يجد المُتتبِّع لتجربة الكاتب والمسرحي البحريني خالد الرويعي نفسه مُوزَّعاً بين اهتمامات عديدة، أزعم أنه حقق تميُّزاً فيها، من اشتغاله في المسرح أداء وكتابة وسينوغرافيا، وغيره من الاشتغالات التي قدم فيها جانباً من قدراته وأدواته. بالنظر إلى «درس النور» (نص)، و «الانترنت بوصفها نصاً»، وهو مجموعة مقالات تُعنى بنقد الشبكة من منظور أدبي، و «هدوء ليس إلا»، وفيه اشتغال ومزاوجة بين الشعر والتصوير، وإصداره الأخير «انظر... ولا أحد»، ذهاب إلى الشعر بعد تجارب لم تكن في منأى عنه.
عن «انظر ولا أحد»، كتبت ذات مراجعة، أن خالد الرويعي يعيد ترتيب وقته... ترتيب نظره وبصره؛ بين خيالين/ واقعين؛ أو واقعين/ خيالين لا فرق. واقع/ خيال اشتغاله في المسرح بتجاوز الواقع من حيث تقديمه على الخشبة؛ استقلال الواقع عن الأسطورة في ذلك الاشتغال سيكون أصعب وأعمق؛ وخيال النص في واقع الاشتغال عليه أيضاً.
في «هدوء .. ليس إلا»، اعتماد على التكثيف في النصوص. مسمّى النصوص القصيرة كما تمت إضاءته، يدخلنا في «الطول والعرض»، يدخلنا في مقاييس تتراءى وتختفي أمامنا. التكثيف في النص مُعضلة إذا تم حل لغزها ففي ذلك بقاء النص وصاحبه، بالجماليات التي يحققها، وبالقبض الذي يحرزه، وفي النصوص تلك تحقق الكثير والمُلفت. لم تَكُ مقاربات لحالات بقدر ما كانت اختباراً في الهواء الطلق، وفي المدى المفتوح الذي يشتغل عليه الرائي، فيراكم البصائر، ويقيم وزنه أمام العالم بجدارة. نجح في فضاء، وما فشل فيه لم يكن بمستوى الكارثة.
الاشتغال نفسه مشروع امتزج فيه النص بالصورة الفوتوغرافية، تجلّى في مواضع، وبهت في مواضع أخرى، لكنها تظل تجربة فيما أعلم من حيث هي إصدار لها السبق، وتظل ذات أهمية في حضورها.
في الاشتغال على المقاربات من حيث الجماليات والتقنية التي تمخضت عن شبكة الإنترنت، يضعنا الرويعي في «الإنترنت بوصفها نصاً» أمام فضائين أدبي وفني، وذلك اشتغال أزعم أنه مُفتتح في وقته؛ إذ صدر في العام 2006، ولم يبْدُ وقتها أي اهتمام بهذا الحقل في إصدار؛ إذا استثنينا الاشتغال الأعمق في هذا المجال الذي بدأه في طروحات متفرقة الشاعر قاسم حداد.
في «درس النور»، نقرأ: «يخطر ببالي أن الشيء الوحيد الذي تستطيع أن تُكابر في وجهه هو الألم... ولأن الألم قرين الأمل في اللغة... فالجسم هنا ضحية الأمل وليس الألم فقط». نقف أمام تسخير يضيء مناطق معتمة. ووحده الشعر من يملك القدرة على مثل تلك الإضاءة الفاضحة والسافرة. القدرة على التوغل في تلك الأكوان التي هي جزء من مسارات كياناتنا الضئيلة في كثير من الأحيان. الضئيلة بفعل وهن يطل هنا، وانهيار يومئ هناك.
أستند على إحالات في رسم بوتريهات الكتابة والذين ينجزونها. هذه المرة إحالة على صحيفة «اليوم» السعودية، في عددها الصادر بتاريخ 28 فبراير/ شباط 2004، في استعراض لمحاضرة شارك فيها الرويعي والمخرج والمسرحي عبدالله السعداوي، بجمعية الثقافة والفنون بمنطقة الدمام بالمملكة العربية السعودية؛ حيث كان التجريب محورها الرئيس. عن الممثل وحضوره تحدَّث؛ حيث ذكر بأن ذلك الحضور في تجربته «يمثل إحدى الركائز الرئيسة التي أهتم بها» فهو ليس ممثلاً فحسب، بل هو جزء من المكان الذي ينتمي له العرض نفسه».
الرويعي: محاولة حل معضلة لغز ما!
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 5033 - الجمعة 17 يونيو 2016م الموافق 12 رمضان 1437هـ