من نافلة القول أن المكتبة المنزلية باتت اليوم ركناً أساسياً لا غنى عنه في البيت العربي، بل إنك لتجد كثيراً من العائلات لدى أفرادها أكثر من مكتبة في البيت الواحد، وعلى أي حال فإنه إذا ما جاز لنا تصنيف المكتبات المنزلية من حيث الحجم فإنها لا تعدو أن تكون واحدة من ثلاث: إما مكتبة ذات حجم صغير يمكننا تسميتها بـ «المكتبة الديكورية» وأصحاب هذا النوع من المكتبات هم غالباً من غير المثقفين الحقيقيين، والذين يرون المنزل الفخم لا تكتمل أناقة ديكوره الداخلي إلا بوجود مكتبة عبارة عن خزانة واحدة تُوضع عادةً في صالون الاستقبال أو المجلس كتحفة من التحف المنزلية، وتظل كتبها المصفوفة بداخلها حبيسة لا تُمس البتة، وإما هي مكتبة متوسطة الحجم، سواء في اتساعها أم في عدد كتبها، وأصحاب هذا النوع من المكتبات المنزلية، تجد علاقاتهم بالثقافة والكتاب غالباً على درجة متوسطة من الاهتمام، بمعنى لا يتجاوز الحد الأدنى المقبول من الاهتمام، وإما هي مكتبة ضخمة، وأصحاب هذا الصنف هم شديدو الاهتمام بالكتاب والثقافة إلى حد «الهوَس»، فمكتباتهم كلما امتلأت بالكتب كأنها تقول إليهم «هل من مزيد»، لكن هذا الشغف «الهوَسي» باقتناء الكتب قد يتحوّل مع مر السنين إلى عبء ثقيل على صاحب المكتبة، حينما تفيض الكتب والمجلات بأرففها وبمكتبه فيها؛ بل وتحتل جزءاً كبيراً من أرضية الغرفة وزواياها، بحيث يصعب عليه ضبط ترتيبها، وتنظيمها؛ بل يصبح جوُّها خانقاً غير مشجع على القراءة والكتابة في ظل فيضان الغرفة بذلك الكم المهول من رتل وأكوام الكتب والمجلات والصحف في كل حدب وصوب.
ومما يزيد الطين بلة حينما يكون صاحبها غير مُبالٍ أصلاً بأهمية ترتيب الكتب في رفوفها تبعاً لموضوعاتها، وتغدو المكتبة عندئذٍ في حالة من الفوضى العارمة، يتعذر معها أن تكون كتبها مطواعةً سهلة تحت يده، كمراجع سهل الوصول إليها في أسرع وقت ممكن، مما يتحتم عليه للخروج من هذه الورطة أن يتنخّل الكتب والمجلات الفائضة عن الحاجة، ومنها الكتب المكررة ذات العنوان الواحد، أو الكتب المهداة إليه من باب المجاملة، ولا تدخل في صلب حقل اهتماماته الثقافية والمعرفية الخاصة، أو الكتب المتقادمة التي انتفت الحاجة إليها منذ أجل طويل، وغدت كلياً خارج اهتمام صاحب المكتبة. وإن كانت هذه المهمة تتطلب مقاومة النزعة الذاتية لهوس التملك الأبدي للكتاب والتخلي عن الاعتقاد الواهم باحتمالات الحاجة إليه مستقبلاً حتى على رغم مضي سنوات طويلة دون الرجوع إليه قط.
وأحسب أن نسبة كبيرة من المثقفين العرب يندرجون تحت هذا الصنف من المكتبات، وشخصياً لا أعفي مكتبتي من هذه الحالة المرضية، إذ ظلت لسنوات طوال تعاني ويعاني صاحبها من هذه الوضعية المزرية، هذا على رغم حرصي الشديد على ترتيب وصف الكتب حسب موضوعاتها، لكن هذا التنظيم أضحى غير ذي جدوى في ظل الزيادة المطردة لأعداد الكتب على مدار العام؛ إذ يصعب في هذه الحالة ضبط تنظيمها وترتيبها مع وجود فائض لا مكان له في أرففها؛ ولكن منذ انطلاق مشروع الكتب المستعملة قبل سنوات قليلة خلت، وجدتُ الوسيلة السنوية المُثلى لإعادة ترتيب وتنظيم مكتبتي، وذلك من خلال التخلص من الكتب والمجلات الفائضة عن الحاجة عبر تلبية نداء العمل الخيري الإنساني الثقافي السنوي بالتبرع بها إلى معرض الكتب المستعملة ليستفيد بها من هم أحوج إليها، بدلاً من بقائها مركونة مغبرةً لتشكل عبئاً ثقيلاً على غرفة المكتبة المحدودة السعة، وبما يتيح لي في الوقت ذاته إحلال كتب أخرى جديدة محلها سواء المشتراة من معرض الكتب المستعملة نفسه أو من أي مكتبات أو معارض كتب أخرى.
وفي تقديري أن هذه الطريقة هي من أفضل الوسائل، إن لم تكن الأفضل للذين ينشدون حقاً وضعية مريحة للمكتبة المنزلية والمنظمة على النحو الأمثل الذي يخدمهم في القراءة والكتابة، وحسب معلوماتي الخاصة فإنّ كثرة من المثقفين وحتى عدد من معارفي من كبار الباحثين الأكاديميين العرب أخذوا في تطبيقها سنوياً مع اقتراب كل موسم جديد لمعرض الكتب المستعملة، ولا سيما أن ريع المعرض يخصص لصالح المنفعة العامة الخيرية، فضلاً عن أن الكثير من رواده وزبائنه هم من ذوي الدخل المحدود الذين يتعذر عليهم في أغلب الأحيان شراء الكتب الجديدة الباهظة الأسعار.
إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"العدد 4973 - الإثنين 18 أبريل 2016م الموافق 11 رجب 1437هـ
السلام عليكم. أختلف معك في السطر الأول و النصف الأول من السطر الثاني. سؤالي و انا في أواخر عمري ماذا سيحصل بمكتبتي؟ صديق مهندس كان يغادر البحرين. أعطاني كتبه. وجدت بأن أفضل مكان لتلك الكتب هو جمعية المهندسين البحرينية . أحلف لك بأن من يوم إدخال الكتب و حتى اليوم لم يفتح أحدا كتابا هناك. الذي يلمسها هو المسئول عن تنظيف رفوف الكتب.
و لك التحية.
فكرة مُفيدة ..
أحسنتم أستاذ ، و بالفعل .. فكرة عمليّة و تُفيد الجميع
شكراً لكم ، و شكراً لصحيفة للوسط .. القريية من قُلوب المُجتمع البحريني .. (أخوكم جعفر).