العدد 497 - الخميس 15 يناير 2004م الموافق 22 ذي القعدة 1424هـ

الصحف العربية: بين الحلاقة وواجب التنعيم

آمنه القرى comments [at] alwasatnews.com

.

تناول المعلقون العرب المؤتمرات الجارية في أكثر من بلد عربي ففي الوقت الذي لم تنته فيه أصداء اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري في المملكة العربية السعودية، نظمت الدوحة الدورة الثانية لمؤتمر العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي. وتلتها صنعاء بمؤتمرها الإقليمي بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية الدولية.

وتستعد القاهرة لعقد مؤتمر بعد أيام عن الإسلام وحقوق الإنسان، كما أعلن عن مؤتمر للدول المجاورة للعراق تستضيفه الكويت مطلع فبراير/ شباط المقبل... لكن ما استحوذ اهتمام المعلقين كان تصريح الرئيس اليمني علي عبدالله صالح «فلنحلق رؤوسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون» الأمر الذي تناوله المعلقون العرب على نحو ساخر... فكتبت سحر بعاصيري في «النهار»، «نعيما لمن حلق من الحكام العرب أما من يحلق أو سيحلق فنعيما سلفا» وأكدت ان الرئيس اليمني ليس مخطئا فالنصيحة التي أسداها إلى زملائه هي الوصفة المطلوبة، أو المحتملة لبقائهم في مواقعهم. ذلك اننا لا نعتقد انه عندما يتكلم الحكام العرب عن الديمقراطية يكونون يقصدون الديمقراطية الفعلية لأن هذه ستقود حتما إلى تغييرهم. بل يقصدون معادلة خاصة، «حلاقة ذاتية»، تتمثل في مقدار من التغيير هدفه إرضاء الأميركي يبقيهم ممسكين بلعبة التغيير وممسكين بمناصبهم. أما شعوبهم فمسألة أخرى. لكن ثمة مفارقة حساسة في هذه المعادلة، تقول بعاصيري، لتتساءل، هل المقدار المطلوب من الحلاقة، عفوا من التغيير، يحفظ للحكام مناصبهم، أم ان التغيير يطلق عملية قد يفقدون السيطرة عليها فتطيحهم؟

وهل يكون مكسب الحكام عندما اختاروا الحلاقة بأنفسهم ولم يدخلوا نادي المحلوق لهم على الطريقة الصدامية، ومشهد صدام بشعره المنكوش ولحيته الطويلة كفيل بأن يدفع كثيرين إلى دخول أقرب صالون للحلاقة؟ ورأت ان السؤال سيبقى مفتوحا وإن تكن بشائر التغييرات التي يطرحها الحكام يمكنها أن تطمئن الرئيس اليمني إلى ازدهار موسم الحلاقة الذاتية. والأمثلة متعددة ولعل آخرها نموذج ليبيا.

وختمت ساخرة في كل الأحوال، نعيما لمن حلق من الحكام العرب. أما من يحلق أو سيحلق فنعيما سلفا. وتحت عنوان «نعيما سلفا يا فخامة الفريق» كتب بشارة شربل في «البلد» اللبنانية، يقول ان وصول الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى حد الخوف على شعر رأسه ومطالبته نظراءه بالحلاقة الوقائية هو أمر يدعو إلى الإشفاق قبل أن نقول له: نعيما سلفا يا فخامة الفريق... ورأى شربل، ان علي صالح، يستطيع أن يضيف إلى نياشينه وسام الديمقراطية، فهو يجمع في شخصه سلة ألقاب.

انه فريق ورئيس جمهورية ورئيس حزب المؤتمر الشعبي وزعيم قبلي ومناور وانقلابي يجدد لنفسه بالانتخاب. لا يتلكأ عن تجريب أي أسلوب. شرد أعداءه حينا واسترضاهم أحيانا تارة بالمناصب وطورا بالأموال، ولم يتردد في تقريبهم وعناقهم حين كانت تفرض عليه التوازنات ذلك. واعتبر ان علي صالح، الخائف أن تصل الموسى إلى ذقنه يعيش في غابة سلاح اسمها اليمن وفي مجتمع تختلط فيه الطقوس والغيبيات بالعادات القبلية وقد تقرر فيه مصائر الناس أثناء «تخزين» في جلسة قات.

وشدد على ان قرار علي صالح، عقد مؤتمر الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المحكمة الجنائية هو أمر محتسب. وأن يدعو إلى احترام الديمقراطية مسألة تستدعي الاحترام حتى ولو أبقى الباب مفتوحا لاجتهادات «الخصوصية» عبر الحديث عن تطوير أشكالها لتتناسب مع طبيعة المرحلة. لكنه اعتبر ان وصول صالح، إلى حد الخوف على شعر رأسه ومطالبته نظراءه بالحلاقة الوقائية فهو أمر يدعو إلى الإشفاق قبل أن نقول له: نعيما سلفا يا فخامة الفريق.

وكتب غسان شربل في «الحياة» اللندنية، عن هاجس الحلاقة والحلاقين... فتساءل عن مواقف الرئيس الأميركي جورج بوش لو قرأ ما قاله الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في افتتاح «مؤتمر صنعاء الإقليمي للديمقراطية وحقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية» إذ قال لنحلق رؤوسنا قبل أن يحلق لنا الآخرون؟ وبعد أن عدد شربل، ما سيبهج بوش، في كلام صالح، وما قد يغض الرئيس الأميركي الطرف عنه، رأى انه بعيدا عن أسلوب الرئيس صالح في التعبير عن الخلل في موازين القوى أو هاجس الإلحاح ونفاد الوقت عبر الحلاقة والحلاقين، فإن أحدا لا يستطيع إنكار ان هجمات 11 سبتمبر/أيلول استدرجت «الحرب على الإرهاب» إلى الشرق الأوسط وأن إسقاط نظام صدام أعلن نهاية مرحلة كاملة. ولا يستطيع أحد تجاهل وجود قرار أميركي بتغيير الشرق الأوسط.

شربل رأى ان طرح مسألة التغيير وكأنها مجرد تجاوب مع ضغوط خارجية يسيء إلى القدرة على إنجاز التغيير في ظل المشاعر الشعبية المعروفة... فالتغيير حاجة لدى أهل المنطقة من أجل التحديث والتطوير وضمان الاستقرار ومنع الانفجارات والانهيارات. والتغيير لا يعني نزع ثوب وارتداء آخر فهو يحتاج إلى تصورات ومراحل وتوفير شروط النجاح وأولها إطلاق الحوار داخل المجتمعات في شئون المشاركة والتنمية والتربية والعلاقة بالعالم. وقدم غسان شربل نصيحة بالقول ان جدية الحوار كفيلة بانتزاع المبادرة من اليائسين التفجيريين وكفيلة بإبعاد هاجس الحلاقة والحلاقين.

من جهة أخرى، لوحظ سجال بين مؤيد بشدة للمؤتمرات الجارية في المنطقة وآخرين يرون ان اللقاءات والتنظير والنقاشات لم تعد تنفع إن لم تكن مقرونة بالأفعال... ولاحظت «الشرق» القطرية ان من يمعن النظر في نتائج مؤتمر العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي الذي انعقد في العاصمة القطرية، يدرك سلامة التوجهات التي طرحتها دولة قطر كمنهاج لتأسيس علاقة جديدة تتجاوز الآثار المدمرة التي أثارت الغبار ووضعت العراقيل أمام العلاقات بين الدول الإسلامية والولايات المتحدة. مؤكدة ان الحوار هو الوسيلة المثلى لمعالجة التجارب المؤلمة التي مرت بها العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي.

كذلك رأت «الراية» القطرية ان مسئولية القوى المؤثرة في صنع القرار وتوجيه الرأي العام في الجانبين العربي الإسلامي والأميركي الدفع باتجاه تغليب نقاط الاتفاق وتقليص نقاط الاختلاف. لكن «الوطن» السعودية التي علقت على مجمل هذه المؤتمرات رأت ان اللقاء والتنظير والنقاشات لم تعد تنفع إن لم تكن مقرونة بالأفعال التي تؤكد السعي الجاد إلى تطبيق كل المرئيات التي توصلت إليها النخب بعد انتهاء أعمال أي لقاء... وحذرت البلدان العربية التي يجب أن تدرك خطورة عقد المؤتمرات التي لا تسفر عن شيء على أرض الواقع. وفي السياق عينه، كتب عبدالرحمن الراشد في «الشرق الأوسط» اللندنية، لكنه خصص بالتعليق مؤتمر الدوحة الذي جمع تحت سقف واحد شخصيات متناقضة لم ينقصها سوى زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن والرئيس الأميركي جورج بوش حتى تكتمل تناقضاتها... واعتبر ان المؤتمر في قطر هو نموذج للتناقض السلبي لا الإيجابي: انه حوار بلا آذان تكرر فيه المزايدات السياسية بركوب شعارات أصبحت من كثرة تردادها أبقارا مقدسة.

ولفت أيضا على نحو ساخر إلى انه في الدوحة، إذ تنتشر القاعدة الأميركية ترتفع أيضا في سمائها أعلى مئذنة للتحريض ضد الأميركيين!! على رغم ان «عكاظ» السعودية لم تتطرق إلى ملف المؤتمرات مباشرة، إلا انها تساءلت عن سر هذا الاهتمام الأميركي الأوروبي بالمنطقة؟ في إشارة منها إلى زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشئون الشرق الأوسط وليام بيرنز في الوقت الذي يقوم فيه المبعوث الأوروبي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط مارك أوتي بجولة مماثلة في المنطقة.

وأكدت الصحيفة «السعودية»، ان الخلافات بين الجانبين الأميركي والأوروبي، عن سبل حل مشكلة الشرق الأوسط لا تزال عميقة وبعيدة عن بعضها بعضا... لذلك توقعت ألا تسفر مثل هذه الجولات عن نتائج مهمة... إن لم تعمق من وجهات نظر الجانبين ما يزيد من حدة التوتر في المنطقة. إلا في حال ظهور إصرار في الموقف الأوروبي على فك الاحتكار الأميركي للتعامل مع ملف قضايا وأزمات الشرق الأوسط. وختمت بالقول انه إلى أن يتطور موقف أوروبي موحد في هذا الاتجاه فإن المتغير الأميركي سيواصل جهوده في احتكار ملفات وقضايا الشرق الأوسط ما يجعل التفاؤل بحلول السلام في المنطقة من ضروب الخيال وأضغاث الأحلام.

من جانبه طاهر العدوان في «العرب اليوم» الأردنية لخص ما يجري بأنه سباق بين أميركا وتنظيم «القاعدة» فالطرفان يهددان الأنظمة العربية... ورأى العدوان ان دعوات نشر الديمقراطية في العالم العربي التي تطلقها الولايات المتحدة منذ حوادث 11 سبتمبر لا تختلف عن دعوات بن لادن و«القاعدة» لإسقاط الأنظمة. موضحا ان الدعوتين لا تختلف عن بعضهما من حيث الهدف... والهدف ببساطة النظام العربي أو الأنظمة أو عدد منها بشكل أساسي.

ولاحظ العدوان، ان هذه الدعوات الصادرة عن طرفين متناقضين ومتحاربين تنشئ مثلثا على ساحة صراع واحدة الطرف الثالث فيه هو الأنظمة أو الحكومات المستهدفة بحرب التغيير من قبل كل من الولايات المتحدة و«القاعدة». أي اننا يقول العدوان، أمام حالة نشهد فيها سباقا بين أميركا و«القاعدة» (أو التنظيمات الأخرى ذات الجذور الشعبية) على من ينجح في التحكم بالأنظمة أو بنظام محدد بحسب مراحل المواجهة كما حدث ويحدث الآن في العراق

العدد 497 - الخميس 15 يناير 2004م الموافق 22 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً