العدد 5022 - الإثنين 06 يونيو 2016م الموافق 30 شعبان 1437هـ

نساء مغاربيّات يصنعن التاريخ في أوروبا

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

تقلّدت النساء المغاربيّات في أوروبا خلال العقدين الأخيرين مناصب سياسية متقدمة؛ فقد شهدت السنوات الماضية ظهوراً مشرّفاً وبارزاً لزمرة من النساء ذوات الأصول المغاربية، واللاتي وُلدْن أو نشأن في أوروبا، وكان لهنَّ تأثير واضح في الحياة السياسية الأوروبية. فمنهنّ النائبات وعمدات المدن، ومنهنّ رئيسات غرف تشريعيّة ومهنيّة... فها هي «خديجة عريب» تعتلي سدّة البرلمان الهولندي وتترأسه في سابقة لا مثيل لها في تاريخ هولندا. وها هي رشيدة داتي أوّل امرأة من أصل عربيّ تشغل منصب وزيرة في فرنسا؛ حيث أُسنِدت إليها العام 2007 وزارة العدل.

لكن التي اختطفت الأضواء اليوم بمسيرتها السياسية الحافلة، كما بابتسامتها الدائمة، هي المغربيّة الشابة الصغيرة نجاة فالو بلقاسم والتي لم تدرك بعد سنّ الأربعين، تفاجئ العالم بنجاحها السياسيّ فتشغل منصب وزيرة لحقوق المرأة والمدينة والشباب والرياضة، ثمّ نجدها اليوم في وزارة مهمّة وحسّاسة في جميع الدول، ولا سيما عند الفرنسيين، ألا وهي وزارة التربية والتعليم العالي والبحث العلميّ، متبوّئة المرتبة الثالثة في وزراء التشكيلة الحكومية. وها هي تفاجئ العالم أكثر فأكثر بقرار الحكومة الفرنسية إدراج اللغة العربية في المناهج التعليمية بالمدارس الفرنسية.

وُلدت نجاة سنة 1977 وترعرت في بلدة «بني شكير» بإقليم «الناظور» بشمال المغرب في أوساط أسرة فقيرة، وهاجرت عام 1982 إلى فرنسا مع أمها للالتحاق بأبيها الذي كان يشتغل عامل بناء في مدينة ليون وسط فرنسا، ولها 6 أشقاء وشقيقات. تحمل نجاة بلقاسم الجنسيتين الفرنسية والمغربية، وهي وإن تميّزت باعتزازها بأصولها القروية المغربية وإتقانها التحدّث باللهجة الريفية، فإنّها تدين بنجاحها، وبمنتهى الامتنان، إلى نظام التعليم الفرنسي؛ إذْ كانت المدرسة لاعباً مؤثراً في رحلتها الشخصيّة وسمحت لها بالانفتاح على العالم وبالحركيّة الاجتماعية، كما كانت المدرسة بالنسبة إليها الفضاء الذي مكنها من إثراء ذاتها من خلال التعلم، فكانت رحلة هذه الوزيرة.

لم يكن قرار الحكومة الفرنسية إدراج اللغة العربية في المناهج التعليمية بالمدارس الفرنسية منذ المرحلة الابتدائية بالأمر الهيّن خاصة بالنظر إلى المناخ الاجتماعي والسياسي الذي يحفّ بفرنسا خصوصاً وأوروبا عموماً، بل لعله قرار لقي من المعارضة والصدّ ما لم يلقه قرار آخر في تاريخ وزارة التربية والتعليم الفرنسية التي قررت إدراج تعليم اللغة العربية ابتداء من المرحلة الابتدائية، مع توفير الإمكانيات اللازمة لفعل ذلك من وسائل تعليمية وكتب مدرسية فضلاً عن تكوين المعلمين خلال دورات تدريبية وفق برنامج تمهينيّ محدد يسهر على تجهيزه وتنفيذه مشرفون متخصّصون لضمان أعلى درجات الجودة في تحقيق هذه الغاية. ومن المقرر أن يكون تعليم اللغة العربية في المدارس الفرنسية اختيارياً من بين عدة لغات أجنبية أخرى تشمل الإنجليزية والبرتغالية والصينية والإسبانية والألمانية. وأكدت الوزيرة نجاة بلقاسم أن القرار لا تراجع فيه.

ويثمّن الملاحظون والمتابعون لأوضاع الجالية العربية في فرنسا هذا القرار عالياً، ويعتبرونه خطوة إيجابية تدّل على استعداد رسمي لإعطاء اللغة العربية مكانتها في فرنسا بعد تهميش طالها سنين عديدة. وتُعتبَر هذه الخطوة الفرنسية أيضاً استجابةً للطلب المتصاعد كل سنة على تعلّم اللغة العربية من قبل أبناء الجاليات العربية ولا سيما المغاربة وكذلك من الفرنسيين؛ ففي تقرير صادر عن المعهد الفرنسي للاندماج لسنة 2015، أقبل نحو 57 ألف تلميذ على تعلم اللغة العربية على يد 680 معلماً من الجزائر والمغرب وتونس في إطار برنامج تعلم لغات البلد الأصلي لسنة 2012. وأكد التقرير أن عدد التلاميذ ارتفع من 24 ألفاً إلى 37 ألفاً فيما يخص التلاميذ من أصل مغربي، أمّا بالنسبة للتلاميذ من أصل جزائري فارتفعت نسبة الإقبال من 10 آلاف تلميذ سنة 2007 إلى 19 ألفاً سنة 2012.

طبعاً هذا القرار لا يمكن أن يروق لليمين الفرنسي فقد هاجمت النائبة البرلمانية «آني جون فار» عن حزب الجمهوريين الوزيرة نجاة فالو بلقاسم معتبرةً تدريس اللغة العربية تعزيزاً للطائفية في البلاد وتقويضاً للترابط الاجتماعي واللحمة الوطنية. وأضافت أنّ إدراج اللغة العربية يتمّ على حساب اللغة الأم أي اللغة الفرنسية وعلى حساب لغاتٍ أوروبية أخرى كالألمانية.

غير أنّ الوزيرة الشابّة نجاة بلقاسم اعتبرت تصريحات النائبة الفرنسية شعبوية وإيديولوجية، بل أكّدت الوزيرة على أهمية اللغة العربية في العالم، ودعت أولياء الأمور في فرنسا إلى تعليم التلاميذ الفرنسيين الانفتاح على العالم من خلال اللغات الأخرى.

رغم بعض مواقفها الفكرية التي قد لا تروق لبعضنا، فإنّ الوزيرة الشابة نجاة بلقاسم ذات الأصول المغربية قد تحقَّقَ في فترة وزارتها ما عجز عن تحقيقه الكثيرون رغم المطالبات المتكررة بذلك، وها هي، حين وجدت الفرصة، لم تتردد في تقديم خدمة لوطنها المغرب وللوطن العربي عموماً وللجاليات العربية خصوصاً وللغة العربية أساساً حيث رفعت، بهذا القرار مكانتها في سلم تعلم اللغات بفرنسا. بل كأنّها تردّ على فرنسا التي حاولت طمس اللغة العربية في بلدان المغرب العربي في فترة الاستعمار، ردّاً بليغاً فتفرض إدراج اللغة العربية وتمكين الطلاب من اختيار تعلمها من بين لغات أجنبية أخرى.

نجاة بلقاسم واحدة من المغاربيات اللاتي سطع نجمهن في أوروبا فكنّ رائدات في غير مجال، واستطعن تحقيق التميّز، وفرضن على دول العالم احترامهنّ، وقدّمن بمهارة صورة مشرقة عن وطنهن الأم.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 5022 - الإثنين 06 يونيو 2016م الموافق 30 شعبان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:14 ص

      لم يخطأ الشاعر التونسي الصغير أولاد أحمد في القول:« كتبتُ، كتبتُ فلم يبْقَ حرْفُ، وصَفْتُ، وصفْتُ فلم يكْفِ وصف، أقولُ إذاً باختصارٍ وأمْضي نساءُ بلادي نساءٌ ونصفُ».
      سيبقى المغرب العربي ابن رشد وابن خلدون وخديجة عريب ونجاة فالو بلقاسم...
      مشكور أستاذ سليم

    • زائر 2 | 1:31 ص

      اللغه العربيه لغة القران الكريم وادراجها كلغه في المناهج يسعد العرب والمسلمين ونشد على كل يد يخدم الاسلام والمسلمين

    • زائر 1 | 1:28 ص

      نساء المغرب: قول وفعل:
      بهذا القرار مكانتها في سلم تعلم اللغات بفرنسا. بل كأنّها تردّ على فرنسا التي حاولت طمس اللغة العربية في بلدان المغرب العربي في فترة الاستعمار، ردّاً بليغاً فتفرض إدراج اللغة العربية وتمكين الطلاب من اختيار تعلمها من بين لغات أجنبية أخرى.

اقرأ ايضاً