رحيل أسطورة الملاكمة محمد علي كلاي عن عمر ناهز 74 عاماً، يستوقف كلَّ إنسان لينظر إلى حياة هذا الشخص الذي تميَّز بقدرات غير معتادة، ومواقف مميَّزة، وقوَّة في التعبير عن المواقف، بحيث يضطر التاريخ أن يسجّل كلَّ كلمة من كلماته وكلَّ حركة من حركاته.
وكنت مع الآخرين من عمري (في سبعينيات القرن العشرين) نتابع منازلاته بالاستماع مباشرةً إلى المعلّق على جهاز الراديو، وثم نشاهد ونقرأ الكثير عن كل منازلة له. ولكن أول تحليل مفصّل عن شخصية كلاي استمعت له من ملاكمٍ هاوٍ، التقيته بالصدفة في مطلع العام 1989، وكنت مضطراً للاستماع إليه. فقد صادف أنني أردت السفر من مدينة في اسكتلندا (شمال بريطانيا) إلى مانشستر (وسط بريطانيا)، وبالخطأ ركبت في القطار البطيء جداً، والذي يتوقف في محطات عديدة على الطريق، ما يعني أن عليَّ أن أقضي الوقت بطريقةٍ ما لتمضية تلك الساعات الطويلة.
بعد القراءة غفوت قليلاً، ولكن فجأةً امتلأ المكان بدخان السجائر، فاضطررت لفتح عيني قليلاً لأقول لمن جلس أمامي إن هذا المكان لغير المدخنين. غير أن الشخص المدخّن لم يتوقف عن التدخين، بل إنه أيقظني وبدأ يتحدّث معي، فاضطررت للتنبّه بالكامل، ووجدت نفسي أمام شاب اسكتلندي مفتول العضلات، ومملوء بالطاقة، ونصف سكران. وبعد قليل دخلت فتاة وجلست على كرسي قريب منَّا، فبدأ يتحرّش بها، فهربتْ من المكان إلى كرسي بعيد، وبدأ الناس يهربون من المقاعد من حولنا، وبقيت وحدي معه، وخشيت أن يفعل شيئاً لا تحمد عقباه. وسألته: هل أنت متزوج؟ فقال: نعم، فسألته: هل تقبل أن يتحرّش أحدٌ بزوجتك؟ فردّ عليَّ: من يتحرش بها أقتله!
اضطررت لمحادثته، وسألته عن عمله، فقال إنه ملاكم. سألته كيف يحصل على رزقه، فقال إنه يضرب الناس مقابل المال street-fighter. سألته ماذا يعني بذلك، فقال إنه يقوم بضرب شخص ما، إذا طلب منه شخصٌ آخر القيام بذلك، مقابل 100 جنيه، وهذا إذا كان الشخص المضروب عادياً. أردت أن أقدّر كم هي الفترة الزمنية التي سأضطر لأقضيها بالقرب منه، فسألته إلى أين كان ذاهباً، فأجابني إنه ذاهبٌ إلى مدينة «بولتون»، وهذا يعني أن أمامنا ساعات. فسألته لماذا أنت ذاهب إلى هناك؟ فأجاب إنه سيحضر جلسة إصدار الحكم في قضية مرفوعة ضدَّه، وذلك لأن الشخص الذي قام بضربه في مناقصته الأخيرة فقَدَ الكثير من الدَّم، وكاد يموت، وسجّل قضية، ولذا تعرّفت عليه الشرطة، وهو يتوقع أنه يحصل على 5 سنوات سجناً في جلسة الغد، وعليه فإنه يشرب ويدخن ويفعل أكثر ما يمكنه فعله قبل الحكم عليه.
ولأن الشخص أمامي كان ملاكماً، ونصف سكران، ولأنني لابد أن أقضي معه ساعات طويلة، «مُكرَهٌ أخاك لا بطل»، ولأنني لم أعرف كيف أهرب منه، فوصل حديثنا إلى ملاكمه المفضل، وفي تلك الأيام كان نجم «مايك تايسون» يصعد إلى الأعلى، وسألته عنه. وهنا، انتبه ذلك الجسد المفتول من سكره، وبدأ يتحدّث، وهو لازال يدخن، بتحليل عقلاني لشخصية تايسون، قائلاً: ربما في قوة الجسد لا يمكن لأحد أن يغلب تايسون، ولكن في قوة الجسد وخفة الحركة والذكاء والفوز بلقب الوزن الثقيل في الملاكمة، فإنه لا يوجد، وربما لن يوجد، شخص مثل الملاكم العظيم محمد علي.
كان طريفاً وصلباً ورجل مواقف... فقد رفض التجنيد والذهاب إلى حرب فيتنام وتم سحب لقب بطل العالم منه بسبب رفضه، وقال حينها «أنا لا أذهب إلى فيتنام للمساعدة في رمي قنابل على أناس حنطاويين، بينما السود هنا في لويزفيل يعاملون كالكلاب». عندما أرادت هوليوود كتابة اسمه على نجمة على قطعة من البلاط تخليداً له، رفض وقال إن اسمي على اسم النبي محمد (ص) ولا أقبل أن يكون الاسم تحت الأقدام، فخصصت له نجمة على الحائط، هي الوحيدة من مثلها، بينما باقي أسماء النجوم كتبت على قطع للبلاط على الأرض. لقد كان رحمه الله مميزاً في عدد من جوانب حياته، وهكذا سيتذكره الناس.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5020 - السبت 04 يونيو 2016م الموافق 28 شعبان 1437هـ
القطار البطيء ارخص من ال 125. وشكرا
الله يرحمه
رب العالمين جازاة وسوف يجازيه لانه احترم اسم نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله
الله يرحمه فقد كان رجلا شريفا صاحب انسانية رفض الانخراط في الحروب الامريكية العبثية وقبل بدخول السجن وخرج مرفوع الرأس.
لقد رأيت له مقابلة تدلّل على عرفان هذا الشخص بربّه وايمانه به فرحمه الله وتغمده في واسع رحمته
قصتك جميلة ..
مع الشقي الهاوي وصولا الى العملاق محمد علي الذي كان مناضلا من اجل القيم الانسانية قبل الرياضة كما كان مانديلا مناضلا من اجل تغيير الواقع المؤلم في بلاده .. حتما سيخلد التاريخ كفاح العظماء
محمد علي كلاي
الله يرحمه