مضى أقل من 11 أسبوعاً منذ أن توصل الاتحاد الأوروبي إلى صفقته المثيرة للجدل مع تركيا لوقف تدفق طالبي اللجوء إلى أوروبا. وقد تعرض الاتفاق لضغط فوري على عدة جبهات، ويبدو أنه الآن يوشك على الانهيار التام، حتى قبل إتمام أي عودة جماعية، حسبما نقل موقع وكالة "إيرين" الإخبارية.
قبل أسبوعين، أيدت لجنة على الجزيرة اليونانية ليسفوس دعاوى استئناف طالبي اللجوء السوريين الذين رُفضت طلبات لجوئهم الأولي والذين كانوا يواجهون احتمال الترحيل إلى تركيا. وفي هذا الأسبوع، تم تأييد تسع دعاوى استئناف أخرى تقدم بها سوريون. وسيتم إصدار المزيد من هذه الأحكام قريباً، وفقاً لمنظمة Pro Asyl، وهي منظمة غير حكومية ألمانية يقوم محاموها بتمثيل السوريين. وحتى الآن، تم رفض دعوى استئناف واحدة فقط تقدم بها مهاجر سوري.
وتجدر الإشارة إلى أن أحكام الاستئناف مهمة لأنها تحطم الوهم الذي أعطى الاتفاق قشرته القانونية - وهو مبدأ أن تركيا "بلد ثالث آمن"، ويمكن إعادة حتى طالبي اللجوء الحقيقيين إليه دون مخالفة القانون الدولي للاجئين.
تراكم طلبات اللجوء
وعلى أساس هذا المبدأ الوهمي، قيل لنحو 200 من المهاجرين واللاجئين، معظمهم من السوريين، أن طلبات اللجوء التي تقدموا بها لا يمكن البت فيها في اليونان - أي أن تلك المطالبات غير مقبولة رسمياً - وأنهم سوف يعُادون إلى تركيا. ولديهم خمسة أيام فقط لتقديم طعون إلى دائرة اللجوء اليونانية.
وحتى الآن، عاد أكثر قليلاً من 400 شخص إلى تركيا بموجب الاتفاق (بينما وصل 5,000 مهاجر ولاجئ إلى اليونان من تركيا خلال شهري أبريل ومايو). والجدير بالذكر أنه لم يكن هناك أي سوريين ضمن الأشخاص الذين تمت إعادتهم، أو مهاجرين من جنسيات أخرى رُفضوا على أساس عدم جواز البت في طلباتهم؛ بل كان معظمهم من الأفراد الذين لم يتقدموا بطلبات للحصول على حق اللجوء، أو الذين سحبوا طلباتهم بعد أن قرروا أن حتى العودة إلى تركيا أفضل من الاحتجاز في اليونان.
ووفقاً لدائرة اللجوء اليونانية، لا يزال 7,000 من أصل حوالي 8,500 مهاجر في الجزر اليونانية في انتظار إجراء مقابلات أولية. وكل ما تستطيع اليونان عمله هو احتجاز المهاجرين في مراكز احتجاز مغلقة لمدة 28 يوماً، ولكن حتى بعد الإفراج عنهم، لا يستطيعون مغادرة الجزر. ولذلك فإن الجو متوتر على نحو متزايد.
"في هذه المخيمات [على الجزر]، ليس هناك قدر كاف من الأمن، بل توجد أعمال شغب ويأس. وليس هناك طعام كاف. ولا يوجد لدى الناس أي فكرة عن ما يحدث ولا يوجد عدد كاف من المحامين،" كما أفاد كارل كوب من منظمة Pro Asyl.
وقد تم إرسال عشرات "الخبراء" من المكتب الأوروبي لدعم اللجوء إلى الجزر لدعم المسؤولين اليونانيين الذين يواجهون ضغطاً يفوق طاقتهم. ووفقاً لمتحدث باسم المكتب، يقوم مسؤولو المكتب الأوروبي لدعم اللجوء بإجراء مقابلات لتقييم إمكانية قبول المتقدمين، ومن ثم ينقلون آراءهم إلى دائرة اللجوء اليونانية، وهي المسؤولة عن اتخاذ القرارات النهائية.
وقال كوب أنه على الرغم من أن مسؤولي المكتب الأوروبي لدعم اللجوء لا يمكنهم اتخاذ قرارات نهائية، إلا أنهم لا يزالون يؤثرون على النتائج من خلال تكرار شعار أن تركيا بلد ثالث آمن.
ولكن حتى قبل أن يجف الحبر على الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا (تم وضع اللمسات الأخيرة عليه في 20 مارس)، ظهرت أدلة كثيرة على أنها ليست كذلك. ففي الشهرين الماضيين، كانت هناك حالات عديدة موثقة عن حراس أتراك أطلقوا النار على سوريين يحاولون عبور الحدود وأردوهم قتلى. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الضمانات بأن الأشخاص الذين أُعيدوا إلى تركيا سيكون لهم حق إتمام إجراءات اللجوء هناك، تم احتجاز العائدين في مخيمات نائية لا يستطيعون فيها الوصول إلى محامين.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت رئيسة دائرة اللجوء اليونانية ماريا ستافروبولو، أنه من المقرر إعادة أشخاص آخرين في الأيام والأسابيع المقبلة، ولكن جماعات المجتمع المدني مثل Pro Asyl والمجلس اليوناني للاجئين توعدت باللجوء إلى المحاكم في محاولة لوقف عمليات الإبعاد. وفي حالة الرجل السوري الوحيد الذي تم رفض دعوى الاستئناف الخاصة به يوم الخميس، قال كوب أن منظمته تقدمت بطلب إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ لمنع ترحيله. وفي حال نجاح هذا المسعى، يمكن أن تتحول هذه الحالة إلى سابقة أخرى تفسد الصفقة.
التداعيات السياسية
في حين أن فضح العيوب القانونية في الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا من قبل المحاكم الأوروبية قد يستغرق عدة أشهر، فإن الصفقة يمكن أن تنهار بوتيرة أسرع بكثير إذا ما قررت تركيا الانسحاب منها.
وفي مطلع شهر مايو، أقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رئيس وزرائه أحمد داود أوغلو، الذي كان قد ساعد في التفاوض على الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي. وفي الأسابيع الأخيرة، أعرب أردوغان مراراً عن استيائه إزاء بطء عملية منح المواطنين الأتراك حق الدخول إلى أوروبا بدون تأشيرة - الذي كان حافزاً رئيسياً لتعاون تركيا في مجال الهجرة. وكان الموعد المستهدف للتنازل عن تأشيرة الدخول هو 1 يونيو، ولكن "المحادثات الفنية" بدأت للتو، ولا يزال على أنقرة الامتثال للائحة مكونة من 72 طلباً، بما في ذلك تعديل قانون مكافحة الإرهاب، الذي يسمح بمحاكمة الأكاديميين والصحفيين. وقد أوضح أردوغان بالفعل أنه ليس على استعداد لإجراء الإصلاحات اللازمة. وقد اشتكى أيضاً من أن الاتحاد الأوروبي لم يبادر بعد بدفع أكثر من 3 مليارات يورو للمساعدة في دعم اللاجئين السوريين، وهو شرط آخر من شروط الاتفاق.
وفي ضربة أخرى محتملة لهذه الصفقة، صوت البرلمان الألماني يوم الخميس على الاعتراف بأن مذبحة عام 1915 التي راح ضحيتها 1.5 مليون أرمني على يد القوات التركية العثمانية كانت جريمة إبادة جماعية. وردت تركيا بسرعة باستدعاء سفيرها إلى ألمانيا. والجدير بالذكر أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي كانت من المخططين الرئيسيين للاتفاق مع تركيا، من المرجح أن تكون الخاسر الأكبر سياسياً إذا فشل الاتفاق واستؤنفت هجرة اللاجئين على نطاق واسع إلى أوروبا هذا الصيف. يذكر أن ألمانيا استقبلت في عام 2015 الحصة الأكبر من طالبي اللجوء الذين عبروا بحر إيجة من تركيا.
أما الآن، فإن احتمال الاحتجاز في اليونان، جنباً إلى جنب مع إغلاق الحدود في منطقة البلقان الذي سبق الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، كافيان لردع جميع المهاجرين، ما عدا أولئك الأكثر يأساً، عن محاولة قطع الرحلة عبر بحر إيجه. لكن أكثر من 10,000 مهاجر وصلوا بحراً إلى إيطاليا في الأسبوع الأخير من شهر مايو، وما تسمى بأزمة اللاجئين في أوروبا لم تنته بعد. ولذلك، فإن صناع السياسة بحاجة ماسة إلى خطة بديلة.