لم يختلف أحد في داخل البلاد وخارجها على طيبة أهل البحرين، فهم منذ القدم المثل الأسمى والنموذج الأرقى في دماثة الأخلاق وحسن المعاشرة وصدق المشاعر وطيب السريرة، وفي الطباع الحميدة والممدوحة. في شهر رمضان المبارك على وجه الخصوص تتجلى طباعهم السامية، في الجوانب الاجتماعية والإنسانية الخيّرة بكل وضوح، فآلاف العوائل في محافظات البلاد الأربع يفتحون مجالسهم لتلاوة القرآن الكريم وللقاءات الاجتماعية، فلا نبالغ إذا ما قلنا أن الآلاف من أبناء البحرين الأعزاء، بكل مكوناتهم الطائفية والمذهبية والعرقية، يحرصون على ختم كتاب الله المجيد في هذا الشهر الفضيل أكثر من مرة، وأنهم يتباركون بختم كتاب ربهم، لاعتقادهم أنهم بتلاوتهم القرآن العظيم في الشهر الذي أنزل فيه، تحل عليهم البركة الوفيرة، ويحفظهم الله من شر الأشرار وطوارق الليل والنهار، ومن كل آفة ولامة، ويصبرهم على البلايا والمصائب وتقلبات الزمان.
من يتنقل بين المجالس الرمضانية يستشعر ببهجة غير معتادة، وفرحة كبيرة غير معهودة طوال السنة، كيف لا وهو يرى أبناء بلده يتزاورون ويتبادلون التحايا والتبريكات بحلول الشهر الكريم، ويتحدثون في مختلف القضايا الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. من خلال عشرات الزيارات التي قمنا بها للمجالس الرمضانية، لمسنا عمق العلاقات الاجتماعية والإنسانية بين الناس في مجتمعنا الطيب، وأن الدنيا مازالت بخير بتآلف أبناء هذا البلد الخيّر المسالم، ووجدنا في الكثير من المجالس الرمضانية اهتماما واضحا بالأزمة الاقتصادية وتداعياتها التي أثرت بنسبة كبيرة وبصورة مباشرة على حياة الأسر المتعففة، ووجدنا الكثير من الموظفين متوجسين كثيرا من الأيام القادمة، وخصوصا من موضوع التقاعد الذي أثير في الأيام الأخيرة في الأوساط الاجتماعية، ومتخوفين من الأخبار المتداولة بين الناس المتعلقة برفع سنوات التقاعد إلى 65 سنة، وحرمانهم من بعض الامتيازات التقاعدية، ورغم انتشار تلك الأخبار بين الناس، كانتشار النار في الهشيم، إلا أنهم لم يسمعوا من الجهات المعنية بهذا الأمر أي تعليق مطمئن حتى هذه اللحظة.
والقضية الثانية التي رأيناها تشغل بالهم كثيرا، القضية السياسية التي تعاني البلاد من تداعياتها الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، منذ أكثر من 5 سنوات، وجدنا في المجالس الرمضانية شبه إجماع على ضرورة حل الأزمة السياسية بالطرق السلمية، وإيصال البلد وأهله إلى بر الأمان، وهذا لا يتم من وجهة نظر الكثيرين منهم إلا بإجراء أو تفاوض جاد بين أطراف الاختلاف السياسي، ويأملون سريعا في تحقيق لمّ شمل البحرينيين تحت راية البحرين، وإنهاء حالة التشنج والتحسس المذهبي التي اصطنعت في السنوات الأخيرة، والتي لم تعهدها البحرين سابقا، والتي وظف الإعلام المرئي والمسموع والمقروء كل قدراته وإمكاناته في ترسيخها وتوسعتها مع الأسف.
والجميل في المجالس أنها تجمع كبار السن والرجال والشباب والأطفال من مختلف الأعمار، والذين يجمعهم الوئام والمودة والاحترام والتقدير المتبادل بين أصحابها ومرتاديها، لا تجد في جلها أو جميعها حالات سيئة، كالتكبر والتعالي وعدم الاحترام والتقدير لبعضهم بعضا، ولا تجد إلا العادات والتقاليد والطباع الحميدة سائدة فيها. لن نتكلم عن كرم الضيافة وحسن الاستقبال؛ لأنها بارزة بشكل واضح وجلي في كل المجالس التي وفقنا بزيارتها... فتحية لأصحاب المجالس الرمضانية في جميع مناطق بحريننا الحبيبة، سائلين المولى جلت عظمته أن يوفق أهل هذا البلد الطيب في ترسيخ هذه العادات والمميزات الطيبة، وأن يجعل البحرين وأهلها الطيبين في أحسن وأفضل حال في كل الأبعاد؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والفنية والرياضية، وأن يحقق طموحات طلبتنا وطالباتنا المتفوقين والمتفوقات الدراسية، وألا يحرم أحد منهم لاعتبارات غير قانونية من استحقاقاته الدراسية التي يستحقها في هذا العام.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5029 - الإثنين 13 يونيو 2016م الموافق 08 رمضان 1437هـ