لم يتصور أحدٌ في المجتمع العربي والإسلامي أن يأتي يومٌ يسمع عن ابن يقتل أمه، ويطعن أباه وأخاه طعنات غائرة يقصد منها قتلهما، لكننا سمعناها بفعل التوأمين اللذين تعاونا على قتل أمهما البالغة 63 عاماً شر قتلة قبل أيام في الرياض، والشروع بقتل والدهما البالغ 73 عاماً وأخيهما الأصغر. حادثٌ أدمى قلوب وأدمع عيون كل من يحمل قلباً إنسانياً، وفهماً رزيناً للإسلام، واستيعاباً واسعا لقيمة الإنسان عامة والوالدين على وجه الخصوص عند الله عز وجل .

فهذان التوأمان الشقيقان الخارجان من أحشاء أمهما اللذان غدرا بها، وأنهيا حياتها ولم تأخذهما الشفقة عليها، حري بنا جميعاً، أفراداً وجماعات ومؤسسات دينية واجتماعية ونفسية وغيرها من المؤسسات التي تحترم حياة الإنسان، وتعرف القيم التي حث عليها الإسلام الحنيف؛ أن نقف عند هذا الفعل الشنيع وقفة جادة، للتعرف بالتفصيل على كل الجهات التي تعمل ليلاً ونهاراً لدفع الشباب المسلم إلى الجحيم، بهتكهم للحرمات، وارتكابهم مثل هذه الأفعال المشينة التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء.

وعلى المراكز الإسلامية المعتبرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، أن تقول كلمتها بكل وضوح في الجهات التي تشيع قتل الناس والفتك بهم والإعتداء على أعراضهم بعناوين وشعارات إسلامية، وأن يكون لها الدور البارز في تبيان حقيقة هذه الأفكار المغلوطة المخالفة لكل القيم الإنسانية والإسلامية التي تم حشو عقول الشباب بها، والتي دفعت هذين التوأمين لارتكاب هذه الجريمة البشعة بحقّ من نهى الله تعالى أن يقال لها «أف»، ناهيك عن إيذائها وقتلها والتنكيل بها .

لابد أن يكون للمؤسسات الإسلامية المعتبرة خطة استراتيجية، لتعالج من خلالها الأفكار والآراء والتفسيرات والتأويلات والفتاوى التي تبث الحقد والكراهية والبغضاء في أوساط الشباب المسلم، وتحثهم على القتل والتدمير ونبذ الآخر وتكفيره. ولاشك أن الشباب ضحية لتلك الأفكار والأوهام التي تبثها تلك الجهات التي تعمل في الظلام، فإنقاذ الشباب من جحيم تلك الأفكار المخالفة للتعاليم الإسلامية، لا يأتي بالدعاء لهم ولا بالتمنيات والآمال ولا بالتسويف والتجاهل واللامبالاة ولا بإعلان الحزن والأسى ولا بالقلق والاستنكار والشجب بكل الكلمات والعبارات المعبرة عن قسوة الجرم. ولا يأتي إلا بتكاتف جهود كل المؤسسات الإسلامية والإنسانية والإعلامية والتعليمية، وكل مؤسسات الشأن المدني في عالمنا الإسلامي، والعمل الدؤوب والمتواصل في كل الاتجاهات، العقائدية والفقهية والنفسية والفكرية، وإيجاد فرص كاملة للشباب لكي يعبّروا عن آرائهم في أمور دينهم ودنياهم، دون خوف ولا وجل، لأن التعبير عن كل ما يجول في عقولهم من أفكار، ومناقشتهم فيها بهدوء ومن دون تشنج أو تحسس، ومن غير أن ننعتهم بنعوت ما أنزل الله بها من سلطان، لنجعلهم محصنين ومدركين للحقيقة.

لا ريب أن عدم استيعاب الشباب وتلبية حاجاتهم الأساسية الفكرية والثقافية، يفسح المجال للمتربصين ليغزوا عقولهم ويملوا قناعاتهم وأفكارهم، ويجعلوهم أدوات في أيديهم يتصرفون بهم كيفما يشاءون، فالتوأمان اللذان قتلا أمهما وحاولا قتل والديهما وأخيهما، بالتأكيد ليسا وحيدين، فقد يكون هناك مئات أو آلاف مثلهم ينتظرون الفرصة للقيام بمثل فعلتهم المأساوية بأمهاتهم وآبائهم وإخوانهم وأخواتهم وعماتهم وخالاتهم وجيرانهم وأصدقائهم وأبناء مجتمعهم.

الكل يعلم اليوم، أن معالجة هذه الأفكار الغريبة التي تغلغلت في أذهان وعقول عشرات الآلاف من الشباب المسلم في السنوات الأخيرة، ليس بالأمر الهين إزالتها نهائياً من تفكيرهم، ولكنه أيضاً ليس بالأمر المستحيل. هو صعبٌ جداً، ولهذا يحتاج إلى شخصيات واعية وعقول منفتحة، وإمكانيات وقدرات فكرية وثقافية وإعلامية كبيرة، لتتمكن مجتمعة من إقناع الشباب المسلم بالأطروحات التي يعرضونها عليهم، بغير هذه الطريقة لا يمكن إصلاح ما أفسده الدهر .

في اعتقادنا مازالت الأمة الإسلامية قادرةً على تخطّي هذه المحنة القاسية، إذا تجاوزت كل اختلافاتها العرقية والطائفية والمذهبية، لأن تلك الجهات المتربصة بالشباب المسلم نفذت من هذه النافذة لعقولهم وأذهانهم، واستغلت بنجاح مناقشات وحوارات بعض القنوات الفضائية التي تركّز بتعمد وخبث على إثارة الاختلافات التاريخية والعقائدية والفقهية البعيدة عن العقلانية، والتي لا تضيف إلا مزيداً من التباعد والتنافر والتباغض والأحقاد والكراهية بين المكونات الإسلامية. والسؤال الذي يطرح في وقتنا الحاضر: هل الأمة الإسلامية مستعدة لإنقاذ شبابها قبل فوات الأوان، أم أنها ستنتظر حتى يقدم آخرون غير التوأمين اللذين أقدما على هذا الفعل الشنيع الذي هزّ الضمير الإنساني؟