مع غبار المعارك التي بدأت لتحرير الفلوجة، ثار غبار من نوع آخر طائفي وسياسي، له أبعاد محلية وإقليمية ودولية، لا تتعلّق بالنقاش والجدل حول طبيعة المعركة مع «داعش»، فحسب، بل في جزء منه وهذا هو الأهم يتعلّق بمستقبل الفلوجة، بل مستقبل الأنبار ككل، ناهيك عن مستقبل غرب وشمال العراق، ولا سيّما محافظة صلاح الدين ومحافظة الموصل، وأجزاء من محافظتي كركوك وديالى وما شهدتا من صراعات مؤخراً.
وإذا أردنا الذهاب أبعد من ذلك، فالأمر مطروح بخصوص مستقبل العراق ما بعد «داعش». هل سيبقى موحداً؟ أم ثمّة عوامل ستؤدي إلى المزيد من تفكيكه؟ وبالتالي قد توصله إلى الانقسام الحقيقي، بعد أن شهد انقسامات فعلية بالتدرّج وبالتراكم وتحت عنوان «الأمر الواقع».
وكان الكثير من قيادات الجماعات الشيعية قد توافدت إلى الميدان، بعضهم ارتدى الملابس الزيتونية «العسكرية» التي تذكّر بملابس الجيش الشعبي التي كان يرتديها ما سُمّي بالمتطوّعين في النظام السابق، فهل يعيد التاريخ نفسه؟ وإذا حصل ذلك حسب ماركس، فقد يكون في المرّة الأولى كمأساة وفي المرةّ الثانية كملهاة.
للفلوجة بالطبع رمزية خاصة، فهي أول مدينة احتلّها «داعش»، وحصل ذلك في 2 يناير/ كانون الثاني العام 2014، وبعد ذلك بستة أشهر تقريباً تم احتلال الموصل في 10 يونيو/ حزيران من العام ذاته، ثم تمدّد باتجاه غرب العراق، ليحتل صلاح الدين والأنبار وأجزاء من محافظتي كركوك وديالى، ويتوجّه صوب إربيل، لكن الإرادة الإقليمية والدولية أعاقا تقدّمه، فتوجّه نحو بغداد، وظلّ يشاغل عند أطرافها ومداخلها.
ورمزية المدينة تتأتّى من كونها وقفت بوجه الأميركان بعد أشهر قليلة من احتلالهم العراق، وقد تمّت معاقبتها واجتياحها لعدّة مرّات، ونكّل بها على نحو شديد بهدف إذلالها ونزع روح المقاومة التي تلبّستها، ولا سيّما جرأة أبنائها في تحدّي القوات الأميركية والانتصار عليها.
كما نُكبت الفلوجة لعدّة مرّات، حيث شهدت عمليات انتقام ومحاولة إخضاع من جانب الحكومات العراقية المتعاقبة، بهدف تأديبها وتطويعها، وتعرّضت إلى استهدافات خلال الصراع بين الصحوات وتنظيم القاعدة، وبينها وبين بعضها البعض، لفرض الهيمنة عليها، كما عوقبت خلال حركة الاحتجاج التي شهدتها المناطق الغربية، ما بعد العام 2013، بل إن تعبير «رأس الأفعى» أصبح شائعاً عندما يتم الحديث عن الفلوجة، لدى بعض الأوساط الشيعية المتنفّذة، وبدون أدنى شك، فإنّ ما حصل دفع بعض أبنائها، حتى وإن كانوا قلّة قليلة، وكردّ فعل يائس إلى الالتحاق بتنظيم داعش، لشعورهم بالإذلال والتمييز.
وبعد احتلالها من جانب «داعش»، فرض عليها نظاماً صارماً، واضطرّ مئات الآلاف من أبنائها وما حولها إلى مغادرة المنطقة والنزوح، إمّا إلى بغداد أو باتجاه كردستان وخلال رحلتهم هذه تعرّضوا إلى صنوف شتى من العذابات والحرمانات، لعلّ أقلّها هو طلب التّعريف بهم من وكيل أو أكثر عند دخولهم إلى بغداد، الأمر الذي زاد من معاناتهم وعرّضهم في معسكرات النزوح إلى حالات إحباط وقنوط ويأس، ولا سيّما للشباب العاطل منهم.
وفي كردستان بدأت معاناة من نوع جديد، تنعكس بالعمل والرواتب ودراسة الأطفال وقضايا الصحة واللّغة والبيئة، وقبل كل شيء العوز المادي، حيث اضطروا إلى مغادرة مدينتهم على عجالة، ولم يتمكنوا إلاّ من حمل ما يمكن حمله من مال سرعان ما نفذ بعد حين، فضلاً عن الحاجة المادية وعدم وصول المساعدات التي وُعِدوا بها، بل إن بعضهم يشكّك فيها أصلاً.
معاناة الذين بقوا في المدينة والذين يقدّر عددهم بين 40 و50 ألف إنسان مضاعفة، فهم مختطفون من «داعش»، وهم عرضة أحياناً إلى قصف عشوائي، وخصوصاً أن «داعش» يحاول أخذ العديد منهم كدروع بشرية، ولا سيّما أن الإرهابيين يتغلغلون في الأحياء السكنية، كما تم تلغيم العديد من الأماكن في المنطقة وبعض الطرق العامة والمباني الأساسية.
إن حياة هؤلاء وهم من المدنيين الأبرياء العزّل في خطر شديد، فهم بين المطرقة والسندان، فمن جهة قوات «داعش»، ومن جهة ثانية القصف الذي يمكن أن ينالهم إثر اندلاع المعارك، وحتى الذين حاولوا الهرب قُتل عدد منهم، ناهيك عن أن «داعش» شكّل فرقاً للاغتيال، فيما إذا حاولت العوائل الفرار من الفلوجة، وبعد كل ذلك فإنهم قلقون من الانتقام والكيدية باعتبارهم «متواطئين» مع «داعش»، حتى لو تحرّرت مدينتهم.
والخشية لدى بعض أهالي الفلوجة تتأتى من مخاوفهم بدخول قوات الحشد الشعبي مدينتهم والعبث بها، كما حصل في مدينة تكريت، فقد سبق وأن اتّهمت الميليشيات بارتكاب أعمال منافية لحقوق الإنسان بعد تحريرها، حيث تم تدمير وهدم وحرق بعض المنازل والمحال التجارية، ومثل تلك السابقة دفعت بعض القوى للاعتراض على مشاركة قوات الحشد الشعبي، وهو ما حذّر منه ناشطون وحقوقيون ومنظمات عربية ودولية.
وكانت منسّقة بعثة الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في العراق ليز غراند قد قالت: إن المدنيين في الفلوجة يعيشون ظروفاً معيشية «رهيبة»، وحتى الذين فرّوا عاشوا ساعات مروّعة قبل أن يصلوا إلى برّ الأمان، وخصوصاً أن الغذاء محدود ويخضع لسيطرة مشدّدة، والدواء نفد، ناهيك عن المياه غير الصالحة للشرب.
وعلى الرغم من التطمينات التي قدمها رئيس الوزراء وما صرّحت به مرجعية علي السيستاني من ضرورة التعامل بحذر ورفق مع السكان، إلاّ أن المخاوف لا تزال قائمة كلّما اقتربت ساعة تحرير الفلوجة، وتبقى معاناة أخرى تنتظر المدينة، وذلك عند عودة النازحين وهل سيتم تعويضهم على ما لحقهم من غبن وأضرار؟ فضلاً عن إعادة إعمار ما خرّبه «داعش» والحرب عليها.
خضعت الفلوجة لعامين ونصف العام تقريباً من حكم «داعش» وتعرّضت للحصار تمهيداً لتحريرها مدة نحو 9 أشهر، ولذلك ستكون معركتها ذات دلالة مهمّة؛ فمن جهة ستمهّد الطريق نحو الموصل بطرد «داعش» من المنطقة، ومن جهة ثانية يشارك بعض أبناء الفلوجة في المعركة، وفي ذلك عنصر تطمين لها، ولكن المعركة في وجهها الآخر قد يُراد لها صرف الأنظار عن الانقسامات الداخلية بين القوى الشيعية، والتي أدّت إلى اندلاع أزمة طاحنة للحكم وللعملية السياسية بمجملها، ولكن دون أدنى شك فالمعركة ليست قراراً داخلياً محضاً، وهي بالمحصّلة ليست بمعزل عن توافق أميركي - إيراني، وهي تأتي بعد أزمة البرلمان والحكومة، وترافقت مع زيارات مسئولين أميركان أبرزهم جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، وإيرانيين وفي مقدمتهم قاسم سليماني، وهو ما يعيد السؤال: ماذا تعني الفلوجة؟ وأي رائحة تنبعث منها؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"العدد 5024 - الأربعاء 08 يونيو 2016م الموافق 03 رمضان 1437هـ
ستحرر الفلوجه باذن لله وبركاته وبركات الحشد الشعبى والجيش العراقى واما عن القتلى لابد من تضحيات وهاده الشى غصب صار عليهم لاكن الفلوجه ستتحر انشاء الله والله يرحم شهداء العراق من سنه وشيعة اللهم انصر الشعب العراقى على اعدائهم يا الله
أحسنت
كلامك صحيح ولا جدال فيه أبدا..ولاحظ المرضى الداعشيين الآن يتباكون على مجرميهم الدواعش في الفلوجه وفي المقابل يهللون فرحا عندما تفخخ وتفجر الأسواق والأحياء الفقيره بمدينة الصدر ببغداد وباقي المدن العراقيه الأخرى.
الفلوجة رمز للإرهاب اتخذتها القاعدة أولا مركزا ثم جاءت بعدها بعض التنظيمات الارهابية الاخرى حتى احتلته داعش واصبحت الرمز الأكبر للإرهاب لذلك من اجل كسر الارهاب يجب كسرها ونحن ندرك تعاطف بعض الدواعش من بعض الدول المجاورة خاصة دول الخليج لأن داعش لم تأت من السماء بل هي نتاج فكر تكفيري