كثر الحديث عن رفع الدعم الحكومي الذي تم تنفيذ بعضه، كرفع الدعم عن السلع الأساسية والمحروقات والكهرباء والماء، وهناك حديث أن ستلي هذه الإجراءات خطوات أخرى كتخفيض أو إلغاء الدعم على شرائح مجتمعية أخرى كعلاوة تحسين مستوى المعيشة، ودعم الأسر الفقيرة، فقد انخفضت بنود هاتين العلاوتين في موازنة العام 2016 إلى 20 و43 مليون دينار على التوالي.
إن الآثار السلبية من هذه السياسة التقشفية في قادم الشهور والسنوات ستكون واضحة على معظم القطاعات الاقتصادية وأغلبية شرائح المجتمع، وخصوصًا الفقراء وذوي الدخل المحدود والمتقاعدين، فالمؤشرات الراهنة كشفت عن ارتفاع في أسعار السلع الغذائية حتى تلك التي لم تكن مدعومة.
واقتصاديّاً فإن ارتفاع الأسعار دون زيادة في الدخل الفردي (زيادة في الأجور والرواتب) سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك من جراء تخفيض القوة الشرائية لدخل الفرد، وتخفيض مصادر دخل عناصر الإنتاج، يقابله أيضاً انخفاض في الادخار الذي يعتبر مهمّاً لحركة ونمو الاقتصاد، وفي الاقتصاديات المتقدمة كافة فإن مؤشري الاستهلاك والادخار يعتبران مقياسين لحيوية ونمو الاقتصاد.
إن الدول الغربية الرأسمالية التي تؤمن بعدم تدخل حكوماتها في الاقتصاد، لديها برامج قوية لمواطنيها كبرنامج الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية المتطورة، وبرامج دعم العاطلين عن العمل. وبرامج متنوعة لدعم الفقراء وذوي الدخل المحدود، ومكتسبات وامتيازات كثيرة للمتقاعدين تقديراً لجهودهم وتفانيهم في سنوات عملهم من جهة، ومن أجل أن يعيشوا بكرامة واقتدار في باقي سنوات حياتهم ويساهمون في نقل خبراتهم إلى الأجيال الصاعدة إذا ما كانوا مستمتعين في حياتهم.
وفي المقابل وعلى رغم احتجاجات منظمة التجارة العالمية على استمرار دعم بعض الدول الرأسمالية لقطاعات اقتصادية محددة، إلا أن هذه الدول مازالت تواصل دعمها للقطاع الزراعي فيها من أجل تعزيز التنافسية عالميّاً، وما زالت تواصل دعمها للوقود الإحفوري، وتقدم إعفاءات ضريبية لصناعات محددة.
ثم إن هناك سؤالاً مهمّاً على الحكومة الإجابة عليه بوضوح وشفافية، وهو ماذا ستفعل الدولة بالمبالغ التي ستوفرها من وقف الدعم؟ وهل ستتجه هذه الأموال إلى زيادة مستوى التعليم والخدمات الصحية وتطوير البنية التحتية ودعم القطاعات الإنتاجية من أجل المزيد من توفير فرص عمل لائقة وأجور عادلة، وحل أزمات الإسكان والمواصلات والفقر والبطالة؟.
إن المؤشرات تقول إن هذه المبالغ ستستخدم لتمويل الدين العام والذي من المتوقع أن يرتفع إلى 18 مليار دينار بحلول العام 2018م، إذا استمرت النسبة على ما هي عليها، فالمعدل السنوي المركب لزيادة الدين العام هو37.5 في المئة، والمعدل السنوي المركب لزيادة فوائد هذا الدين هو34.5 في المئة، وبالتالي من الممكن أن تتجاوز نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 100 في المئة.
إن المطلوب بجانب التحول الجاد من الاقتصاد الريعي والذي تعتمد عليه موازنة الدولة (الإيرادات النفطية فيها نحو 86 في المئة) إلى اقتصاد منتج قادر على المنافسة إقليميّاً وعالميّاً، وقادر على توفير فرص عمل لائقة وأجور عادلة، بجانب ضرورة هذا التحول المطلوب، من المهم العمل على استقطاب استثمارات صناعية والتي توقفت منذ عقود، حيث إن الصناعة هي القطاع الأكثر قدرة على رفع مستويات الدخل (الأجور) للمواطنين، الأمر الذي سيؤدي إلى توسيع حجم الطبقة الوسطى، وتطوير مستويات الدخل والمعيشة للطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود لتنضم شرائح منها إلى الطبقة الوسطى، وتخفيض الطبقة المحتكرة للثروة بحيث يتحول الهرم السكاني من الشكل المثلث حيث قلة صغيرة في قمة المثلث تحتكر الثروات، وطبقة متوسطة محدودة في المثلث، وطبقات فقيرة وذوو دخل محدود في القاع الواسع في أسفل المثلث، ليتحول هذا الهرم إلى شكل معين بحيث تتوسع حجم الأغنياء في قمته من جراء انتقال جزء من الطبقة الوسطى العليا إليها، ويتوسع حجم الطبقة الوسطى من جراء انتقال جزء من القاع من الفقراء وذوي الدخل المحدود إليها، وينخفض حجم الطبقات الفقيرة في قاع الشكل السكاني للبلاد.
إن إعادة هيكلة الشكل السكاني وتوسيع حجم الطبقة المتوسطة لا تؤدي إلى انتعاش الاقتصاد وزيادة الاستهلاك فحسب، بل ستؤدي إلى استقرار سياسي واجتماعي، واعتدال وعقلانية المواقف والتفكير والسلوك من جراء المميزات التي تمتلكها الطبقة الوسطى من الوسطية في شتى مناحي الحياة.
إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"العدد 4991 - الجمعة 06 مايو 2016م الموافق 29 رجب 1437هـ