في صبيحة أحد الأيام، كالعادة كنا نستمع إلى برنامج إذاعي، يبث من إذاعة البحرين في الفترة الأولى الصباحية طوال الأسبوع، ما عدا في أيام الإجازات الرسمية، لاشك في أن فكرة البرنامج وطريقة تقديمه للمشاكل والقضايا التي يعاني منها المواطن البحريني تستحق الشكر والتقدير، لأن بهذا البرنامج يتبين للمستمع حجم النواقص في الخدمات التي تقدم للمواطن في أكثر مناطق البحرين من جهة أولى، ويكشف مستوى المعاناة والآلام والمآسي والضغوط النفسية والمعنوية والاقتصادية التي تعاني منها نسبة كبيرة من المواطنين من جهة ثانية، ومن خلال البرنامج يمكن لكل متابع للشأن العام التعرف على نوع القضايا التي تقلق المواطن أكثر من غيرها من جهة ثالثة.
من الواضح من الاتصالات المتكررة والواردة من المواطنين البحرينيين من مختلف محافظات البلد، إن قضية السكن هي الأكثر وضوحاً وإيلاماً، ومن الواضح أيضاً أن وزارة الإسكان كما يبدو لم تعطِ الاهتمام اللازم، بالقدر الذي ينهي معاناة أكثر من 55 ألف مواطن، فهناك من المواطنين مر على انتظارهم الوحدة السكنية أكثر من 23 عاماً، وأحوالهم النفسية والمعنوية والاقتصادية والسكنية لا يعلم عن حجم تأثيرها وانعكاساتها على نفوسهم ومعنوياتهم إلا الله الرؤوف الرحيم، لم نقصد في هذا اليوم التحدث بشكل رئيسي عن موضوع الإسكان وتداعياته وانعكاساته السلبية على المواطن، ولكن القلم فرض رأيه في هذه المرة وأخذ يكتب من دون توقف عن هذه المشكلة الشائكة والعويصة، الموضوع الذي عزمت الكتابة عنه، لم يكن يخطر ببال أحد من مستمعي البرنامج الإذاعي، والملاحظ أن المكالمة المحزنة لم يكن يتوقعها لا معد البرنامج ولا مخرجه ولا مقدموه، كانت مفاجأة لهم جميعاً كما كانت مفاجأة لمستمعي البرنامج، من استمع للمكالمة لم يستطع السيطرة على مشاعره الإنسانية، كانت حقيقة صادمة ومؤلمة بكل المقاييس الإنسانية والأخلاقية.
صاحب المكالمة شخصية دينية كبيرة ومحترمة على مستوى المحرق، والكثير من مدن البحرين، فلهذا وجدنا محافظ المحرق لم يصبر طويلاً حتى قام بالاتصال بالإذاعة، ليعبر عن مشاعره تجاه ما سمعه من صاحب المكالمة، بكلمات تنم على مقدار الألم النفسي الذي انتابه وهو يستمع لصاحب الاتصال، مما جعله يتصل بعد إنهاء المكالمة مباشرة، ليقول عبارات جداً صادقة في المشاعر وعميقة في المضمون والمعاني السامية، لو تعرفون إخوتي الكرام عن ماذا كان الشيخ الكبير يطالب به في مكالمته لم تصدقوا، ولكن هذا الذي حصل بالفعل مع الأسف، ويمكن الرجوع للشخصيات التي استمعت إليه، وتعاطفت معه، وأبدت الاستعداد التام لمساعدته وتلبية طلبه، وفي مقدمتهم المحافظ، لمعرفة الموضوع بكل تفاصيله وحيثياته الإنسانية الدقيقة.
باختصار، كان الطلب الذي كان يريد الشيخ تحقيقه لابنته المريضة، التي كما قال إذا لم تحققه وزارة الصحة لها ستتدهور صحتها وقد تموت في أية لحظة، كان يطالب بتوفير الدواء الذي كانت به تخفف آلامها ومعاناتها بنسبة معينة، وتبقيها على قيد الحياة مدة أطول، السؤال الذي يطرح نفسه، هل وصل الحال بالمواطن أن يتصل بالإذاعة ليستمع إليه آلاف الناس من داخل البحرين وخارجها، لكي يطالب بصرف دواء له أو لأحد أفراد أسرته؟ حقيقة ما سمعناه في تلك المكالمة لم تستوعبه العقول والأفئدة الإنسانية، لا من ناحية نوع الطلب، ولا من ناحية صفة ومكانة المطالب، في الناحيتين مدهش ومؤسف للغاية، وهناك مجموعة من التساؤلات تتزاحم في أذهان من استمعوا ما جاء في المكالمة، ومن تلك التساؤلات، هل ما سمعوه من صاحب المكالمة حقيقة أم خيال؟ إذا كان ما قيل حقيقة، كيف حدث هذا الأمر لشخص ضرير أولاً، ويتألم من أجل ابنته المريضة ثانياً؟ ومن المسئول عن تردي صحة ابنته بهذه الصورة المأساوية التي وصفها عبر مكالمته؟ وما حال بقية المرضى الذين لا حول لهم ولا قوة وهم غير معروفين اجتماعياً كالأخ المتصل؟ هذا الاتصال المؤلم كأنه يتحدث عن حالات مرضية كثيرة في البلاد، تعاني من ضعف الخدمات الطبية التي تقدم لعموم المواطنين، لاشك في أن هذه الحالة تحتاج من الجهات المعنية بالصحة الالتفات إليها بكل اهتمام، ومعالجتها سريعاً معالجة جذرية قبل تفاقمها أكثر مما هي عليه الآن، وإذا ما كان الذي حدث ناتج من تصرفات فردية أو من إهمال من هذه الجهة أو تلك أو غيرهما من الأسباب غير المنطقية، فوزارة الصحة معنية بحل مثل هذه الإشكالات والقضايا المرتبطة بصورة مباشرة بحياة المواطن والمقيم معاً، ولابد أن تعلم أن ليس كل مواطن لديه المقدرة المالية لكي يتعالج هو وأسرته في المستشفيات الخاصة التي تبهظ الجيوب وتثقل على النفوس من ارتفاع رسومها العلاجية.
إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"العدد 5017 - الأربعاء 01 يونيو 2016م الموافق 25 شعبان 1437هـ
بارك الله في جهودك وقلمك المخلص
الكاسر
هدة نتائج الشخص المناسب في المكان المناسب
كم تمنينا من الوزيرة الجديدة ان تعيد برمجة الوزارة من جديد وبالأخص كراسي المسؤولين الغير كفوئين الدين لا يمتلكون اي خبرة ولا دراية بالعمل كمسؤول