قال سفير الاردن السابق في العاصمة الايرانية (طهران) بسام العموش انه بعد نجاح الثورة الايرانية في اسقاط الشاه، قال حزب التحرير: لقد نجح الاميركيون في اسقاط العميل البريطاني «الشاه»، بينما وقفت الحركات الاسلامية الاخرى فرحة لنجاح الثورة وأقامت احتفالات كبرى لذلك.
موضحا: «لقد كان من أوائل قرارات ثورة الخميني اغلاق السفارة الاسرائيلية، والهجوم على السفارة الاميركية وأخذ عدد كبير من الرهائن، بينما استمر وجود السفارة البريطانية في طهران حتى اليوم، وقد كان للرئيس عرفات دور في الافراج عن رهائن السفارة الاميركية».
واضاف في دراسة نشرت في صحيفة «الرأي» الاردنية: «انه بعد مرور ربع قرن على الثورة، صار النظام الايراني محاطا بالقوات الاميركية من كل الجهات الحدودية (افغانستان، الخليج، تركيا، العراق)، أضف الى ذلك خلافات مع دول بحر قزوين حول النفط.
لقد ازداد التوتر الخارجي وبلغ ذروته حين وصف بوش الابن ايران بأنها احدى دول محور الشر، بينما استمر اصطلاح الخميني تجاه اميركا «الشيطان الأكبر» وما انفك الايرانيون يدعون في مظاهراتهم وخطبهم «الموت لاميركا».
في ايران نظام اسلامي هو نظام المرجعية والمرشد، بغض النظر عن الأدوار التي يتبادلها من يسمون متشددين «واصلاحيين»، فخاتمي الرجل الدمث، صاحب الابتسامة الجذابة، لا يقبل بغير النظام الاسلامي، وهو التوجه الذي يحمله المرشد «علي خامنئي»، ربما كان الشخص الذي يعكس حقيقة النظام الايراني هو «رفسنجاني» الذي تصبغه براغماتية عالية، إذ كان صاحب الدور في تنصيب خامنئي، ولهذا عارضه من يعتقدون أنهم أهل الاستحقاق ممن ضرب عليهم النظام الاقامة الجبرية في «قم».
ان رفسنجاني هو الذي يشد الحبل بدقة متناهية، فمرة مع خامنئي وأخرى مع خاتمي ليكون هو الحل، وليكون بيده مؤسسة مهمة وحساسة «مجمع تشخيص مصلحة النظام» إذ بمقدورها ان تعطل تشريعات مجلس الشورى نفسه.
ان السياسة التي يقودها رفسنجاني تجاه واشنطن في غاية المرونة في الكواليس، وفي غاية التشدد على المنبر والصحف والمظاهرات. وحينما اشتد التحذير الاميركي لايران على خلفية صواريخ «حزب الله» سارع رفسنجاني وخاتمي لارسال وزير الخارجية كمال خرازي الى لبنان لاعطاء التعليمات للسيد حسن نصرالله بضرورة ضبط النفس والهدوء، وكان ما أرادت ايران او ما ارادت اميركا.
واشار العموش: «لقد التقت مصلحة اميركا بمصلحة ايران على ارض افغانستان، فكلاهما لا يريد نظام طالبان ولا تنظيم القاعدة. ودعمت اميركا المجاهدين الأفغان يوم حاربوا روسيا، ولكنها سحبت هذا الدعم وهيأت الأمور عبر أجهزة الأمن الباكستانية وأجهزة أمن عربية لدعم حركة مغمورة «طالبان» التي لم يذكر لها شيء في جهاد الروس. وظهر «الملا عمر» على حساب «سياف» و«رباني» و«مجددي» وغيرهم. فلما استقر لطالبان الأمر وصارت دولة لم تجد ما تفعله سوى توجيه مدافعها نحو «بوذا» لأنها لا تملك اصلا تصورا عن الدولة وكيفية إدارتها، وتركت افغانستان في جهل وفقر وبطالة، وانشغلت بطول اللحية وحبس المرأة في بيتها، وأصابت النشوة الملا عمر فتحالف مع القاعدة، وهنا جاءت اميركا لتتخلص ممن استخدمتهم في مرحلة ما، وسارع في هذا المجيء حوادث 11 سبتمبر/ أيلول التي تبرع ابن لادن بالاعتراف بها، ما يدل على الوعي السياسي الهائل الذي يتمتع به. وتحركت اميركا لهدم حلفاء الأمس وبهذا التقت مصلحتها مع ايران التي كانت تدعم تحالف الشمال رغبة في التمدد في القارة الهندية وللتخلص من سلفية الملا عمر وابن لادن، وتم سحق طالبان والقاعدة، وجاء موعد القطاف، فما كان من الادارة الاميركية الا منع هذا التوجه لتحجيم التمدد الايراني، والاكتفاء من ايران بالمساهمة في الاعمار بمبلغ 700 مليون دولار لاصلاح ما أفسدته طائرات B25 الاميركية!
وتتكرر حالات اللقاء بين البلدين، فكلاهما لا يريد صدام، الذي استخدمته اميركا للحرب مع ايران، حتى تنشغل ايران بجرحاها ومعوقيها وأراملها ولتعاني سنوات طويلة في اقتصادها الذي انهكته الحرب، وفي الوقت نفسه امتلأت الساحة العراقية بالموت والدمار والأيتام، ناهيك عن مئات الالوف من الاسرى وما يتبع ذلك من معاناة. ولما عَبَثَ صدام بما هو ليس مطلوبا منه، وقَبِلَ فخ «السفيرة الاميركية» ودخل الكويت كان لابد من تأديبه بتدمير الجيش العراقي الذي ظهرت قوته في الحرب مع ايران، واستمرت الرغبة في التأديب الى أن تم اسقاط النظام والقبض على صدام. وهنا التقى الطرفان مرة اخرى، تنفست ايران الصعداء بذهاب صدام ونظام البعث، وسعي ايران عبر المجلس الأعلى للثورة الاسلامية لبسط النفوذ.
واذا كانت ايران قد قطفت ثمارها في افغانستان والعراق، فإن هذا لا يعني ان واشنطن غفلت عن «نوويات» ايران، لأن هذا امر خطير على «اسرائيل»، وبالتالي لابد من تسوية كل الملفات، وهذا اخطرها فازداد الضغط، فخشيت ايران على نفسها وخصوصا ان السوار الشيطاني الاميركي يحيط بها من كل اتجاه، ولهذا سارعت للترحيب بالبرادعي ووقعت البروتوكول.
وكانت اول اشارة ارسلتها بعد الزلزال انها تقبل المساعدة من كل الدول ما عدا «اسرائيل»، ومعنى هذا أنها تقبل العون من اميركا، وبالتالي تم اعداد باقات الورود وقدمت لطواقم الشيطان الاكبر، ورفرف العلم الاميركي في «بم» بينما كان يحترق في فترات سابقة في ساحات طهران.
وقابل ذلك قرار بوش بفسح المجال للمساعدات الانسانية، في إشارة قد تقود الى رد فعل، وهو ما عبر عنه رفسنجاني، الذي قال ان ايران تراقب الاشارات الايجابية وسترد عليها.
وكانت ايران تغزل خيوطها من جديد بلقاء خاتمي/مبارك، فغيرت اسم شارع الاسلامبولي للعودة الى العلاقات المصرية عبر غزل الانتفاضة، والتخلص من عبء ما ورثه لهم الإمام الخميني الذي أيد اغتيال السادات ووصف الاسلامبولي بالشهيد. ويبدو ان ايران تسارع في طرد الشيطان الاكبر عنها، لأن سقوط العراق يعني ان الدور عليها، ولهذا يجب التضحية في سبيل انقاذ النظام سواء كانت التضحية بالنوويات او الشعارات او موروثات الامام نفسه.
وتبقى الملفات المعلقة بين الطرفين قابلة للحوار وخصوصا ما يتعلق بالملفين الفلسطيني واللبناني، اذ تستطيع ايران ان تقلب ظهر المجن لفصيل فلسطيني اذا ما خيرت بين مصلحة ايران ومصلحة فصيل ما، اما الملف اللبناني فهو تحت السيطرة وخصوصا اذا اتجهت الأمور نحو الحل على الحدود السورية وبهذا فإن حزب الله سيستجيب كما استجاب يوم جاءه كمال خرازي
العدد 498 - الجمعة 16 يناير 2004م الموافق 23 ذي القعدة 1424هـ