يدير خالد التومي مركز احتجاز المهاجرين في الزاوية، التي تقع على بعد 23 كيلومتراً شرق صبراتة في شمال غرب ليبيا ، وفق ما قالت شبكة الأنباء الإنسانية.
أضحى الساحل حول مدينة صبراتة إحدى نقاط الانطلاق الرئيسية التي يستخدمها مهربو البشر عقب شن حملة أمنية على المركز السابق في مدينة زوارة. وقد تم القبض على جميع المهاجرين الذين أشار إليهم من على متن القوارب وإعادتهم.
ويوجد بالزاوية 1,727 محتجزاً، وهو عدد أعلى بكثير من قدرتها الاستيعابية الرسمية القصوى التي تبلغ 1,200 شخص. ولم تعد إمدادات الغذاء والماء كافية بالفعل، ويقول التومي إنه لم يعد لديه أي موارد إضافية للوافدين الجدد.
وفي هذا الصدد، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "سوف نواجه في الأسبوع القادم مشكلة كبيرة حقاً ولا أعرف كيف سأستطيع إدارة الموقف. لم يعد لدينا مزيد من البطانيات أو المراتب ... كل ما أمتلكه مستخدم بالفعل".
والجدير بالذكر أن السلطات الليبية اعتقلت 3,500 مهاجر كانوا يحاولون استقلال قوارب إلى أوروبا في مؤخراً، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة (هناك 880 مهاجراً آخرين يعتقد أنهم لقوا مصرعهم في سلسلة من تحطم السفن).
وادعى أيوب قاسم، المتحدث باسم القوات البحرية الليبية، أن هناك عدداً أكبر من المهاجرين يحاولون العبور إلى أوروبا عما كان عليه الحال خلال السنوات السابقة. وألقى باللوم في هذه الزيادة على "العملية صوفيا": البعثة البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في شهر مايو الماضي لمكافحة تهريب المهاجرين في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وفي هذا الصدد، أوضح قاسم لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه "منذ بداية العملية صوفيا، أصبح لدينا عدد أكبر من المهاجرين الذين يحاولون الذهاب إلى أوروبا لأنهم يعلمون أن هناك قوارب موجودة في البحر، ومن ثم لن يضطروا لاستكمال الرحلة بالكامل إلى إيطاليا...جميع قوارب المهاجرين مزودة بهواتف تعمل عبر الأقمار الصناعية وأجهزة تحديد المواقع. في السابق، كانوا يضطرون للانتظار حتى يصلوا المياه الإيطالية لإرسال رسالة استغاثة، أما الآن فإنهم يبدؤون في إجراء مكالمات استغاثة بمجرد خروجهم من المياه الإقليمية الليبية".
مهاجرون صوماليون شباب ممن تم نقلهم إلى مركز احتجاز الخُمس عقب إنقاذهم من سفينة كانت توشك على الغرق.
وتشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن أعداد المهاجرين الوافدين إلى إيطاليا خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام تماثل في الواقع نظيراتها في العام الماضي. مع ذلك، يمكن أن يزداد عدد القوارب التي يتم اعتراضها في المياه الليبية إذا أوفى الاتحاد الأوروبي بوعوده التي أطلقها مؤخراً حول توفير التدريب والمعدات لقوات خفر السواحل الليبية كجزء من خطط "تعزيز قدرة العملية صوفيا الرامية إلى إحباط عمليات تهريب البشر وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر".
من جانبه، علق قاسم بسخرية على إعلان الاتحاد الأوروبي واصفاً إياه بأنه مجرد حيلة دعائية. وقال: "لدينا خبرة كافية، ويمكن أن ندرب أنفسنا...نحتاج إلى الدعم اللوجستي والمعدات. فنحن نعمل من دون معدات تقريباً، نحن بحاجة إلى كل شيء يمكن أن يخطر على بالك: قوارب، أجهزة رادار، أجهزة لاسلكي، زي رسمي – أي حرفياً، كل شيء".
وهناك نقص بشكل خاص في زوارق دوريات مراقبة السواحل. فغالباً ما تعتمد قوات خفر السواحل على الصيادين المحليين لإبلاغهم عندما يرصدون قوارب مكتظة بالركاب أو قوارب صيد خشبية بالية. وقال قاسم أن سفن خفر السواحل القليلة قد تكون أصغر حجماً وأقل قوة من قوارب المهربين، مما يجعل المطاردة صعبة وعمليات الإنقاذ أكثر صعوبة.
وقد فشل عرض الاتحاد الأوروبي لتقديم الدعم في معالجة ما يحدث للمهاجرين بعد القبض عليهم وإعادتهم إلى ليبيا، حيث يواجهون السجن في أحد المراكز الـ 30 لاحتجاز المهاجرين، والتي يخضع الكثير منها لسيطرة الميليشيات.
وحتى عام 2014، عندما بدأت ليبيا الانزلاق إلى أتون الحرب الأهلية، كان الاتحاد الأوروبي وإيطاليا يقدمان التمويل لمراكز الاحتجاز، بحسب "المشروع العالمي المعني بقضايا الاحتجاز". ولكن في العام الماضي، قال نائب رئيس إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية، العقيد محمد أبو بريدة، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن الاتحاد الأوروبي قد ترك ليبيا منذ 2011 للتعامل مع مشكلة المهاجرين بمفردها: "قام الاتحاد الأوروبي والإيطاليون بزيارات كثيرة وتعهدوا بتقديم المساعدة إلى ليبيا ولكن للأسف كل ما تلقيناه هو مجرد وعود فارغة من دون إجراءات... لا يمكننا التأكد من أنه لم تقدم مساعدات لكنها لم تقدم إلينا أبداً. هذه الإدارة لم تتلق أية مساعدة".
وقد أشعل تشكيل الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة في نهاية شهر مارس (التي تُعد الآن واحدة من ثلاث حكومات متنافسة) التكهنات بأن الاتحاد الأوروبي سوف يسعى إلى إقامة شراكة مع الإدارة الوليدة لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا. وذكرت مجلة دير شبيغل مؤخراً أن وثيقة داخلية مسربة من الاتحاد الأوروبي كشفت مقترحاً للعمل مع رئيس الوزراء في الحكومة الجديدة فايز السراج لإنشاء "مراكز احتجاز مؤقتة للمهاجرين واللاجئين".
وظلت إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية واحدة من أفضل المؤسسات التي تعمل في ليبيا في ظل انزلاق البلاد في حالة من الفوضى. ولكن موظفيها الذين يتحملون أكثر من طاقتهم، وبعضهم لم يتقاض راتبه منذ أكثر من سنة، على وشك الانهيار.
وتعليقاً على ذلك، قال محمد البقار، مدير إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية في طرابلس: "لقد [أعدنا] 1,097 شخصاً حتى هذا الوقت من العام الحالي، ولكن هناك تدفق هائل طوال الوقت ونقوم باعتقالات جديدة كل يوم". وأضاف: "نحن بحاجة ماسة إلى المساعدة لأننا نحتاج إلى رعاية هؤلاء الناس وإطعامهم. سجوننا أصغر من أن تستوعب هذه الأعداد ونعاني نقصاً في كل شيء، بما في ذلك الأغذية".
في السياق ذاته، قام مارتن كوبلر، رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، بزيارة مركز أبو سليم لاحتجاز المهاجرين في طرابلس في وقت سابق من هذا الشهر، وتحدث إلى المحتجزين الذين يعانون من الهزال بشكل مؤلم. وقال أنه صُدم عندما شاهد ظروفهم المعيشية.
وقال كوبلر لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "هناك مرحاضان اثنان فقط لمائة شخص، هذا غير كافٍ...الحالة الطبية دون المستوى المطلوب. لذا من المهم حقاً أن لا يكون هؤلاء الأشخاص هنا، وأن يعودوا إلى بلدانهم حيث يتم الاعتناء بهم".
من جهتها، رتبت المنظمة الدولية للهجرة عودة طوعية لمئات المهاجرين المحتجزين من السنغال والنيجر ومالي ونيجيريا منذ بداية العام، ولكن من المرجح أن يعاود العديد من هؤلاء المهاجرين الرحلة إلى أوروبا.
استغرق كالو، 35 سنة من نيجيريا، سنتين للوصول إلى إيطاليا، وخلال ذلك الوقت سجن ثلاث مرات، واختطف مرتين وتعرض مراراً للضرب والاحتجاز، سواء وهو رهن الاحتجاز أو وهو يحاول العثور على عمل في المدن الرئيسية في ليبيا. وقد تم ترحيله إلى نيجيريا بعد ثلاثة أسابيع فقط من وصوله إلى إيطاليا، وبدأ على الفور في اقتراض الأموال للقيام بالرحلة مرة أخرى. وتوضيحاً لذلك، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بعد وقت قصير من وصوله إلى طرابلس: "لا يوجد أي شيء في بلدي، ليس هناك مستقبل على الإطلاق، لذا اضطر إلى المحاولة مرة أخرى".
وخلال زيارة كوبلر إلى طرابلس، تم منع الصحفيين من التحدث إلى المهاجرين المحتجزين. غير أن شاباً سودانياً همس طلباً للمساعدة، قائلاً إن الوضع في مركز الاحتجاز "سيء للغاية" والعديد من المعتقلين يعانون ظروفاً صحية سيئة، لكن ما لبث أن جاء حارس ومنعه من مواصلة الحديث.
وقبل أن يتم اصطحابه بعيداً في سيارة مصفّحة، قال كوبلر أن الأمم المتحدة تعارض بشدة الاتجار في البشر، وأن التوصل إلى تسوية سياسية في ليبيا هو السبيل الوحيد لمنع ذلك: "هذه الجرائم لا تزدهر إلا إذا كان هناك فراغ سياسي وأنا أعمل على ملء الفراغ السياسي- أن تكون هناك شرطة، وأن يكون هناك جيش، هؤلاء هم الذين يضعون حداً للاتجار بالبشر، ولهذه الجرائم التي تحدث في هذا البلد".
يُقدر مهربو الأشخاص الذين تحدثوا إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن قرابة 2,000 مهاجراً من البلدان الأفريقية جنوب الصحراء يعبرون إلى ليبيا كل أسبوع عن طريق معبر تومو الحدودي مع النيجر، الذي يُعد إحدى نقاط الدخول الرئيسية الثلاثة.
وقال البقار أن إلقاء القبض على المهربين أكثر صعوبة من القبض على المهاجرين: "حاولنا مرات عديدة التدخل لوقف عمليات التهريب، ولكنهم يطلقون النار علينا. لقد أصبح عملنا محفوفا بمخاطر شديدة...في الأسبوع الماضي، حاولنا القبض على أحد المهربين، ولكن رجالي لا يمتلكون سوى بنادق قديمة صدئة لا تباري بأي حال من الأحوال أسلحة المهربين. وعندما أطلقوا النار علينا، اضطررنا إلى الانسحاب".
وأفاد مسؤول آخر في إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية، يعمل في صبراتة، تحدث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) شريطة عدم ذكر اسمه، أن هناك قرابة 30,000 مهاجر يقيمون في مخازن ومساكن ريفية يمتلكها المهربون قرب المدينة، بانتظار الابحار. وأوضح أن "هذه المشكلة تتفاقم عام تلو الآخر ولكن هذا هو الأسوأ حتى الآن ... في بعض الأحيان أشاهدهم وهم يُحملون المهاجرين على متن القوارب ليلاً– خمسة أو ستة قوارب في وقت واحد – ولكن لا يمكنني القيام بأي شيء. لأنه إذا حاولت التدخل، فإن المهربين سيقتلونني، وربما عائلتي أيضاً".
لقمة العيش