يتجه العالم اليوم أكثر فأكثر نحو تحركات انفصالية بعد أن كان في العقود الثلاثة السابقة يسير في اتجاه التجمعات الإقليمية، ولعلّ ما حدث في بريطانيا صباح يوم الجمعة (24 يونيو/ حزيران 2016) ينضوي تحت هذا الإطار؛ فقد استيقظ العالم على خبر تصويت البريطانيين لفائدة الخروج من الاتحاد الأوروبي. ويعيش الاتحاد الأوروبي منذ مدة أزمة اقتصادية. ومع خروج بريطانيا، التي هي إحدى دعائم هذا الاتحاد، سيهتز بشكل واضح، بل قد يصيبه التداعي. غير أنّ المحللين والخبراء الاقتصاديين في المغرب العربي تفاوتت تقديراتهم لمدى تأثير هذا الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي على دول المغرب العربي. في حين يرى المعهد الملكي للشئون الدولية، وهو مركز أبحاث بريطاني، أنّ بلدان المغرب العربي قد تعاني بشكل مضاعف جراء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ففي الجزائر قلّل الخبير الاقتصادي وكاتب الدولة الأسبق بشير مصيطفى من تأثير انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لأن مصالح الجزائر في أوروبا مرتبطة بالدرجة الأولى بفرنسا ثم إيطاليا وإسبانيا وألمانيا قبل بريطانيا. بل اعتبر أنّه من المرتقب حصول أثر إيجابي على سوق الصرف حيث ستزيد عائدات التصدير الجزائرية بالدولار، وتتراجع نفقات الاستيراد باليورو، ولكن للمدى القصير فقط. وعن الاستثمارات البريطانية في الجزائر أكّد مصيطفى أنّه لا خوف عليها لأنها محدودة في قطاع المحروقات؛ حيث مازال العائد مرتبطاً بأسعار النفط وهو متغير خارجي لا علاقة له بوضعية بريطانيا في الاتحاد الأوروبيّ.
وفي تونس أكّد الخبير الاقتصاديّ فتحي النّوري أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يكون له تأثير مباشر أو غير مباشر على تونس، مشيراً إلى أنّ معاملات تونس مع بريطانيا لا تتعدى 4 %. في حين ذهب الخبير الاقتصادي ووزير المالية السابق حسين الديماسي، إلى أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيّ سيكون له تأثير على بلادنا على المدى المتوسّط على اعتبار أنه سيحدث نوعاً من الوهن على مستوى المجموعة الأوروبية ككل والذي سيتسبب في تباطؤ نسق النمو، وهو ما قد يؤثر على تونس باعتبارها حريف أساسي للاتحاد الأوروبي واقتصادها مرتبط به، فضلاً عن تأثيره على الصادرات حيث سيتباطأ نسقها؛ ما سيؤدي أيضاً إلى التأثير على الدينار التونسي، لذلك على تونس أن لا تخسر موقعها في السوق البريطانية، ويجب عليها أن تتفاوض من جديد مع بريطانيا في مجال التجارة الخارجية والصادرات لأن بريطانيا اليوم هي بريطانيا جديدة، كما أنه من الضروري العمل على محور الاستثمار؛ لأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يجب أن يتسبب في خروج أي مستثمر أجنبيّ من تونس أو أن يحرم تونس من أي مستثمر جديد باعتبار أن المستثمر البريطاني من أكبر المستثمرين في تونس.
وفي إطار تحليل تداعيات هذا الانسحاب على المغرب، قدَّرَ والي بنك المغرب عبداللطيف الجواهري تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد المغربي بأنّه محدود، ولن يؤثر على الاقتصاد المغربي إلا بنسبة 0.1 في المئة فقط. وبيّن رئيس المعهد المغربي للعلاقات الدولية جواد الكردودي، أنّه سيتم استعادة الرسوم الجمركية بين المغرب وبريطانيا، لذلك يمكن أن يحدث بعض الانخفاض في المبادلات التجارية بين البلدين. واعتبر الاقتصاديّ عمر الكتاني أنّه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتعيّن على المغرب أنْ يُعيد التفاوض بشأن اتفاقيّات التبادل الحرّ مع الاتحاد الأوروبيّ وأن يقوم بمراجعة سياسته الخارجية مع المملكة المتحدة.
وأمّا فيما يتعلّق بليبيا، فقد يؤدّي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تراجع دورها في الملفات الإقليميّة ولاسيما في التعاطي مع الأزمات في سورية وليبيا والعراق. بل لعلّ خروج بريطانيا ضربةٌ قاسمة للسياسة الخارجية للندن في التعامل مع الملف الليبي الذي تسعى للعب دور رئيسيٍّ فيه عبر دعم حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج. وقد تأخذ إيطاليا وفرنسا دوراً أكبر في التعامل مع الأحداث، فمؤسسات الدولة الليبية تنظر إلى بريطانيا نظر المحتل الذي يرغب في فرض نفوذه على ليبيا ولعب دور أكبر في التعاطي مع الأزمات السياسية.
وعبّرت موريتانيا عن قلقها من انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رغم قلة الاستثمارات والمبادلات التجارية بين البلدين. لكن بما أنّ الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لموريتانيا، فإنّ هذا الخروج سيضر باقتصاد الاتحاد ودوله، وسيؤثر على علاقاته الاقتصادية خاصة مع دول شمال إفريقيا. لكن بالمقابل لا يقلّل بعض المحللين من التخوّفات لأنّ الاستثمارات الموريتانية تتركز في بريطانيا في مجال العقارات التي من المتوقع أن تحافظ إلى حد ما على قيمتها السوقية مقارنة بسوق الأسهم والعملات، وبالنظر لقيمة بريطانيا كقوة اقتصادية عظمى مستقرة سياسياً وأمنياً أكثر من باقي دول الاتحاد.
ومما تقدّم يتأكّد أن المغرب العربي، عُرْضَة للتأثير المباشر وغير المباشر، وعلى المدى القريب والمدى البعيد، جرّاء أيّة هزة اقتصادية أو سياسية في الاتحاد الأوروبي. وعليه فإنّ واجب إعادة بناء هياكل اتحاد المغرب العربي، وتقوية نسق التبادل التجاري فيما بين دول الاتحاد من جهة، والاشتغال على فتح أسواق كبيرة في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية يغدو من أولويات الإصلاحات الاقتصادية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في سياسات الدول المغاربية.
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 5043 - الإثنين 27 يونيو 2016م الموافق 22 رمضان 1437هـ
يجب على الدول المغاربية تحمل نتائج تبعيتها الاقتصادية و المالية و التجارية لاوروبا و عدم تحررها من القيود الاستعمارية الجديدة و فشلها في تحقيق تنمية حقيقية منذ استقلالها الوطني نتيجة غياب الشرعية و الديمقراطية و الاستيلاء على السلطة بالقوة و انتشار الفساد و تحكم الرداءة و العمالة للاجنبي ..؟
الوحدة هي الحل
لا بد للدول العربية من التعويل على بعضها البعض وتقوية اقتصادها
القطرية هي الحل .. الانكفاء على الذات هو الخلاص.."نفسي نفسي والبقية إلى البحر الميت..)
نعم هذه هي الزبدة:
ومما تقدّم يتأكّد أن المغرب العربي، عُرْضَة للتأثير المباشر وغير المباشر، وعلى المدى القريب والمدى البعيد، جرّاء أيّة هزة اقتصادية أو سياسية في الاتحاد الأوروبي. وعليه فإنّ واجب إعادة بناء هياكل اتحاد المغرب العربي، وتقوية نسق التبادل التجاري فيما بين دول الاتحاد من جهة، والاشتغال على فتح أسواق كبيرة في آسيا وإفريقيا وأميركا الجنوبية يغدو من أولويات الإصلاحات الاقتصادية التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في سياسات الدول المغاربية.