في خلال الثلاثين سنة الماضية شهد مفهوم التقدير الفعلي للفرد تطوراً كبيراً محموداً. كانت الشركات بأنواعها وحتى على مستوى الحكومات، تسمي القسم المختص بتطوير الكوادر البشرية وتدريبه «إدارة شئون الموظفين» ثم تطوّرت التسمية لتصبح «إدارة الموارد البشرية». ولكننا الآن أصبحنا نعرف بأن اسم القسم المختص بتطوير مهارات العاملين لدى الشركات «إدارة رأس المال البشري». أي أصبح العنصر البشري له قيمة كبيرة تزيد عن رأس المال النقدي.
تطوّر المفهوم من شئون الموظفين إلى رأس المال البشري له ما يبرّره، حيث إن تطوّر المفهوم مصاحب للتطوّر في المفهوم الإداري بأن العنصر البشري هو الأهم في منظومة الإدارة. وأن كل عناصر الإنتاج الثلاثة: رأس المال والعاملين والأنظمة قد أعيد ترتيبها ليكون العنصر البشري في المقدمة وهو الأساس لكل شيء في الحياة، ولا يمكن أن يكون هناك بديل لإعمار الأرض - بعد الله سبحانه - إلَّا البشر.
هذه الأهمية للبشر بأنه قوام الأعمال، يأخذنا إلى تغيير النظرة التي لا نقف عندها كثيراً؛ بل نأخذها من المسلمات. هذه النظرة هي تلك التي تجعلنا نهتم بالشركة أو المؤسسة ونتناسى أهمية البشر فيما ينجزون لبقاء الشركات. في الواقع لا يوجد شيء اسمه شركة أو منظمة أو منشأة، فهذه متطلبات رقابية وقانونية تتطلبها الحياة التي نعيشها. بل إن هذه الشركات يمثلها العنصر البشري، وبدون العنصر البشري لا تقوم قائمة للشركات.
ولنأخذ مثلاً يعززّ دور العنصر البشري وأهميته. فعندما نقرر ترك العمل في الشركة التي نعمل لديها للالتحاق بشركة أخرى، فإننا في واقع الحال نترك أشخاصاً، وليس شركة لنلتحق بأشخاص آخرين، وليس شركة أخرى. فَلَو أن الأشخاص الذين يديرون الشركة التي ننوي تركها ، يؤدون واجباتهم بطريقة جيدة تشجع العنصر البشري على البقاء فيها، فإن حالات انتقال الموظفين تكون قليلة. طبعاً ليس المقصود هنا بأن الانتقال من شركة إلى أخرى ليس محموداً، حيث توجد هناك أسباب كثيرة بعضها تتعلق برغبة الأشخاص في التغيير، أو اكتشاف الجديد، ولكن تظل الفكرة أنه بانتقال الشخص من شركة إلى أخرى، فإنه ينتقل من العمل مع أفراد للعمل مع أفراد آخرين. وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه في مقدمة هذا المقال بأن أهمية العنصر البشري يجب أن تكون في المقام الأول، قبل مكونات الشركات الأخرى كرأس المال والأنظمة.
من هذا المنطلق تظهر الأهمية القصوى للاهتمام بالعنصر البشري والحرص على تطويره وتدريبه بصفة دائمة ومتطورة ليكون قادراً على الإبداع. ولذلك، فإن التسمية الأكثر شيوعاً الآن «إدارة رأس المال البشري» جعلت القائمين على أمور التدريب والتطوير، يزيدون من جرعات الاهتمام بطريقة غير مسبوقة بجعل تطوير قدرات البشر من أولى الأولويات، وجعلت التدريب والتطوير يتم بشكل متواصل، وبطرق مبتكرة تساعد الأفراد على أداء مهامهم بطريقة أكثر كفاءة وجودة.
لو نظرنا حولنا، واستمعنا لشكاوى العاملين في الشركات التجارية أو الحكومية، فإننا نسمع الكثير من التذمر وعدم الرضا، بشأن قلة الاهتمام بأمور التدريب والتطوير والتأثير السلبي على نتائج الشركات. لا يمكن لشركة التقدم إلى الأمام من دون التدريب وتحفيز العاملين. فهل يستطيع مندوب المبيعات أن يروج لبضاعة إذا لم يعطى فرصة التدريب على مكونات تلك البضاعة، وهل يستطيع أن يبيع سيارة أو جهازاً إذا كان لا يعرف مواصفات السيارة أو الجهاز.
من أهم حقوق الفرد العامل هي حصوله على التدريب والتطوير بصفة دائمة ليصبح عنصراً نافعاً، يثري بوجوده الشركة التي يعمل لديها، وبالتالي يساهم في تطوّر بلده. المدير الذي لا يرى هذا الحق لموظفيه، يكون عبئأ على الشركة التي يعمل بها. كما يجب أن ينظر إلى تكاليف التدريب في أي شركة بأنه استثمار للمستقبل وليس فقط كتكلفة يتحاشاها بعض مسئولي الشركات.
من المؤسف أننا نرى بأن بعض الشركات، عندما تتعرض لصعوبات مالية خاصة بها، أو عندما تحصل أزمات مالية عامة، فإن أول الخطوات التي تتخذ لتخفيض النفقات هي الاستغناء عن بعض موظفيها - أي العنصر البشري لديها - وحتى قبل التفكير في تخفيض النفقات في أمور أخرى. هذا موضوع نتمنى مناقشته في مقالات قادمة - إن شاء الله.
إقرأ أيضا لـ "صالح حسين"العدد 5049 - الأحد 03 يوليو 2016م الموافق 28 رمضان 1437هـ
موضوع شيق يا أبا إياد .. المشكلة أن في عالمنا العربي بصورة عامة تكون المؤسسات أو الشركات مملوكة بالكامل لأفراد منفذي وفي كثير من الأحيان لم ينالوا حظا من التعليم المتقدم وبالتالي هم لا يفقهون أهمية التدريب والتأهيل