صادف هذا الاسبوع ذكرى حرب 5 يونيو/ حزيران التي عصفت بالعالم العربي عندما وجهت «إسرائيل» ضربةً عسكريةً استباقيةً مفاجئة للقوات العربية في مصر وسورية والأردن. تلك الحرب أسست، بصور كثيرة، للمشهد الذي يمرّ به العالم العربي اليوم. ففي حرب 1967 استطاعت «إسرائيل» إبان ساعات، وفي أوج تألق الرئيس عبدالناصر وشعبيته عربياً بل وفي وسط التنافس العربي المحافظ من جهة والقومي من جهة أخرى، احتلال صحراء سيناء المصرية والجولان السورية، بالإضافة لكلّ ما تبقى من فلسطين كالضفة الغربية والقدس الشرقية.
كانت الضفة الغربية لعشية الحرب (ومنذ حرب 1948) تحت حكم الأردن، بينما كان قطاع غزة (منذ حرب 1948) تحت الحكم المصري. في حرب 1967 سقط البطل العربي القومي ناصر في فخ إسرائيل والغرب، وسقطت معه وإن مرحلياً، الكثير من أحلام العرب في التحرر والتقدم وتحقيق العدالة في فلسطين.
لقد أدت حرب 1967 إلى بروز جيل عربي جديد، ومهّدت لموجات من المعارضة والنقد، هذا الجيل الذي فتح أعينه على الهزيمة، التحق بالمقاومة الفلسطينية بعد الحرب بصفتها الظاهرة النقدية الجديدة في الساحة العربية. لكن المشهد العربي هو الآخر كان معقداً. لم يبق ناصر طويلاً في الحكم، فقد توفي عام 1970 أثناء حرب أهلية أردنية فلسطينية انتهت بإخراج المقاومة من الأردن، كما أن النفط العربي صعد للواجهة مما يعني توفر أموال مضاعفة لكل العرب قادرة على إعطاء مجتمعات عربية كاملة شعوراً وهمياً بأنها تحقّق تقدماً في وضع الإنسان العربي، بينما كانت في الحقيقة تحقق طفرةً ماليةً مؤقتةً ستؤخر من قدرتها على التصدي لمهام التنمية والمهنية والإنتاج والعدالة. مع موت ناصر أسدل الستار على مرحلة مهمة من مراحل القومية العربية وصعودها.
لقد تطلبت هزيمةٌ بحجم 1967 من العرب مراجعةً لأساليب العمل والحكم العربية في مجالات الإدارة والشفافية والمساءلة والفساد وسيطرة الأمن والمخابرات وغياب الحريات وحقوق الإنسان، وضعف الإدارة. فهزيمة 67 عكست حالة الضعف الحقوقي والتردي في صنع القرار العربي. إذ لم يستطع النظام في مصر أو في سورية أو الأردن في ذلك الوقت، بلورة فهم دقيق لحقيقة القوة العربية والإمكانيات الواقعية، ففي عام 67 كانت التمنيات أكبر من الحقائق، لهذا عندما جاءت لحظة الحقيقة كانت الهزيمة أكبر منها.
لقد حرّكت حرب 1967 بذور المعارضة والثورة ضد النظام العربي كما حصل عند نشوء ظواهر فكرية عدة (مدارس نقدية ويسارية في لبنان ومصر والخليج)، وبروز المقاومة الفلسطينية التي ألهمت الشباب العربي، ثم تطوّر مدارس الإسلام السياسي المختلفة. لكن الواضح بأن النقد توقف عند حيز محدّد، وأن النظام العربي كان قادراً على امتصاص كل نقد ومعارضة عبر التفتيت والمال السياسي، فالقوة المالية العربية التي اكتسبت زخماً بعد 1967 عمّت دول المواجهة في مصر والأردن وسورية على شكل هِباتٍ ودعمٍ مالي.
في البداية ذهب المال للمساعدة على إعادة بناء الجيوش ودعم المقاومة، لكن المال أيضاً استخدم في بناء نظام عربي يعيش على أوهام القوة المالية، وذلك لأنه يغطّي الفساد بالمال والنقد بتجويف الإعلام، والمعارضة بالعروض المالية أو بالسجون والانتهاك، وضعف الإنتاجية بالديون والقروض والهدر العام.
لقد انتهت حرب 1967 كما بدأت، بلا تعديل أو تغير، واستمر النظام العربي يبني قصوراً من الرمال، مع الوقت سقط التعليم المؤسّس للإنسان، وزادت نسب الفساد، واحتكرت الدولة الاقتصاد والإعلام كما تحتكر السياسة، ووقع ترهل كاشف لكل مكونات الحياة العربية. لم يأت عام 2011 (الربيع العربي) من فراغ، بل جاء إلينا من جذور أعمق في التاريخ العربي الحديث كنكبة 1948 ثم هزيمة 1967، ثم فساد الحالة العربية، وطالما لم نبدأ نقداً حقيقياً صادقاً وتغيراً مدروساً، ستتكرّر الهزائم كما الثورات.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 5026 - الجمعة 10 يونيو 2016م الموافق 05 رمضان 1437هـ
السبب الرئيس : العالم و بينها اسرائيل تخطط لكل خطوة. اما نحن نجهل ابجديات التخطيط و لا نعلم بوجوده حتي!
اتمني ان يطول عمرك و تعيد نشر هذا المقال بعد عشر او عشرين او حتي قرن. لان ليس هناك فرق و لا تغيير متوقع.