في اليوم الرابع قام صاحبنا بإلقاء محاضرة في ندوة بمركز الحوار السياسي والإعلامي وهو من المنتديات الثقافية المهمة عن «السياسة الصينية تجاه الشرق الأوسط «، وحضرها جمع من الخبراء والمثقفين وأعضاء من مجلس النواب المصري وباحث فلسطيني وآخر سوري، وطلب مسئولو المركز أن يلقي صاحبنا محاضرة أخرى في شبرا الخيمة «عن الشباب» فوعدهم بذلك عما قريب في زيارة قادمة لمصر المحروسة.
أما في اليوم الخامس فقد تحدث صاحبنا في ندوة بالجمعية المصرية للأمم المتحدة عن «العلاقات المصرية الصينية» حيث عرض لمراحل تطورها في العصر الحديث وعن المشاكل التي تواجهها والتحديات التي تقابلها، والأفاق الواعدة أمامها في المستقبل إذا تحسنت أحوال مصر والعرب، وأبرز أن الصين قادمة بكل قوة وهي تختلف عن الدول الأخرى فطموحاتها التعاون الاقتصادي للمصلحة المشتركة والمنفعة المتبادلة دون تدخل في الشئؤون الداخلية أو رغبة في تحويل العرب للديمقراطية كما تفعل الدول الغربية، والصين أخذت العبرة والدرس من التدخلات في العالم في الماضي باسم الشيوعية وايديولوجيتها بخلاف الغرب الذي يعيش حالة الازدواج أو الانفصام الفكري والسلوكي فهو يقيم العدالة في بلاده وفقاً للقانون والنظام والانضباط ويدعو للعدالة المشوهة بل الظلم بعينه عندما يتحدث عن حقوق الفلسطينيين بحجة أنهم إرهابيون، وهكذا يقدم سلوكاً متناقضاً ومعايير مزدوجة عندما يدعو لاحترام للنظام والقانون في أوطانه ويدعو للفوضى الهدامة التي يسميها خلاقة في الدول العربية.
أما الصين فهي بعيدة عن ذلك وتعلن صراحة وتقوم عمليا بالابتعاد عن كل هذه الشعارات، إنها تركز على التجارة والاقتصاد والثقافة؛ ولكن السياسة ليس من الأولويات في علاقاتها مع الدول العربية والإفريقية على الأقل في هذه المرحلة ولعدة سنوات قادمة.
وفي اليوم الخامس تحدث صاحبنا في ندوة بالمركز الثقافي الصيني بالقاهرة وهو بؤرة من الهدوء والنظافة والسكينة في مدينة تعمها الضوضاء والتلوث والصخب من السيارات والمركبات العديدة والتصارع في الشارع من المارة وهم كخلية نحل تهيم لأهداف خاصة وأحيانا كثيرة بلا تنسيق. المركز الثقافي الصيني على خلاف ذلك تماماً؛ ولهذا كانت المحاضرة والندوة بعنوان «مفهوم الإلهام في النموذج السياسي والاقتصادي الصيني» حيث حلل صاحبنا المفهوم وكيف طبقه الصينيون باستلهام حضارتهم القديمة، ونقل أمثالها وحكمها وعبرتها وفلسفتها بصورة حديثة متطلعين للمستقبل وليس مثل العرب والمسلمين الذين يرون العصر الذهبي في الماضي، وإن الحاضر بائس، والمستقبل يجب أن يرسم على صورة الماضي، ويكرر الخطباء مقولة أنه لا يصلح أمر هذه الأمة أي المسلمين الحالي إلا بما صلح به أولها، وكأن العقل العربي والإسلامي توقف عند القرن السادس الميلادي عندما ظهر الإسلام الذي هو دعوة للعقل والفكر حوله العرب والمسلمون المعاصرون إلى دعوة للنقل وإعطاء الفكر إجازة مفتوحة والطاعة العمياء بلا نقاش لمن يطلق عليهم علماء أو مرشدون أو قادة ومرجعيات دينية ونحو ذلك من الأسماء والمسميات بينما الإسلام في جوهره دعوة للتفكير والتأمل والحوار والنقاش وإعمال العقل في كل ما يحيط بالإنسان وفي الإنسان ذاته وفي مخلوقات الله من إنسان وحيوان وجماد.
وفي إطار الإجازة وعبر أيامها المحدودة أجرى صاحبنا حوارات تلفزيونية بشأن جولة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدول وسط وشرق آسيا (كازاخستان واليابان وكوريا الجنوبية) وهي دليل على الاتجاه المصري للانفتاح على الشرق بالإضافة لعلاقاته مع الغرب، إنه انفتاح على حضارات عريقة في الهند والصين وحضارة جديدة أو متجددة في كوريا الجنوبية واليابان، وحضارات إسلامية في آسيا الوسطى وخاصة في كازاخستان و في إندونيسيا وماليزيا وربما في مرحلة لاحقة يقوم الرئيس بزيارات لباكستان وبنغلاديش والهند وسريلانكا. ولقد ارتبطت مصر تاريخياً بحضارات آسيا؛ ولكن إزاء السيطرة الاستعمارية كما أطلق عليها المفكر الهندي كريشنا مينون ذلك في كتابه المعنون «آسيا والسيطرة الغربية « تراجع التواصل المصري الأسيوي، كما تراجع نسبيا التواصل المصري الإفريقي في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي تعرض لمحاولة اعتداء أثيم عليه ولكن الله نجاه منها، وفي ظل الخلافات العربية العربية والصراعات تراجع التواصل المصري مع بعض الدول العربية، كما تراجع التواصل المصري مع حضارتين ارتبطت بهما الحضارة المصرية فترة في عهد الفراعنة المتأخرين عندما غزا قمبيز كسري الفرس مصر لفترة، ثم غزتها الدولة العثمانية باسم الإسلام وسيطرت عليها ونهبت قدراتها إذ أخذت الصناع والحرفيين من القاهرة إلى اسطنبول مستغلة القدرات والإمكانيات العربية والمصرية وحرمت أهلها منها، وعندما سقطت الخلافة العثمانية شعر بعض المسلمين بوجود فراغ وهو لم يكن كذلك لأن الدولة العثمانية اهتمت بنفسها بأكثر من اهتمامها بالأقاليم الإسلامية التي احتلتها فضاعت فلسطين أو كانت في طريقها للضياع كما استعمرت فرنسا سورية ولبنان. وبريطانيا استعمرت العراق والأردن واحتلت مصر. واستعمرت فرنسا المغرب العربي الكبير ولم تنسَ إيطاليا السعي للحصول على بعض المستعمرات في ليبيا والصومال وغيرها.
لقد تحدث صاحبنا في برنامج القناة الثانية «بنصبح عليك « وفي القناة الأولى في عدة مداخلات بعد نشرات الأخبار عن جولة الرئيس السيسي في آسيا وكما تحدث في الإذاعة وخاصة البرنامج الثاني وفي قنوات فضائية أخرى كانت تتجمع في الندوات التي شارك فيها صاحبنا بكل قوة واجتذبت جماهير ربما ليست ضخمة من حيث العدد وإنما من نوعية متميزة من المثقفين والدبلوماسيين والسياسيين والمتخصصين في الشئون الصينية.
كما حضر صاحبنا في أحد الأيام ندوة في مكتبة مصر العامة، قدمها سفير فيتنام تحت إشراف ورعاية رئيس مجلس إدارة المكتبة السفير عبدالرؤوف الريدي وشارك فيها مدير المكتبة السفير رضا الطايفي، وكان ذلك دليلاً على نشاط الدبلوماسية العامة لسفير فيتنام وسفارته وأيضاً لمكتبة مصر وإدارتها. وكان السفير الفيتنامي حكيماً في حديثه وعرضه لمأساة شعبه ومعاناتهم لسنوات عدة من الاستعمار والفقر والتخلف، ثم انتقل للحديث عن انتصارهم بقيادة الجنرال جياب على الفرنسيين ثم انتصارهم على الأميركان، وذلك كله عبر مقاومة حقيقية قادها الزعيم الفيتنامي هوشي منه الذي بعد هزيمته للأميركان وانسحابهم من فيتنام الجنوبية آنذاك، اتحدت الدولتان في دولة واحدة وتحول اسم سايجون إلى هوشي منه ذلك القائد الأسطوري بحق، والشجاع الذي قاد جيوشه ضد أكبر قوتين في عصره، وهو لم يكن ظاهرة صوتية مثل المناضلين الأعزاء ذوي الصوت الجهوري والحنجرة القوية الذين يحولون الهزيمة إلى نصر موهوم، يقنعون به أعوانهم ويخدعونهم كما يخدعون أنفسهم.
لقد كان كل من جياب وهوشي منه يتكلمان قليلاً ويعملان كثيراً بخلاف المناضلين العرب والمسلمين فيتكلمون كثيراً ويعملون قليلاً ويخدعون جماهيرهم وهم لا يدركون أنهم يخدعون أنفسهم؛ ولكنهم ربما لا يشعرون وبعد فترة تتكشف الحقيقة المُرة، ويخرج الزعماء والقادة من تحت الأنقاض ومن الحفرة التي كانوا يختبئون فيها ويدرك الجميع أن نصرهم كان وهمياً وكاذباً؛ لأنهم دمروا مدنهم وقراهم ومزارعهم مقابل إطلاق صاروخ عبثي كما وصفه الزعيم الفلسطيني أبومازن في بعض أحاديثه عن بلاده؛ ولكن العبثية لم تقتصر على فلسطين والفلسطينيين، بل تكاد تكون امتدت للكثير من الدول العربية وخروج بعض القادة من الحفر كان منظراً مخزياً وعاراً كبيراً، ومازال قادة آخرون ربما ينتظرون دورهم للخروج من حفرهم. ويفتخرون بنصر مزعوم لم يحققوه كما يحدث في كل دول العالم لأنهم يعيشون أوهامهم ويكذبون على شعوبهم ويخدعونهم لأنهم لم يعتادوا مراجعة أنفسهم والاعتراف بأخطائهم، لذلك يقلبون الحقائق وزين لهم ذلك بعض حملة المباخر والهتاف من شعوبهم ومثقفيهم وأعوانهم. وحقاً قالت أم آخر الخلفاء الأمويين في الأندلس عندما رأت ابنها الحاكم يبكي على ضياع ملكه، ويسلم مدينته لأعدائه فقال بيت شعر هو الحكمة الواضحة والصريح:
أبكي كالنساء على ملك
لم تصنه كالرجال
وهانحن نعيش اليوم عصر يشابه عصر الطوائف في الدولة الأندلسية التي أضاعها بذخ الحكام ومجونهم، بعد أن ظلت تحت الإسلام نحو ثمانمئة عام وهذا يجعلنا لا نستبعد انتهاء العرب والمسلمين من هذا الشرق الأوسط للتصارع كما كان يحدث في حكم ملوك الطوائف في الأندلس. نقول هل التاريخ يكرر نفسه أم أنه يفعل ذلك مع الأغبياء ومع الفاسدين الذين يقيمون الحكم والمساواة ويعززون الإنتاج لمصلحتهم، ولا يعدون العدة الحقيقة والكافية لمقاتلة خصومهم والذود عن أراضيهم.
تلك شبه يوميات الإجازة التي قضاها صاحبنا في القاهرة لمدة أسبوع تخلله تواصل ولقاءات عائلية مقربة ومحببة لنفسه، فهو دائماً يحرص على هذا التواصل ويذهب إلى قريته ومدينته من حين لآخر لهذا الغرض؛ ولكن نظراً لازدحام برنامجه في هذه الإجازة القصيرة، لم يستطع القيام بذلك ولكن أحد إخوته وأسرته جاءوا إليه لزيارته في القاهرة، والتقوا معه وكانت جلسة عائلية خفيفة الظل، واتسمت بحالة من المرح والسرور لم يسبق لها مثيل. ويظل السؤال المطروح هل هذه إجازة أم رحلة عمل شاق أم أنها خليط من الاثنين معاً؟ وما هي المفاجآت التي يحملها المستقبل لعالمنا العربي خاصة والإسلامي عامة؟ وهذا علمه عند علام الغيوب.
إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"العدد 4970 - الجمعة 15 أبريل 2016م الموافق 08 رجب 1437هـ