في العاصمة البوسنية سراييفو يثير الإمام سليمان إعجاب السكان بصراحته وانفتاحه وتواصله معهم، ويحذرهم من العنف والتطرف. مراسل DW في البوسنة زار الإمام الذي يعمل على تعزيز قيم التسامح والتعايش المحبة وتحدث معه عن رسالته.
"المسجد الأبيض" في الجزء القديم من العاصمة البوسنية سراييفو، ممتلئ عن آخره بالمصلين. الرجال يجلسون على الجانب الأيسر من مدخل المسجد، والنساء على الجانب الأيمن، وبينهم تراكمت الأحذية. الإمام سليمان يشرح ويفسر لهم آيات من القرآن، مكبرات الصوت تنقل صوته حتى آخر زاوية في المسجد.
"أريد أن يكون هناك تواصل بين الناس. وأريد أن يكون هناك انفتاح بين مختلف الجماعات في المجتمع" يقول الإمام الذي يبدو شابا رغم أن عمره خمسين عاما. المهم بالنسبة له هو أن يكون داخل كل إنسان "شعور بحب الخير". فليس من حق أحد أن يتدخل في العقيدة التي يؤمن بها شخص آخر. فهذا أمر بين الشخص وربّه" يقول الإمام.
مثل هذه الخطب تجد طريقها إلى قلوب المسلمين في المدينة. معظم البوسنيين يفكرون مثل الإمام سليمان ويدعون إلى إسلام منفتح، ويشيرون إلى وجود جذور مشتركة بين الأديان السماوية. هذا ما أظهرته أيضا إحدى دراسات مركز (بيو للأبحاث- PEW) حيث أن 60 بالمائة من البوسنيين يؤكدون على تلك الجذور المشتركة. أحمد على باسيتش، الباحث والأستاذ المساعد في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة سراييفو يؤكد على أن معظم البوسنيين يشعرون أنهم اقرب إلى القيم الأوروبية من ثقافة إخوتهم في العقيدة في البلدان الأخرى".
"يمكنكم معرفة ذلك من خلال سلوك البوسنيين خلال حرب يوغوسلافيا. فمعظم الذين فروا إلى بلد مسلم عادو سريعا الى وطنهم أو أنهم فروا إلى دول ليبرالية مثل ألمانيا والنمسا ونيوزيلندا أو أستراليا"يضيف على باسيتش. ويتابع أن عددا قليلا منهم بقي في بلدان محافظة مثل تركيا وماليزيا، والسبب في ذلك ليس الوضع الاقتصادي الذي "كان في تسعينيات القرن الماضي في ماليزيا مثلا جيدا. فالمشكلة هنا ثقافية، حيث إن البوسنيين لم يتأقلموا مع الثقافة القائمة هناك (البلدان المسلمة المحافظة)"
"لا يمكن نسيان ما فعلته ألمانيا من أجلنا"
أديس هاساكوفيتش أيضا عايش ثقافات أخرى وله تجارب في بلدان أخرى، مثل كثير من البوسنيين، الذين نزحوا خلال الحرب اليوغوسلافية، حيث أنه نزح إلى ألمانيا وعاش هناك 10 سنوات، بداية في مدينتي زاربروكن وماينز. وحتى الآن لايزال يتذكر كيف كان يمارس عقيدته في ألمانيا بكل حرية. وقد عاد الآن إلى جمهورية البوسنة والهرسك ويعمل كمستشار في العلاقات العامة. وهو يسافر من حين لآخر إلى ألمانيا حيث ما يزال بعض من أفراد أسرته هناك.
"لن أنسى ما قامت به ألمانيا من أجلنا، عندما كان وضعنا سيئا" يقول أديس هاساكوفيتش ويضيف: "أعتقد أنه يمكننا من خلال ثقافتنا في أوروبا تقديم مساهمة ما. فنحن أوروبيون مسلمون ونحن فخورون بذلك ونتفاهم جيدا مع غيرنا من الأوروبيين. وهذا شيء مهم جدا في يومنا هذا".
هناك تفهم لطريقة حياة مختلفة خلال شهر رمضان أيضا، فرغم فترة الصيام تفتح المطاعم والمقاهي أبوابها خلال النهار ويمكن الحصول على مشروبات كحولية. وبالنسبة للباحث أحمد علي باسيتش فإن الانفتاح متجذرفي البلد، فـ "منذ أواسط القرن الـ 19 عملنا على التوفيق بين الثقافة الإسلامية والقيم الأوروبية. إن تلك الظاهرة التي نلخصها في كلمة التحديث، بدأت إبان الحكم العثماني" ويضيف أن ذلك "بدأ بالحقوق الفردية وحقوق المدنية وسلطة القانون وتوافق ذلك مع الإسلام. كما أن الدستور البوسني الأول اعتمد على هذه المنطلقات خلال حكم العثمانيين".
"رفض التطرف الديني"
وليس بعيدا عن الكلية الإسلامية يسعى الإمام سليمان إلى الدخول في حوار وتواصل مع الناس وأن ينقل إليهم بعبارات بسيطة قيمه وافكاره. وسواء أكان هؤلاء شباب يحملون هواتف ذكي أو كبار في السن، فإنهم يستمعون إليه باهتمام وصبر تحت وابل المطر وينتظرون حتى انتهاء درسه الديني الذي يدوم نصف ساعة يفسر فيه لهم آيات القرآن، لمصافحته واستشارته؛ وهو يقوم بذلك عن طيب خاطر ومبتسما رغم طول وصعوبة يوم الصيام.
وفي نهاية زيارتي له وجديثي معه أراد الإمام تطرق إلى العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم "الدولة الإسلامية" مؤكدا على قيم التسامح ونبذ التطرف وقال: "إن ما لن يفهمه هؤلاء المتطرفون، هو أن المسلمين لا يحتكرون الإيمان الصحيح المطلق، إنه ليس حكرا على المسلمين فقط. فالإسلام ليس دين الأتراك فقط أو العرب أو الأمريكيين أو الألمان". الإله الخالق وحده الذي يفرض العقائد، "من الأفضل أن يتحدث المرء عن قواعد الإيمان وأهميته وأسسه. وأحد أهم تلك الأسس هو أن جميع أشكال التطرف محرمة بشكل صارم".
في الختام وقبل وداعه ومغادرته إلى بيته أراد الإمام أخذ صورة معي، ثم ذهب يسرعة إلى بيته حيث إن موعد الإفطار بعد نصف ساعة فقط.