في سابقة سينمائية هي الأولى من نوعها، تغزو شاشات مونتريال هذه الأيام، مجموعة أفلام راديكالية تحاكي بدراميتها معظم التفجيرات الإرهابية التي هزّت في السنوات الأخيرة، بعض العواصم الغربية والعربية ، وفق ما قالت صحيفة الحياة اليوم الجمعة (29 أبريل / نيسان 2016).
ويأتي في طليعتها، فيلم «صنع في فرنسا –Made in France « من إخراج نيقولا بوخريف (مولود من أب جزائري وأم فرنسية). وهو فيلم يبيّن كيفية انتشار الخلايا «الجهادية» من داخل فرنسا، وفق ما يشير إليه ملصق الفيلم في شكل واضح.
يكشف «صنع في فرنسا» خلال ساعة ونصف الساعة، عن الأساليب التي يلجأ إليها الإرهابيون لاصطياد الشباب المقيمين في إحدى الضواحي الباريسية المهمّشة اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، حيث يتم تجنيدهم من حركات راديكالية (عاش المخرج بوخريف في ضاحية مماثلة يغلب عليها اليمين الفرنسي ويسودها التمييز العنصري). ويروي الفيلم قصة «سام»، وهو صحافي مسلم (يلعب الدور ماليك زيدي، جزائري فرنسي) يتمكن من التسلل الى داخل خلية إرهابية (يقودها ديمتريس سنورج، نجم الفيلم في دور الزعيم الغامض) مؤلفة من أربعة شباب. وفي إطار قيامه بتحقيق صحافي، يقوم سام بسرد ما يحدث داخل الخلية قبل أن يتمكن عناصرها من شن هجوم على باريس والغرق في دائرة العنف والإرهاب.
جدل ونقاش
كما يتحدث الفيلم عن دور أئمة مساجد الضواحي الفرنسية، وهم في غالبيتهم في رأي الفيلم، من الأصوليين المتشدّدين، الذين يقدمون الى الجيل الناشئ صورة وردية عن عقائدهم وأيديولوجياتهم التي تختفي في ظلّها مظاهر البطالة والتخلّف والبؤس والفقر، وتجعل منها حوافز للتمرد والثورة على انحرافات المجتمع الغربي، مصدر الرذائل والشرور والإباحية والمخدّرات والخمور.
ويبدو أن مضامين الفيلم وتأجيله مرتين بعد هجمات باريس عام 2015، ووصوله أخيراً الى صالات مونتريال، قد جعلته موضع جـــدل ونقاش في أوساط النقاد الكنديين ومتابعي العمل السينمائي. حيث يرى دانيال بيروبي، الناقد في جريدة «لو دوفوار»، أن الفيلم استحضر «بذكاء وحرفية موضوعاً حقيقياً حساساً ونابعاً من الواقع الغربي الراهن. وقدمه بقصة مثقلة بالتوترات الدرامية». أما شانتال غي، المتابعة للأعمال السينمائية في صحيفة «لوسولي»، فأثنت على معايشة المخرج بوخريف أوضاع الضواحي الفرنسية المهمّشة التي تتصاعد فيها دعاوى الإسلاموفوبيا، ودرايته الثاقبة بانحرافات الشباب والمراهقين المسلمين نحو التطرف والجهاد، وجعلهم مستعدين لأن يصبحوا قنابل موقوتة لقتل الأبرياء». أما الناقد مارك كاسيفي، فقد توقف عند مشهد مثير للجدل يتحدّث «عن تخطيط لعملية إرهابية في شارع الشانزليزيه، وتسبقها عمليات تمويهية متفرقة، ما يوحي بأن هذا التنبؤ المسبق إما ناتج من خيال سينمائي مبدع وإما مبني على معلومات استخباراتية».
سلفيون
وفي السياق المغاربي، يبدو أن قطاعاً واسعاً من السينما العالمية يتجه منذ فترة، نحو صناعة الأفلام السلفية والقيام بمقابلة الرجال الذين يدعون إليها ويعتنقونها. ومنها الفيلم الوثائقي الطويل «سلفيون» للمخرجين الموريتاني الصحافي لمين ولد سالم، والفرنسي فرنسوا مارغولين.
يتمحور موضوع الفيلم حول اجتماع يضم أتباع عقيدة جامدة وموروثة عن تعاليم مزعومة الى الإسلام. ويتضمن خطابات متشدّدة لمنظري التنظيمات الجهادية وصوراً صادمة (إعدامات وقطع رؤوس وبتر أيدٍ) تبث عبر شبكة الإنترنت. كما يتحدث قادته عن مفاهيم «الإرهاب» و «الجهاد» و «التشدد» بحرية تامة وفي شكل مباشر... وفي مشهد، ينطق الفيلم بلسان أحد المجتمعين في مالي بالقول: «من الطبيعي أن تجنح النفس البشرية ضد أوامر الله لتتبع أهواء النفس وتصبح عبدة لهذه الأهواء... لكن على المجاهدين أن يجبروا العاصين بالقوة على الاستسلام»، مشيراً الى هجمات «تشارلي إيبدو».
وتتفاوت آراء النقاد الكنديين بين من يرى في «سلفيون»، «إشادة بالإرهاب ومغازلة للجهاديين وإعطاء أبطاله المتطرفين صوتاً وحضوراً في الفضاء الإلكتروني»، ومن يجده «غامضاً وعنيفاً ومسيئاً لكرامة البشر، وينبغي مواجهة ما فيه من تشدّد بمواقف مماثلة».
أما الحضورالعربي الوحيد في هذه البانوراما الراديكالية، فيتمثل بالفيلم المغربي الطويل «يا خيل الله» للمخرج المغربي نبيل عيوش.
ويحكـــي الفيلــــم التطرف على لسان مجموعة شبان يقطنون أحد الأحياء الفقيرة (حي سيدي مومن) في جوار مدينة الدار البيــــضاء. ويقررون أن يصبحوا شهداء. ويقومون بتفجيرات انتحــارية في ملهى ليلي متزامنة أسفرت عن مقتل وجرح المئات من المواطنين الأبرياء وخسائر مادية في المطاعم والفنادق والمراكز الثقافية المجاورة. ونتيجة هذا العمل الإجرامي، أصيب المجتمع المغربي المعروف بأصوليته بصدمة عميقة لم يعهدها من قبل.
المخرج عيوش لم يلجأ الى تصوير قصة ميلودرامية، وإنما حاول أن يكشف الأسباب الكامنة وراء تلك التفجيرات الإرهابية ولجوء بعض الشباب الى عمليات القتل والتفجير العبثي. ويبدو من خلال وقائع الفيلم ومعطياته، أنه توصل الى قناعة مفادها أن الفقر والتهميش الاجتماعي هما تربتان خصبتان لاستقطاب جهاديين انتحاريين.
واللافت أن هذا الفيلم يواكب الحياة اليومية لأبطاله، والتي تمتد من الطفولة حتى الموت، ويرسم مسارها بنفس تشاؤمي لا تلوح فيه بارقة أمل سوى الوعد بالجنة التي يعدهم بها قادتهم السفليون. وتترجم هذه الملامح «السوريالية» في أحد المشاهد الذي يتابع فيه هؤلاء الفتية اللعب بكرة القدم قبيل تنفيذ العملية الإجرامية!.
في السياق ذاته، تختتم الغزوات الجهادية بانتقالها من الشاشة الكبيرة الى الشاشة الكندية الصغيرة بعرض «لا تتركني أبداً»، وهو فيلم تلفزيزني فرنسي للمخرج كزافييه دورينجر، ويحكي قصة تلميذة (لينا العربي) في الصف الثانوي (شاما - 17سنة) ترتبط بزواج عبر الإنترنت مع جهادي مقيم في سورية. وتكتشف والدتها «إيناس» (سامية ساسي) هذا الأمر بعد معاينتها لدى الطبيب. فتحاول بشتى الطرق إنقاذ ابنتها ومنع هذا الزواج، حتى وإن وصل بها الأمر الى استعمال القوة لإخراجها من المصير المجهول. اللافت أن شاما ليست كغيرها من الفتيات اللواتي يقمن في مناطق مهمشة محرومة فقيرة، وإنما هي فتاة جميلة ميسورة إلا أنها مراهقة ممزقة بين الرفض العبثي والبحث عن الذات. أما رسالة الفيلم، فتتلخّص بإضاءات على محنة الأسر الإسلامية في إقناع أبنائها الذين يتشربون أفكار المنظمات الجهادية الهدامة، بعدم الوقوع في فخ «طاعون العصر».