الرسالة واضحة بالنسبة لعثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة سودانية عادت للصدور الاسبوع الماضي بعد فترة ايقاف امتدت خمسة اشهر: "الصحافة الحقيقية" تبقى عملا ينطوي على مخاطر كثيرة في بلاده.
ودرس ميرغني الهندسة في القاهرة والولايات المتحدة، لكنه اصبح منذ حوالي عشرين سنة رئيس تحرير يومية "التيار" المستقلة التي اصدر جهاز الامن السوداني اوامر بحظرها ثلاث مرات خلال السنوات الماضية، كانت اطولها بين 2012 و2014. واكد لوكالة فرانس برس انه سعيد بعودة صحيفته الى الصدور، لكنه يتخوف من ان تكون عودة قصيرة .
وقال ميرغني في المقابلة التي اجريت معه في مكتبه في الصحيفة في وسط العاصمة السودانية، وهو المكان الذي اقتحمه مسلحون العام الماضي واعتدوا عليه بالضرب، "مخاطر عمل صحافة حقيقية تزداد يوما بعد يوم في السودان".
واضاف في اللقاء الذي اجري معه بالانكليزية "لا تزال الطريق الطويلة امامنا لندرك ان حرية التعبير والاعلام امر جيد للشعب وللحكومة".
وصادر جهاز الامن والمخابرات، المؤسسة القوية في السودان، نسخ صحيفة "التيار" المطبوعة خمس عشرة مرة من بدء صدورها.
وقال ميرغني (56 عاما) "هناك خطوط حمراء غير معلنة، وفي كل مرة تتجاوز هذه الخطوط تجد ان صحيفتك أغلقت مرة جديدة".
واضاف "في كل يوم، نقرأ صحيفتنا، نحس بالسعادة باننا استطعنا الاستمرار حتى صباح اليوم التالي".
ومنذ نيسان/ابريل الماضي، صادر جهاز الامن النسخ الصادرة عن صحف عديدة اخرى بينها "آخر لحظة"، و"الصيحة"، و"التغيير"، و"الجريدة".
واجمالا، تتم المصادرة بسبب مقالات تتطرق الى مواضيع معينة.
- "اداة اصلاح" - وذكرت منظمة "صحافيون بلا حدود" في عام 2016 في احد تقاريرها ان "جهاز الامن يراقب الصحافيين والصحف" في السودان. وصنفت السودان في مؤخرة ترتيبها لحرية الصحافة.
وتمنع حكومة الرئيس السوداني عمر البشير وسائل الاعلام الدولية من الوصول الى مناطق تشهد نزاعات في السودان مثل دارفور حيث تتهم منظمات حقوقية اجهزة الامن باحتجاز ناشطين وسياسيين معارضين.
وردا على سؤال عن سبب استهداف "التيار"، قال ميرغني انه قد يكون نتيجة نشرها عددا من فضائح الفساد خلال السنوات الفائتة.
واضاف "نحاول ان نقدم صحافة مستقلة ونحاول ان نكون اداة للتغيير في السودان".
وجاء الحظر الاخير للصحيفة الذي امتد لمئة وخمسين يوما بعد نشرها سلسة مقالات تنتقد الحكومة بسبب خفض الدعم عن المنتجات البترولية والكهرباء.
واوضح ميرغني "لا يعطونك ورقة مكتوبة اطلاقا... يتصلون بك هاتفيا ويقولون: صحيفتك مقفلة اعتبارا من الغد. لماذا؟ لا تسأل".
وعادت "التيار" للصدور بعدما واجهت جهاز الامن والمخابرات في المحكمة الدستورية، الهيئة القضائية الاعلى في البلاد، والتي امرت بعودتها.
ورأى عثمان ان الامر سيستغرق بعض الوقت قبل استعادة قراء الصحيفة. لكنه يفخر بان الصحافيين الاربعين العاملين في الصحيفة لم يغادروها، مضيفا "خلال هذه الاشهر الخمسة، عانينا اوضاعا اقتصادية حرجة".
ويعبر ميرغني عن حزنه لان البلد الذي يبلغ عدد سكانه سبعة وثلاثين مليون نسمة، لا توجد فيه الا عشرون صحيفة توزع حوالى 300 الف نسخة فقط، وبينها التيار التي كانت تنشر 35 الف نسخة.
وقال "السودانيون يحترمون الصحافة المكتوبة أكثر من التلفاز، وما زالت الصحيفة في السودان وسيلة الحصول على المعلومات،معربا عن امله في ان تسهم الصحافة الرقمية بتوسيع انتشار الصحف.
واضاف "مستقبل الصحافة هو مستقبل السودان، وان لم تتغير طيقة تفكير الحكومة، لن يتغير شيء".