يتمثّل الهدف الرئيسي لمشروع حديقة النباتات القرآنيّة منذ البداية في توطيد العلاقة بين التنوع الثقافي من جهة، والتنوع البيولوجي من جهة أخرى حيث يساهم في ربط المنظور الإسلامي العريق للمحميات الطبيعية وفقاً للقرآن الكريم، بحماية البيئة والتنوع البيولوجي. كما تقدّم هذه الحديقة فرصة لزيادة الوعي والثقافة البيئيّة. فعلى سبيل المثال، تم مؤخراً تنظيم جولة استطلاعيّة لمجموعة متفوقة من الطلاب بلغ عددهم ستة عشر طالباً، بالإضافة إلى مجموعة من الأخصائيّين من أثيوبيا والإمارات العربيّة المتحدة زاروا خلالها المحميات الطبيعيّة في كل من أبو ظبي ودبي والفجيرة والشارقة. وتندرج حديقة النباتات الإسلاميّة في الشارقة على قائمة الأماكن التي زاروها في إطار جولتهم الاستطلاعية في شهر أبريل/ نيسان 2016.
وكانت فكرة إنشاء مجموعة من الحدائق النباتيّة القرآنية قد لاحت في الأفق عام 2006 كجزء من جهود اليونسكو لتوطيد الروابط بين التنوع الثقافي والتنوع البيولوجي. حيث تجسّد هذه الحدائق رؤية حدائق جديدة مستلهمة من أفكار علميّة وثقافيّة يعود أصلها للحضارات الإسلاميّة وما فيها من روائع أدبيّة للثقافة الإسلاميّة لا سيما القرآن الكريم الذي يجسّد مصدر إلهام ملموس للحديقة وما تتبعه من أساليب لصون التنوع البيولوجي في البيئة المحيطة.
وكان حاكم إمارة الشارقة، سمو الشيخ سلطان بن محمّد القاسمي أوّل من رحّب بهذه الفكرة. ثمّ لقيت الفكرة ترحيب دولة قطر بتشجيع من سمو الشيخة موزا بنت ناصر المسند. وفي إطار تنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع، تم إنشاء هيئات استشاريّة دوليّة، ورسم الخطوط العريضة للمشروع بدعم من اليونسكو. وبعد سنوات من الجهود وورشات العمل والمؤتمرات بهدف الاتفاق على أنواع النباتات والكتب ومجموعة شاملة للمواد المستخدمة في إكثار وحماية أصناف الحياة النباتيّة في كل من قطر والإمارات العربيّة المتحدة، افتتحت الحديقة النباتيّة القرآنية عام 2014 في حديقة صحراء الشارقة بالقرب من متحف التاريخ الطبيعي.
وبعد إنشاء هذه الحديقة في الشارقة وقطر، ظهر في اثيوبيا فكرة أعم وأشمل تنطوي على إنشاء حدائق نباتيّة إبراهيميّة في أديس أبابا لحماية وصون التنوع البيولوجي وترسيخ ممارسات بيئيّة سليمة وتسهيل التقارب بين الثقافات. حيث تهدف هذه الحديقة إلى توطيد الروابط بين التقاليد اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة في إطار المحميّات الطبيعيّة، والثقافات المذكورة في الكتب السماويّة الثلاثة من أجل حماية التنوّع البيئي والبيولوجي.
وسيتم تسخير هذه الحديقة الفريدة في إطار أربعة مواضيع محورية هي: التربية والاستجمام والبحوث والمحافظة على البيئة. وتجسّد أثيوبيا تجانساً بين المعتقدات الدينيّة الثلاثة، اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة، من جهة، وغيرها من المعتقدات والثقافات من جهة أخرى. حيث من شأن هذه الحديقة تجسيد مبدأ الاحترام المتبادل للمعتقدات المختلفة لا سيما الحريّة الدينيّة المتمثّل باللون الأصفر للعلم الوطني الأثيوبي.
ومن الجدير بالذكر أنّ فكرة إنشاء حدائق دينيّة ليست وليدة العصر. فهناك العديد من الحدائق الإنجيليّة في كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيّة مثل حديقة النباتات الإنجيليّة في حديقة ميسوري النباتيّة في مدينة سانت لويس الأمريكيّة، والمحميّة الطبيعيّة الإنجيليّة في اسرائيل بالإضافة إلى مجموعة من الحدائق الإسلاميّة. ويتطلّب إنشاء مثل هذه الحدائق تعمّقاً شاملاً في الكتب المقدّسة ما يساعد على تحديد مصادر التنوع البيولوجي الرئيسة وفقا للكتب السماويّة، بالإضافة إلى دراسة وصون الحياة النباتيّة المذكورة في الكتب المقدّسة حيث أنّ العديد من النباتات التي نستخدمها اليوم مذكورة في الكتب المقدّسة وكتب التاريخ ما يشجّع اتحادنا مع ثقافاتنا وتقاليدنا المختلفة. هذا وإن المصادر النباتيّة في إثيوبيا موثّقة توثيقاً ملحوظاً في هذه الكتب. وفور تحديد هذه المصادر، يتم إحضار هذه المصادر بكل سهولة إلى الحدائق. وبدورها تدعم اليونسكو هذه الفكرة وتدرس الفرص المستقبلية للتعاون بهذا الشأن.