجاوزت فكرة انها سيدة واثبتت نفسها كمحللة كرة قدم محترفة"، مشيرا الى سعيه للحفاظ عليها في برنامجه "لاطول وقت رغم محاولة برامج اخرى استقطابها".
وتقول سرحان انها "حريصة على تقديم معلومات جديدة ودقيقة سواء في الجانب التدريبي او نظام اللعب بعيدا عن كلام التحليل التقليدي".
في منزلها، تجلس بالقرب من شاشة كبيرة تعرض مباراة بلجيكا وويلز في كاس اوروبا ممسكة بمفكرة حمراء تدون بها ملاحظاتها الفنية عن التمريرات الخاطئة وتحركات اللاعبين دون الكرة.
وبالقرب منها، استقر عدد قديم لمجلة "وورلد سوكر" البريطانية يحمل غلافه وجه الاسطورة الفرنسية زين الدين زيدان الذي تقول سرحان انه ألهمها حب ريال مدريد.
وتوضح انها تشاهد اجمالا المباراة مرة اخرى قبل كتابة اي تحليل فني موسع عنها.
- تعلم الاسبانية - ودفع الشغف بكرة القدم وبريـال مدريد سرحان الى تعلم اللغة الاسبانية لتتمكن من متابعة الكرة الاسبانية عن كثب من مصدرها.
وتوضح سرحان "اردت ان اتابع واعرف اكثر خصوصا ان لا مصادر مباشرة كثيرة دقيقة بالانكليزية. فقررت تعلم الاسبانية".
وتتابع "اعطاني هذا الامر ميزة كبيرة، لانني اصبحت انقل الاخبار بدقة وسرعة اكبر". كما مكنها من التواصل مع صحافيين ولاعبين اسبان على "تويتر".
وتخطط سرحان اليوم لتعلم اللغتين الايطالية والبرتغالية لتوسيع مجال متابعتها للكرة الاوروبية. وهي تتابع باستمرار دوريات الشباب الاسبانية ومباريات الفرق غير المشهورة لترصد اللاعبين المميزين.
في العام 2012، توقعت في تغريدة على "تويتر" نجاح اللاعبين الاسبانيين داني كارافخال وايسكو، قبل سنوات من تالقهما في صفوف ريـال مدريد.
في ركن على ارضية منزل سرحان، استقرت كرة قدم صغيرة تقول والدتها ان ابنتها لا تزال تناور بها بمهارة في صالة منزلهم.
ولا تعارض اسرة طبيبة الاسنان احتراف ابنتها تحليل مباريات كرة القدم بل تشجعها.
وتقول الوالدة ماجدة الهواري بفخر واضح "منار تحب الكرة منذ صغرها. كنت اريدها ان تكمل دراستها في مهنتها، الا انها سعيدة في مجال التحليل الكروي".
وتتخطى احلام الطبيبة حدود مصر.
وتقول بصوت يملؤه التحدي والامل "حلمي ان اعمل في مجال كرة القدم الاوروبية في اسبانيا نفسها، ان اتحول للعالمية".