العدد 5046 - الخميس 30 يونيو 2016م الموافق 25 رمضان 1437هـ

الجوع والحرمان... مقاربة في السلوك البشري والتنمية المستدامة

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

أثار مقال «اﻻستهلاك والإنتاج المستدام في ثقافة السلوك البشري والتنمية المستدامة» اهتمام وتفاعل مجموعة من القراء، في شأن ما طرح من حقائق بشأن السلوك البشري غير الرشيد في العلاقة مع الموارد البيئية، وشهدت مجموعة التواصل اﻻجتماعي لنادي باربار الثقافي والرياضي تفاعلا مع جرى معالجته من قضايا، وإرسال عدد من مقاطع الفيديو لعدد من الحاﻻت التي تبرز جوانب الإسراف والبذخ والبهرجة في إقامة الوﻻئم. وفي ذات السياق تلقينا عددا من التعليقات والمقترحات شددت على ضرورة تنظيم المحاضرات والندوات والمناشط اﻻجتماعية تركز في جوهر مضامين محاورها في بحث جوهر المشكلة، وآثارها الاجتماعية والاتجاهات المنهجية للتوعية بمخاطرها على الكيان الأسري والمجتمعي، وبالتوفيق مع جرى من حوار وتفاعل مع قضايا المقال، قال الشخصية اﻻجتماعية رضي عيسى الناصر المعروف بدعمه الأنشطة الاجتماعية والأعمال الخيرية: «بما أنك بدأت بالاستهلاك والإسراف في الأطعمة، أكمل ما بدأت به وهو الجانب الآخر المقابل المتمثل في «الجوع والحرمان»، ليكون مكملاً للموضوع، وأشار هناك مقولة معروفة للإمام علي ابن ابي طالب «ع» تعالج بشكل جوهري هذه المعضلة اذ يقول «ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع».

الجوع والحرمان معضلة كارثية ومصدر خطر على الأمن الاجتماعي، وتتسبب في الاخلال بواقع العمل التنفيذي لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، ويتفق الجميع على أهمية معالجتها والبحث عن الأسباب الجوهرية في تصاعد وتائرها، واتساع رقعتها التي صارت تشمل في المرحلة المعاصرة مساحة كبيرة من البلدان في آسيا وإفريقيا واميركا اللاتينية، وتشير الثوابت والدﻻلات إلى أن الحروب والنزاعات الإقليمية المسلحة والصراعات الأهلية والخلافات والتقاتل القبلي والطائفي وتعزز ظاهرة الفساد المرتبط بذلك الواقع تمثل سببا فعليا في تصاعد وتائر هذه الظاهرة، ويجري معالجة جوهر المعضلة في موضوعات كتاب «الكلفة البشرية للنزاعات المسلحة» الصادر عن منتدى الفكر العربي - 1998، ويمكن تبين واقع ذلك في الموضوع الذي يعالج «أثر النزاعات المستمرة على التنمية البشرية» من الكتاب ذاته للباحث يورغن ليستر، إذ يشير إلى «أن الحروب والنزاعات الأخرى تُسبب عادة تغييرات جذرية في توزيع الموارد على القطاعات والمؤسسات، وكذلك على الاُسر والفئات الإجتماعية». وهناك فئة صغيرة من الناس - ويسمي فرانسيس ستوارت هذه الأقلية «الفائزين» - يكون لها مصلحة شخصية في استمرار النزاع، في حين أن الأكثر- ويسميها «الخاسرين» - تنحدر نحو، أو تحت، خط الفقر المطلق. وحين تحدث مجاعة يكون سببها الرئيسي تدني الدخول، وحدوث انهيارات في نظام التوزيع، وليس نتيجة هبوط مطلق في مجموع الإمدادات الغذائية».

التقرير العربي بشأن التنمية المستدامة الصادر عن لجنة الأمم المتحدة اﻻقتصادية لغرب آسيا، 2015 بيروت، لبنان، يؤكد على أن «المنطقة العربية هي المنطقة الأكثر تضرراً من النزاعات في العالم، وتشهد أكبر عدد من اللاجئين، سواء بالمعايير المطلقة أم بالمعايير النسبية. ويؤثر تصاعد الإرهاب على معظم بلدان المنطقة، ويسلب الموارد القيّمة من مجالات التنمية التي هي في أمس الحاجة اليها. وتقوم الصراعات وعدم الاستقرار عملياً بدور «تنمية في الاتجاه المعاكس» عن طريق التسبب بانكماش النشاط الاقتصادي، وبأضرار جسيمة للبنية التحتية الاجتماعية، ويشير «أما مشكلة الجوع وسوء التغذية في الدول العربية فلا تتعلق بتوافر الغذاء، بل بعدم التكافؤ في التوزيع بين البلدان وضمنها، والأمر كذلك بالنسبة للحصول على الأغذية وجودتها. وبشكل مشابه تعاني صحة الطفل والأم من اللامساواة في توزيع الخدمات الصحية الجيدة، وكذلك في الحصول عليها». وفي ذات السياق، يستدرك أن المنطقة العربية تواجه «افتقاراً حاداً إلى الأمن الغذائي وأمن المياه والطاقة، ويهدد الأسس الاجتماعية والإنمائية والمكاسب الإنمائية الموجودة. ومما يفاقم الوضع أكثر أنماط الاستهلاك والانتاج غير المستدام التي استنزفت الموارد الطبيعية في المنطقة استنزافاً خطيراً وأثرت على نوعية الحياة».

المجتمع الدولي أخذ في الاعتبار هذه المعضلة الإنسانية على واقع الأمن الإنساني، ضمنها في خريطة منظومة أهداف التنمية المستدامة وتتمثل في «الهدف 2 - القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة»، وتشير مقاصد الهدف إلى أن «هناك زهاء 805 ملايين شخص في العالم ليس لديهم غذاء يكفي لأن يتمتعوا بحياة صحية نشيطة. ويعادل ذلك قرابة واحد من بين 9 أشخاص على ظهر الأرض. وتعيش الغالبية العظمى من الجوعى في العالم بالبلدان النامية، حيث توجد نسبة 13.5 في المئة من السكان يعانون من نقص التغذية. ويفضي سوء التغذية إلى نحو النصف (45 في المئة) من حالات وفيات الأطفال دون سن الخامسة، أي 3.1 ملايين طفل سنويا. ويعاني طفل واحد من كل 4 أطفال في العالم من توقف النمو. وفي البلدان النامية قد يرتفع المعدل إلى واحد من بين 3 أطفال. ويحضر 66 مليون طفل من سن المرحلة الابتدائية الدراسة، وهم جوعى في شتى أرجاء العالم النامي، منهم 23 مليون طفل في إفريقيا وحدها».

البعض يفهم ويحصر واقع حالة الجوع والحرمان في الظواهر الملموسة للسلوك البشري في العلاقة مع الموارد، وكذلك في ظواهر الإسراف المفرط والتبذير المتصاعد وتائره للموارد البيئية، وعلى رغم أن تلك الثوابت تمثل جزءا مهما في مؤسسات الأسباب وفي تصاعد خطر الظاهرة، إﻻ أنه ينبغي أﻻ نغفل أيضاً الجانب الأكثر خطراً، الذي تتسببه القرارات والسياسات والممارسات غير الرشيدة والخاطئة في جوهر مضامينها وآلياتها التنفيذية، التي تستبعد من اجراءاتها الحقائق الماثلة أمامنا، والتي تمثل عنصر الخلل الرئيسي في ما هو حاصل من تراجع مأساوي في منظومة قيم ومبادئ الكرامة اﻻنسانية، والتسبب في عدم التمكين الفعلي في بناء مفاهيم عاقلة وحكيمة للسلوك البشري، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5046 - الخميس 30 يونيو 2016م الموافق 25 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:07 ص

      سلام دكتور
      الإحصائيات جيدة ولكن نريد حلول مقابل الهدف ٢

اقرأ ايضاً