باتت الحاجة ملحةً اليوم أكثر من أي وقت مضى، لبرامج دينية في الفضائيات العربية، تستضيف فيها مشايخ الدين المعروفين بوسطيتهم وسماحتهم، وبإطلالات من الوجوه الباسمة السمحة، القادرة على تقديم صحيح الشريعة بصورة محبّذة للناس، وجذابة إلى نفوس الشباب، وتبعدهم عن وباء الكراهية، والحقد العنصري باسم الإسلام، والذي تخصّص فيه مشايخ الغلو والتطرف المتجهّمون وهم جل من يتم استضافتهم في معظم الفضائيات العربية للأسف .
ولعل برنامج «الموعظة الحسنة» لأستاذ الأزهر المصري مبروك عطية، الذي تستضيفه إحدى القنوات المصرية وقناة MBC 1 السعودية، نموذج من نماذج مقدّمي البرامج الدينية الناجحين المنشود تعميمها على أوسع نطاق في التلفزيونات العربية، إذ يرد خلاله على تساؤلات المتصلين من بسطاء الناس، ومختلف فئات المجتمع والمستويات الثقافية بطريقة لا تخلو في أغلب الأحيان من الظرافة والفكاهة، ومبيناً في ذات الوقت حكم الشرع منها بلغة سهلة، ويساعده في ذلك أيضاً ما يتميّز به من سرعة بديهة خارقة تساعده على ضبط وقت برنامجه، وتبسيط استفسار المتصلين به من الناس العاديين، فيقاطع كلامهم بحزمه اللطيف، تلافياً من التطويل غير اللازم الناجم عن ضعفهم في التعبير بأقل الألفاظ والعبارات الممكنة.
والحق فقد وُفقت قناة MBC 1 السعودية أيّما توفيق، في اختيار مثل هذه الشخصية الدينية الأزهرية الوسطية الشعبية، مقارنةً بقنوات الغلو التي لعبت على امتداد سنوات غير قليلة دوراً تخريبياً في تهيئة التربة المناسبة لتنامي الفكر «الداعشي» في منطقتنا العربية، وإن لم تعلن نفسها رسمياً ناطقةًً باسم هذا «التنظيم». والمؤكد أن مشايخ الغلو والتطرف حانقون ساخطون على ما حقّقه برنامجه من نجاح ساحق، لا سيما وأنه يطلّ على مشاهديه بما يمكن أن نسميه «نيو لوك»، بذقنه الحليق وربطة عنق مع «البدلة»، أي إن جاز القول بكامل أناقته العصرية، ماسكاً بيده باقةً من الورد الأحمر الطبيعي وحواليها وريقات من النعناع الأخضر، ومتشمماً إياها بين الفينة والأخرى.
نقول ذلك بصرف النظر عمّا يأخذه عليه البعض، من اتّباعه أسلوب الزجر، والتهكّم الشديد مع بعض محاوريه المتصلين به، وهو في رأينا أسلوب يتعمد اصطناعه بحسن نية لكسر حاجز التكلف بينه وبين سائليه، لاسيما أنه يطعّمه بالنكات الخفيفة والمسلية.
اتصلت به مذيعة شابة متظارفة من قناة عربية ذات مرة، وفي سياق ردوده على بعض أسئلتها، خاطبها برفق ولين منادياً إياها ببراءة: «ياحبيبتي»، فنبّهته وهي تخفي خُبث تساؤلها: هل عادي دينياً أن تناديني يا شيخنا «حبيبتي»؟ فردّ بدوره: طبعاً عادي أناديك «حبيبتي» وهل تريديني أن أناديك «عدوتي»؟ فلولا الحُبّ لما استجبت لطلبكِ وطلب قناتكِ للتحاور معي، مُضيفاً بما معناه، إن للحب ضروباً مختلفة، وليس مقتصراً فقط على العشاق بين الجنسين، الحُبّ كل ما يجمع الناس من مودة وإنسانية، فغرقت من جانبها في نوبة هستيرية من الضحك الشديد، واصفةًً إياه بأنه من ألطف الشخصيات التي استضافتها قناتها، وتبسّم شيخنا «مبروك» مُبدياً سروره البالغ من قهقهاتها التي أنهت بها اتصاله معه، فيما أعرب من جانبه عن سروره بهذه «القهقهة»، معتبراً إياها بمثابة نجاحٍ له في إقناعها بالفكرة.
ولا شك أن التزام الشيخ «مبروك» بإجاباته على تساؤلات المتصلين عن حكم الشرع في قضاياهم بعيداً عن التحزب أو التسييس والطأفنة، لهو من أسباب نجاح برنامجه لدى شتى فئات الناس، على اختلاف ميولهم الفكرية والدينية. وفي اعتقادنا أن عالمنا العربي زاخرٌ بالكفاءات الدينية الوسطية المستنيرة، لكنها للأسف مهمشة، ولذا فقد آن الأوان لفتح المجال لها في وسائل الإعلام الجماهيرية بقطاعيها العام والخاص، إذا ما أردنا تسييد منهج الوسطية وصناعة الحُب والتآلف، واجتثاث نبتة التطرف والإرهاب، وإفشال مشاريع صناعة الكراهية وزراعة نبتتها الشيطانية في مجتمعاتنا العربية.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 5044 - الثلثاء 28 يونيو 2016م الموافق 23 رمضان 1437هـ
مقال رائع !
صدقت يااستاذنا الفاضل
هذا مانحتاجه لتسهيل مفاهيم اﻻسﻻم وتقبله بهذه الروح الفكاهية البسيطة ونحن في هذه الظروف التي شوهت اﻻسﻻم ببعض اﻻفكار من قبل المتطرفين ... سلمت يداك يااستاذ رضي...
يا اخى هذا ما نحتاجه من اقلام وقلبوب صافيه ليعم الحب والسلام على الجميع .. شكرك يا صاحب القلم الراقى .
رحمة الله على ايام الشعراوي في التلفزيون ،ايام المحبه والمودة