العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ

هل تحتاج «الوفاق» إلى «مجموعة ظل»؟

لتنمية الحراك الداخلي وتشكيل الأطر التنظيمية

سلمان عبدالحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب

انتهت انتخابات «الوفاق» الأولى بعد انتخابات التأسيس بفوز ثمانية من الأعضاء القدامى، وثلاثة أعضاء جدد، هذه محصلة حراك سنتين، والتشكيلة تحتاج إلى تأمل كبير، وقبل ذلك هي بحاجة إلى الدفع والإسناد مهما كانت الملاحظات عليها، فقد آن أوان إيجاد إطار جامع يشترك فيه غالبية الوفاقيين، ويرى كل منهم دوره المحدد والمشخص رأي عين، ولكن ما الآلية لإنجاز هذا الهدف الكبير؟

ثلاث مسائل مهمة يجب أخذها في الاعتبار إذا أريد تحديد هذه الآلية بالدقة والوضوح المطلوبين في تشخيص الآلية الأنسب لإدارة الجمعية.

الأولى: وجود منطقة فراغ تنظيمية واسعة بين الهرم والقاعدة، أي بين مجلس الإدارة السابق وأعضاء الجمعية العمومية، وحتى الأذرع التنظيمية المتواضعة والمنبثقة عنه، وهي اللجان، وكل ذلك سببه عدم وضوح آليات عمل مجلس الإدارة، وعدم وضوح آليات عمل اللجان التي فقدت لدرجة كبيرة صفتها الاعتبارية، وكونها ذات اختصاص في مجال عملها، ما جعلها تفقد دورها تدريجيا، إضافة إلى حال يشبه الموات الحقيقي لدور الجمعية العمومية.

الثانية: عدم وحدة الخطاب السياسي بين أقطاب الجمعية ورموزها الكبار داخل الوفاق وخارجها تجاه القرارات المصيرية التي اتخذتها، وأهمها على الإطلاق قرار المقاطعة، والتجاذبات الحادة بين أعضاء الجمعية على جانبي القرار بين مؤيد ومعارض له، ما جعل الكثير من أعضاء الوفاق يتسيبون منها تدريجيا، ولا يشعرون بحقيقة انتمائهم الفعلي إلى الوفاق لعدم ثقتهم بقراراتها، وهذا ما برر الكثير من التصرفات غير المبررة لدى بعض الفئات، ومنها اللجوء إلى العنف في بعض الحالات كخيار، كما ساعد بشكل واضح على بقاء الكثيرين من المنتمين إلى تيار الوفاق تاريخيا محايدين على ضفتها، وغير راغبين في الدخول فيها كأعضاء فاعلين، مقتنعين بأن العمل من خارج الوفاق كجماعات ضغط عليها أفضل من العمل داخلها.

الثالثة: عدم قدرة الوفاق على تحديد خط عام لعمل الجمعية، بحيث يمكن فهم تبني الوفاق هذا الموقف أو ذاك الموقف بما يشبه الإجماع الملزم الذي يقتضيه العمل المؤسسي من احترام القرار، فالجميع يدرك مثلا أن قرار المقاطعة غير متفق عليه بين أعضاء الجمعية، بل إن الكثير من الأعضاء يجاهر بتخطئة هذا القرار، ساعد على هذا الفهم عدم قدرة الوفاق على تحديد هويتها وموقعها من جماهيرها وقواعدها العريضة، وقراءتها لمطالبهم وهواجسهم، كما ساعد على تعميق هذه الحال كموقف عجز، عدم توازع قوة العمل بين الهرم والقاعدة، فمفاتيح كل الملفات الساخنة والمهمة بيد أشخاص بعينهم، وهذا يفسر بشكل واضح عدم قدرة اللجان على إنجاز مهماتها الموكلة إليها لأنها مسلوبة الصلاحيات في هذا المجال، وكل ما تقدمه من توصيات غير معمول به، ويفسر أيضا بقاء منطقة الفراغ متسعة إلى الآن بين الهرم والقاعدة، كما يفسر في نهاية الأمر عدم وحدة الخطاب السياسي، وبالتالي عدم القدرة على تحديد خط عمل (برنامج عمل) لتسيير عمل الجمعية.

هذه المسائل الثلاث تحديدا هي جوهر المشكلة، والسؤال: ما الخيار الآن؟ هل الانقلاب على خيار الوفاق وتشكيل خيار آخر غيرها؟ الجواب وبكل وضوح وصرامة: لا، وإنما الخيار الأنسب هو تشكيل «مجموعة الظل»، أو بالمصطلح الحديث لمفهوم التعارض السياسي «جمعية ظل» داخل الجمعية الأم، مع الاحتفاظ بحق المطالبة بإيجاد أطر تنظيمية واضحة قادرة على احتواء جميع أعضاء الوفاق، وتمكينهم من أخذ أدوارهم بحسب قدراتهم وإمكاناتهم، والسماح بتوازع القوة والمهمات والأدوار، مع الاحتفاظ بالوضع الهرمي وكل المواقع الرمزية كضرورة قيادية ملحة وحيوية لبقاء الوفاق قوية على الدوام، وأخيرا إعادة التبشير بالجمعية وسط قواعدها وجماهيرها العازفة وفق برنامج عمل واضح، يرتكز على خطاب سياسي واضح محدد، يمكن أن يتلمس فيه كل منتم إلى تيار الوفاق التاريخي دوره وموقعه الفعلي منه.

هذه المعطيات كلها بحاجة إلى تأسيس صعب وشاق، وتغيير الكثير من أساليب الفهم للعمل السياسي، وبالتالي فهناك حاجة ملحة إلى تشكيل إطار محدد بأسمائه وشخوصه وآلياته وموقعه في الجمعية، بحيث يأخذ صفته الشرعية والديناميكية في الوفاق كطرف منافس وضاغط، ويتوسط كل هذه الأطر التنظيمية المترهلة حاليا، بغية بعث الحيوية والنشاط فيها من جديد، إلى أن يتم التقاء كل الضفاف على ضفة واحدة وهدف واحد، وإطار جامع كما هو المأمول من وجود الوفاق، على أن يبقى هذا الإطار موجودا في كل الحالات.

إن من أهم أسباب الدفع بتشكيل هذا الكيان (مجموعة الظل) مع انتخاب مجلس إدارة جديد، هو تلافي سلبيات المرحلة السابقة، ووضع الكثير من التوصيات التي وجهت إلى مجلس الإدارة السابق، الذي فاز غالبيته في الانتخابات الحالية موضع التنفيذ، إذ ان الكثير من هذه التوصيات عادة ما تكون موضع ثناء ولكنها لا تكون موضع تنفيذ، ومع وجود آليات ضغط مشروعة وواضحة وعلنية بأسماء متبنيها، يمكن للكثير من التوصيات أن ترى النور.

من أسباب الدعوة إلى تشكيل «مجموعة الظل» أيضا البدء بإعلان وجود لاعبين أساسيين غير اللاعبين الذين تم انتخابهم، بمعنى أن يتم تدوير القرار من دائرة الظل إلى دائرة الضوء، وهكذا دواليك، بما يهيئ الأرضية لدور أكثر فاعلية للمجاميع الأخرى التي لا ترى في دورها إلا الموافقة أو التحفظ على قرارات مجلس الإدارة، ولا ترى أنها قادرة على صناعة القرار، كما أن من أهم أسباب تشكيل «مجموعة الظل» هو تبصير الكثير من أعضاء الجمعية بأن لهم دورا يمكن أن يلعبوه، حتى لو كان في الظل ولا ليس في دائرة الضوء والفعل التنفيذي المباشر، ومن شأن ذلك أن يخلق رقابة ذاتية عند مجلس الإدارة، فتكون قراراتهم أقرب إلى إرادة ناخبيهم من أعضاء الجمعية العمومية، وهي رسالة إلى من هو في الظل أن بإمكانه أن يكون في دائرة الضوء وصناعة القرار، وفق حركة ديناميكية مشروعة، تؤسس لتداول مواقع النفوذ والسلطة بصفتها تكليفا مؤقتا أو دائما بحسب فاعلية من هم في دائرة الضوء، ولكنها يقينا لن تكون تشريفا لأحد إلا بما ينجز من عمل مفيد ونافع للجميع.

إن جزءا من التأسيس لهذا الخيار هو إنتاج كفاءات مستقبلية قادرة على قيادة الجمعية وتسلم أعلى المناصب فيها بناء على تجربتها والمحكات التي صنعتها وهيأتها لتسلم مواقع حساسة بهذا الحجم، وهو يقينا سيؤثر على الانتخابات المقبلة للجمعية، وسينتج حراكا لا إراديا باتجاه الترشيح والتمثيل وفق أدوار معروفة ومشخصة، لا أدوار وجاهية أو تشريفية، وهذا سيحصن الجمعية من الاختراق الوهمي للأدوار والشخوص، وسيعزز من حالات الفرز المستمر والاختيار الأصوب لقيادات المستقبل، كما أنه سيسهم في التدوير المستمر للمواقع والمناصب بناء على الفاعلية والاستمرار في الفعل السياسي المؤثر، بما يحفظ تماسك جميع المنتمين إلى الجمعية، ويجعلهم في أمل دائم منها وفي خدمة دائمة لها.

ان تشكيل «مجموعة الظل» كمعطى سياسي وتنظيمي فاعل وضاغط، فيه استنكار واضح على حال الجمود الذي يعيشه الوضع السياسي ككل، وخصوصا داخل كيان له نسبة كبيرة من التأثير على الواقع السياسي في البلد كالوفاق، إذ كيف يفهم عدم وجود مبادرة سياسية واضحة إلى الآن، تحدد مسار العمل السياسي المعارض؟

في ظل قانون أمن الدولة المرعب والمخيف، خرج ثلة من أبناء هذا الوطن بعريضتين نخبوية وشعبية تطالب بتفعيل دستور73 وعودة الحياة البرلمانية، أمنتا التفافا شعبيا واضحا حول هذين المطلبين، وكان من ثمارهما هذا الانفتاح السياسي على رغم النواقص الموجودة فيه، فهل من المعقول أن نفقد هذا الخيار المشروع في ظل الانفتاح السياسي، لنعيش المراوحة في العمل السياسي بعد أن فقدنا التوافق على مشروع الإصلاح في أهم مفاصله واستحقاقاته، وهو الانتخابات البرلمانية؟

أليس من المفترض وجود هذه المبادرة من القوى السياسية، ليكون بالإمكان تأمين التفاف واع حولها، فلا يقول أي طرف إن هدف المعارضة وبرنامجها غير واضحان، ويكون لديها مستمسك مادي قوي تؤسس فيه لشرعية مطالبها؟ نعم ... إنها دعوة لطرح مبادرة سياسية ستكون على عاتق «مجموعة الظل» بلورتها وتقديم اقتراح بطرحها علنيا، فلا أفضل من ظروف الانفتاح الحالية لتأسيس نهج سلمي حضاري يخفف من حالات الاحتقان عند الناس، ويبعد صفة المراوحة السياسية عن المعارضة.

ختاما: فإن تشكيل «مجموعة الظل» من شأنه أن يكون صمام الأمان من حصول انشقاقات داخل الجمعية مستقبلا، لأن المؤمل في هذه المجموعة أن تشمل كل الأطياف من دون تمييز ولا استثناء ولا إقصاء، ما سيؤسس بشكل واضح إلى حراك ضاغط داخل الجمعية لا خارجها، وسيعزز من فرص دخول الكثير من المحايدين على خط العمل من داخل لعبة التجربة الوفاقية، تمهيدا للدخول في التجربة السياسية ككل، والبرلمانية تحديدا، في حال التوافق التام والمتكافئ مع القيادة السياسية على شروط اللعبة، وسيتحقق مفهوم «الوفاق: الإطار الجامع» كحلم طالما سفهه البعض، وطعن في شرعيته البعض الآخر، واتهمه البعض الأخير بالعصبوية وتجميع القوى على أساس طائفي.

إنها دعوة صادقة لكل الأطياف الفاعلة في الوفاق، أن تبرهن على وطنيتها وجدارتها في قيادة تيار المعارضة، وهي دعوة لكل أطياف الوفاق إلى الدفاع عن الوطن كل الوطن، وتجاوز الفهم الفئوي بكل أشكاله، سواء المناطقي منه إلى أو الرمزي أو الطائفي، ولن يكون ذلك ممكنا إلا حين يكون الحراك والفعل الإرادي متاحين للجميع بلا استثناء

إقرأ أيضا لـ "سلمان عبدالحسين"

العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً