البرلمان أداة مهمة في صناعة القرار البيئي، وتشخيص وتقنين اﻻتجاهات الفعلية التي تسهم في تعضيد قدرات الآلية القانونية والإدارية والرقابية للحد من النشاطات غير الرشيدة في العلاقة مع المعالم البيئية، واعتماد الإجراءات التي تسهم في وقف حالات التدهور البيئي وإعادة تأهيل النظم البيئية، وذلك جعل المجالس البرلمانية هدفا إستراتيجيا لنشطاء الحركات البيئية، وقوى الضغط المتمثلة في الشركات ومجموعات النفوذ الاقتصادي والسياسي المعارضة للقرار البيئي الذي يتعارض مع مصالحها الاقتصادية، وذلك الحراك ينشط في البلدان المختلفة وبالأخص في الدول الأوروبية، كما أن قضايا البيئة صارت محورا رئيسيا في البرامج اﻻنتخابية ووسيلة دعائية مهمة لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية، وتأكيد حضور النواب البرلمانيين في الوسط الاجتماعي. وفي ذات السياق تمثل القضايا البيئية محور الدعاية الإعلامية للانتخابات لقوى الضغط المناهضة للقرار البيئي، وتستثمر في ذلك مختلف وسائل الدعاية الاعلامية للتأثير على قرار الناخبين في التصويت، ذلك ما يُبينه آل غور في كتابه «المستقبل -ستة محركات للتغيير العالمي- الجزء الأول» الصادر عن عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، كما أن الكثير من البرلمانات صارت تهتم بالمناسبات البيئية وتنظم المهرجانات الاحتفالية والمناشط الاجتماعية في المناسبات البيئية الوطنية والإقليمية والعالمية.
البيئة تمثل القيمة الإستراتيجية في معادلة الأمن الإنساني وتشكل بفعل مقوماتها لبقاء الإنسان وتطوره معادلة ومحورا رئيسيا في الكثير من الدساتير في الدول المختلفة في طبيعة مكونات مناهج نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتقنن الكثير من الدساتير في العالم محددات الحق البيئي للمجتمع، وتشمل الحق في بيئة نظيفة خالية من المخاطر تتوافر فيها متطلبات العيش الكريم، والآمن، وتُحرم في سياق ذلك مختلف الأنشطة ذات الأثر السلبي على منظومة معالم النظام البيئي، وتشدد على المسئوليات والالتزامات القانونية المعنية بالتعويض عن الأضرار الاجتماعية والبيئية التي تسببها الأنشطة غير الرشيدة، وتحدد الضمانات القانونية لصون بقاء واستدامة الرأسمال الايكيولوجي، كثروة إنسانية وحق طبيعي للأجيال، وتضع منظومة من القواعد القانونية تحدد بموجبها الأسس القضائية والإدارية والرقابية للحد من السلوكيات والأنشطة غير الرشيدة الضارة بالإنسان والبيئة.
الضمانات الدستورية في الشأن البيئي على رغم أهميتها الإستراتيجية في التأسيس لبناء منظومة قانونية وإدارية للحد من مظاهر الأنشطة المدمرة للنظام البيئي، إﻻ أن التجارب المحيطة بواقع الحراك البيئي في مختلف البلدان، وبالأخص في الدول الصناعية الكبرى، تشير إلى أن ما تسجله الدساتير من ضمانات، غير كاف للحد من تمرير البرامج التنموية غير المؤسسة في بعدها البيئي، المدعومة من أقطاب النفوذ السياسي والاستثماري، وبالأخص الشركات الاحتكارية الكبرى صاحبة النفوذ في التأثير على منع صدور القرار البيئي الذي يتعارض مع مصالحها الاقتصادية. ومن الطبيعي أن يتسبب ذلك في الإخلال بنزاهة قرارات البرلمان في الشأن البيئي، ويؤثر سلباً على المنجز النوعي لخطط العمل والمشاريع البيئية على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، والتسبب في تراجع تلك الخطط في إنجاز اهداف التنمية المستدامة، وذلك ما يمكن تبين واقعه في مواقف الدول في المفاوضات الدولية بشأن القرارات البيئية الإستراتيجة، كما هوعليه الحال في واقع المفاوضات الدولية للتوصل إلى قرار جمعي بشأن المعايير والالتزامات الخاصة بالضمانات الدولية للحد من استخدام المواد المستنفدة لطبقة الأوزون، حيث تمتنع الدول الصناعية الكبرى في معظم الحالات عن التوقيع على اﻻتفاقيات التي تضع حلولا جذرية للحد من ظاهرة التغير المناخي؛ لاعتبارات المصالح اﻻقتصادية، وبضغط من الشركات الاحتكارية الكبرى صاحبة النفوذ في هذه البلدان، ويعالج هذه المشكلة آل غور في كتابه «المستقبل -ستة محركات للتغيير العالمي- الجزء الثاني» الصادر عن عالم المعرفة، في عنوان «الأغذية المعدلة جينيا»، حيث يؤكد (التصلب نفسه في الديمقراطية هو الذي يقف الآن حجر عثرة في وجه المواءمة المنطقية مع موجة التغييرات التي تتدفق من جرَاء ثورة علوم الحياة. فمثلا، حتى إذا أظهرت استطلاعات الرأي باستمرار أن ما يقارب من 90 في المئة من المواطنين الأميركيين يعتقدون أن الأغذية المعدَلة وراثيا يجب أن توضع عليها ملصقات تعريفية بهذه المنتجات، تبنى الكونغرس الأميركي وجهة النظر التي تنادي بها الشركات الزراعية العملاقة بأن الملصقات التعريفية لا لزوم لها وستضر بالثقة في الإمدادات الغذائية).
وتؤكد تلك الحالة على ضرورة وجود ضمانات أكثر جذرية وفاعلية تتمثل في توافر الإرادة السياسية والشفافية والنزاهة في معالجة القضايا البيئية، واتخاذ القرار البيئي المرتكز على قراءة علمية سليمة ونزيهة في معطيات مقومات أبعاده البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ووجود برلمان فاعل ومتفاعل مع المشاريع البيئية، ومؤهل ﻻتخاذ القرار البيئي القويم وتمكينه في التطبيق، وتوفير قواعد التشريع العميقة في بعدها القضائي والإداري والرقابي والإستراتيجي في معادلة النظام الإجرائي، ضمن منظومة منع تمرير القرار البرلماني للمشاريع التنموية المضرة بالمكون البيئي، وبصحة الإنسان وقمع الأعمال المخلة بتوازن النظام البيئي، وإعادة تأهيل المعالم البيئية وبما يضمن تفعيل قواعد الدستور، وتأكيد ضمانات صون معالم النظام البيئي، وتعضيد مقومات إنجاز أهداف الخطط التنفيذية في بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 5025 - الخميس 09 يونيو 2016م الموافق 04 رمضان 1437هـ
مقال رائع وكلام يستحق التقدير