أحد مؤسسي علم الإدارة الحديث، الفرنسي هنري فايول Henri Fayol، والذي عاش ما بين 1841 و1925، طرح 14 مبدأً يجب على كل من يمارس الإدارة الالتزام بها، وأحد تلك المبادئ التي تحدث عنها كان «إخضاع المصلحة الشخصية لمصلحة المؤسسة Subordination of Individual Interest to General Interest». وقد أوضح فايول أنه يجب تقديم مصلحة المؤسسة على مصلحة الشخص، بحيث تكون مصالح أي موظف أو مجموعة من الموظفين خاضعة للمصلحة العامة التي تحددها المؤسسة، وهذه المصلحة العامة لها الأسبقية، ويجب ألا يكون هناك تضارب بين أهداف الشخص وأهداف المؤسسة.
ينص هذا المبدأ على أن المصلحة العامة يجب أن تكون متفوقة على المصلحة الفردية، وبالتالي فإنّه يجب على المدير أن يسعى إلى دمج أهدافه الشخصية لتتلاءم وتندرج ضمن سياق تحقيق أهداف المؤسسة التي يعمل فيها.
هذا يعني أن على المدير إخضاع أهدافه الشخصية لأهداف المؤسسة، وأن ينجز جميع الأهداف بكفاءة وفعالية.
من الطبيعي أن كل فرد ينضم إلى مؤسسة تكون لديه بعض التوقعات والأهداف، وجميع الناس يسعون لإنجاز أهدافهم، ولكن إذا كان تحقيق هدف الفرد يتحقق بعد إنجاز هدف المؤسسة فهذا لا خلاف عليه. لكن الخلاف يكمن في أن بعض الأشخاص قد يخضع المؤسسة وأهدافها وإمكاناتها ومواردها البشرية والمالية من أجل تحقيق أهدافه الشخصية، وهذا يمثل تعارضاً لواحد من أهم المبادئ الإدارية التي تحدث عنها فايول قبل مئة عام.
في بعض الأحيان قد ترى موظفين في مؤسسات عامة أو خاصة يذهبون إلى مكان عملهم ليسجلوا حضورهم فقط، وبعد ذلك يستخدمون الوقت الذي يقضونه في المؤسسة، وقد يستخدمون موارد المؤسسة في تنفيذ أعمال خاصة بهم، ولا علاقة لها بالمؤسسة وبأهدافها، فإن هذا يعتبر ضرباً لواحد من أهم أسس الإدارة الحديثة، ومدخلاً مباشراً لفساد ينخر في المؤسسة، ويهدر مواردها ويفشلها في تحقيق أهدافها.
فايول اعتبر أن إخضاع المصلحة الفردية للمصلحة العامة يستوجب اختيار مدراء يتَّسمون بالصدق والنزاهة والإنصاف والعدالة، وأن تكون لديهم روح التضحية بمصالحهم الشخصية كلما تعارضت مع مصالح المؤسسة.
وقد يحدث التباس من نوع آخر، ولتوضيحه نعرض هذا المثال. فقد يكون أحد المدراء مسئولاً عن شراء مواد خام، وقد خصصت له المؤسسة، مثلاً، موازنة قدرها 100 ألف دولار. وقد يكون لديه شقيق يستطيع بيع هذه المواد بـ 90 ألف دولار. وهنا ربما يقول المدير إن الأفضل أن تربح الشركة 10 آلاف دولار، ويربح شقيقه المناقصة. هذه المعاملة يرفضها فايول، ويعتبرها مدخلاً للفساد وانهيار منظومة الإدارة الحديثة، ويجب منع المدير عن اتخاذ هذا القرار (عبر إجراءات الحوكمة والمصارحة بوجود مصلحة شخصية)، وإلا فإن بإمكان شخص آخر في الشركة القول إن لديه أحد أقاربه ويستطيع أن يقدم المواد الخام، مثلاً، بـ 80 ألف دولار، وهنا ستكون الإدارة مجرد وسيلة لتمرير مصالح تبدو أنها أرخص في بداية الأمر، لكن في الواقع تنتهي بصورة سريعة إلى فساد يستشري من كل جانب ويصعب احتواؤه، وتنهار بذلك قيم وأنظمة وإجراءات المؤسسة.
ما طرحه فايول قبل مئة عام لايزال يدرّس في مناهج الإدارة الحديثة، ويعتبر من الثوابت الإدارية التي لا يمكن أن يحيد عنها أي موظف وأي مدير في أية مؤسسة عامة أو خاصة. كما أن الالتزام بهذا المبدأ يؤدي إلى الارتياح ويساعد في الحفاظ على علاقات ودية بين العاملين والإدارة ويزيد في الكفاءة، ويحقق الانسجام في المؤسسة.
إنَّ تقديم مصلحة المؤسسة شرط جوهري لعمل المدير؛ لأن ذلك سيؤكد احترامه لرسالة ورؤية المؤسسة، ونزاهته واستقامته في لعب دور قيادي لتحقيق أهداف المؤسسة، كما أنه سيعطي أنموذجاً حسناً يحتذى به من قبل العاملين، وذلك كله يسند الجهود المبذولة من أجل تحقيق النجاح للمؤسسة وللعاملين وله شخصيّاً أيضاً.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 5018 - الخميس 02 يونيو 2016م الموافق 26 شعبان 1437هـ
نعم هذا البحث بحاجه الى كل البحرنيين ان يقرا هذا المقال ، لان اكثر القطاع الخاص والعام يعناي من مشكلة البحريين في عدم فهم هذا النظريات والتي تسب حرج الى كل القطاع!
فعﻻ هذا النوع من الإدارة هو السائد في مؤسسات وشركات ووزارات البلد
بالضبط 100/100 عكس ما يتكلم عنه حاصل عندنا على معظم المستويات في القطاع العام على الأخص و في القطاع الخاص على مستوى عدد كبير من المسؤولين الكبار عندما يكونون مخولين و مؤتمنين على أموال و موارد تحت تصرفهم المباشر و غير المباشر...
أحسنت دكتور مصلحة المؤسسة او الشركة او البنك او المدرسة يجب على المدراء مراعاتها بالدرجة الاولى و حتى لو كانت هناك مناقصات عن طريق الاهل او الاصدقاء و من وراءها أرباح و لكنها تكون من ضمن الفساد الاداري .. المصالح الشخصية يجب عدم استغلالها في العمل ابدا ..