عندما نسترجع تاريخ علاقات الصداقة الأخوية بين الصين والدول العربية في الألفي سنة الماضية، فلابد لنا من استذكار طريق الحرير البري وطريق التوابل البحري التاريخيين. إن اللقاءات الأولى بين أجداد الأمتين العظيمتين بدأت بالتقاء رسلنا ورسلكم في صحراء جوبي وواحاتها وعبر البحار وأمواجها، وقد تصدرت علاقاتنا منذ القدم جميع علاقات الصداقة الأخرى بين شعوب العالم القديم. وقد كتب طريق الحرير القديم فصلاً مهماً في علاقات التبادل والتواصل بين الحضارتين الكبيرتين على طرفيه الشرقي والغربي.
فمنذ آلاف السنين وطريق الحرير يحمل على طوله السلام والتعاون، الانفتاح والوئام، التواصل والتعلم المتبادل، ويحقق على طرفيه النجاح والمنفعة المشتركة. إن الشعبين العربي والصيني ومن خلال الاحترام المتبادل والكفاح من أجل حماية السيادة الوطنية، ما فتئا يتبادلان الدعم، وفي سبيل البحث عن طرق التطوير والتقدم وتحقيق تطلعات الشعبين في التنمية، ما انفكا يتبادلان المساعدة، وفي تعميق التواصل الإنساني واغتناء العمل الثقافي بين الشعبين ما برحا يتبادلان التكامل، ومازال الشعبان يكرسان روح طريق الحرير ويمضيان قدما في تعزيزها وتطويرها.
منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، شكل إنشاء منتديات التعاون الصيني العربي خيارا استراتيجيا مهما للتركيز على تنمية علاقات صينية عربية طويلة الأمد. ومع مرور 14 عاما من التطوير، أصبحت منتديات التعاون العربي الصيني أداة فعالة في إثراء وجهات النظر بين الطرفين والدفع قدماً بالتعاون الواقعي بينهما. إن البناء المشترك لـ «الحزام والطريق» هي فرصة جديدة لتطوير المنتدى، ونقطة انطلاق تاريخية جديدة لتأسيس منطلق قوي ومستدام للتنمية.
منذ يونيو/ حزيران من العام 2014 حيث أقيم اللقاء السادس للمنتدى على مستوى الوزراء وتم طرح مبادرة البناء المشترك لـ «الحزام والطريق» شهدت جميع الأهداف المعلنة في ذلك الاجتماع تجسيدا إيجابيا بسبب الجهود المبذولة من قبل الطرفين، وحملت النتائج عوائد إيجابية لجميع البلدان والشعوب من كلا الجانبين.
ازدياد الثقة المتبادلة في المجال السياسي
الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس اللجنة الاستشارية للسياسة الصينية يو جينغ شينغ وغيرهما من الساسة الصينيين قد قاموا بزيارات ميدانية للدول العربية. وفي المقابل قام رؤساء دول عربية مثل مصر والسودان وموريتانيا والأردن بالإضافة لرئيس الوزراء العراقي ورئيس البرلمان الجزائري وولي عهد أبوظبي وغيرهم من الشخصيات القيادية المهمة بزيارة الصين. كما أن سبعاً من الدول العربية هي مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية وقطر والسودان والأردن والعراق قد قامت بإنشاء أو رفع مستوى التعاون مع الصين إلى شراكة استراتيجية شاملة أو شراكة استراتيجية. وقد قامت جميع الأطراف بإطلاق جولة أولى من حوار سياسي استراتيجي على مستوى كبار المسئولين وذلك ضمن إطار منتدى التعاون.
في الوقت نفسه، قامت الصين بالمشاركة الإيجابية في الجهود الدولية المتعددة الأطراف فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وسورية وليبيا واليمن وغيرها من المناطق التي تشهد قضايا ساخنة. فقد أمر الرئيس الصيني بمساعدات قيمتها مئة مليون يوان صيني لسورية ولبنان والأردن فيما يتعلق بالمشكلة السورية، وخمسة ملايين يوان صيني أخرى كمساعدات إنسانية لقطاع غزة هي الآن في طور التنفيذ.
التعاون الاقتصادي والتجاري يتقدم بخطى ثابتة
متأثراً بانخفاض أسعار النفط في العام 2015، بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية 202.778 مليار دولار بانخفاض قدره 19.2 في المئة، إلا أن الواردات الصينية من النفط الخام العربي بلغت 148 مليون طن بزيادة قدرها 8.1 في المئة. على صعيد آخر فقد تم الانتهاء من بناء مشروع مصفاة ينبع السعودي - الصيني حيث بدأت المصفاة بالإنتاج، كما نجحت الصين أيضاً في التعاقد مع الإمارات العربية المتحدة لتطوير حقل مندر النفطي ومصفاة الزور الجديدة بدولة الكويت.
ومنذ اللقاء السادس لمنتدى التعاون على مستوى الوزراء فقد وقعت الصين عدة اتفاقيات للتعاقد الهندسي بمبلغ يزيد على 70 مليار دولار أميركي. وفي المملكة العربية السعودية أيضاً شارف مشروع السكة الحديد من الشمال للجنوب CTW200 على الانتهاء ودخل مراحله الأخيرة. أما في مصر فقد تم التوصل إلى اتفاق بشأن تمويل مشروع تطوير وتحديث شبكة الكهرباء الوطنية مالياً وتكنولوجياً. وفي السعودية كذلك تم بدء العمل في مشروع محطة كهرباء جيزان للنقل والتوزيع.
قامت الصين بتوقيع مذكرة تفاهم حول البناء المشترك لمشروع «الحزام والطريق» مع خمس دول عربية هي مصر والسعودية وقطر والكويت والعراق.
كما أن هناك سبع دول عربية لديها النية للاشتراك في عضوية البنك الآسيوي للاستثمار هي السعودية ومصر والأردن والكويت وعمان وقطر والإمارات العربية المتحدة. وقد أنشأت الصين مع قطر والإمارات صندوق استثمار بمبلغ 20 مليار دولار أميركي.
في سبتمبر/ أيلول 2015 تم الافتتاح الرسمي لمركز التحويل التكنولوجي الصيني - العربي. ومن المخطط له في المرحلة القادمة إنشاء 10 مختبرات مشتركة خلال خمس سنوات وذلك ضمن إطار التعاون العلمي والتكنولوجي بين الصين والدول العربية. من بينها تم في شهر مارس/ آذار الماضي افتتاح المختبر الصيني المصري المشترك لمصادر الطاقة المتجددة، وفي الوقت نفسه يتم التحضير للمختبر الصيني الأردني المشترك للزراعة الحديثة. وقد تم كذلك توقيع مذكرة التعاون للمشروع العربي في نظام الملاحة الصيني «الدب القطبي».
إقرأ أيضا لـ "تشي تجين هونغ"العدد 4987 - الإثنين 02 مايو 2016م الموافق 25 رجب 1437هـ