تجارب العمل المؤسسي في الشأن البيئي على المستويين الوطني والدولي تؤكد الأهمية اﻻستراتيجية للبناء المؤسسي للإدارة البيئية في إحداث التغيير النوعي في إنجاز خطط العمل التنفيذي في شأن تنمية الوعي وبناء القدرات البيئية للمجتمع، ويرتبط مستوى فاعلية إنجاز أهداف المشروع البيئي بمدى ارتكاز منظومة البناء المؤسسي على مبدأ الشراكة وتنوع طبيعة أهداف ووظائف المؤسسات الداخلة ضمن منظومة نشاطه، وتأخذ معظم الدول والمنظمات الدولية هذا الجانب في الاعتبار في سياق عملها الإداري وتضعه ضمن أولويات استراتيجية نشاطاتها لإنجاز أهداف مشروعها البيئي.
البناء المؤسسي الرصين والمؤسس في بنى منهجياته وأهدافه وآلياته مطلب استراتيجي لإنجاز أهداف خطط تقويم السلوك البيئي للمجتمع، كأداة مهمة في صون معالم النظام البيئي وثروات الرأسمال الايكيولوجي، وذلك يتطلب توافر رؤية مؤسسة في بعدها الاستراتيجي المدعومة بالقرار السياسي الوطني البيئي المؤسس في وظائفه ومهامه والموجه في أهدافه ومنهجيات آلياته ومسئولياته، لتمكين الأطراف الداخلة ضمن منظومة نشاطاته من ابتكار المناهج، واتخاذ القرارات المسئولة التي يمكن أن تساهم في اﻻرتقاء بمستوى العمل التنفيدي البيئي، وتعضيد قدراته الإدارية وإمكاناته في إيجاد البدائل العملية التي يمكن أن تفيد خطط إنجاز الأهداف الاستراتيجية للمشروع الوطني في شأن بناء السلوك البشري، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
والبناء المؤسسي المعني ببناء السلوك البشري والتنمية المستدامة ليس محدود الوظائف والمجالات، ويدخل ضمن النظام المؤسسي للإدارة البيئية في مؤسسات القطاع الحكومي والخاص والمجتمع المدني في مجال نشاطه الداخلي، وضمن مجال العلاقات المشتركة للمؤسسات وفق نظام التعاون الثنائي، وأيضاً ضمن معادلة منظومة العلاقات المتداخلة للشراكة المؤسسية على مستوى النشاط الوطني الشامل، وفق مبدأ الشفافية في إبراز جهود المؤسسات الأخرى الداخلة ضمن منظومة العمل التنفيذي المشترك.
القراءة المتمعنة في مناهج تشخيص، بعد فوائد منهج تلك المعادلة التي اعتمد نظامها الإداري عدد من الدول للاستفادة منه في إنجاز مشروعها لتنمية الوعي وبناء القدرات البيئية، ساهم في حفز صناع القرار لاتخاذ القرار الموجه في تبني منهج التوحد القطاعي في العمل الإداري البيئي، كآلية متطورة للشراكة في العمل البيئي، ويمكن الاستناد في ذلك إلى نظام آلية عمل لجنة التوعية والتثقيف البيئي في الشارقة، وللنظام سابق الذكر أثره الإيجابي في تعزيز قدرات الإدارة البيئية، وتعميم المعارف والثقافة البيئية وجعلها ثقافة مجتمعية وتجذير مبادئ اﻻلتزام المسئول لمختلف الأطراف المؤسسية والمجتمعية في صون الرأسمال الإيكيولوجي، وحماية البيئة وتنميتها والمساهمة في ترسيخ قواعد الأمن البيئي الشامل.
منهج التوحد القطاعي في العمل البيئي كآلية متطورة للشراكة في بناء السلوك البشري وإنجاز أهداف التنمية المستدامة يضم في منظومته القطاعات المتنوعة في وظائفها ومهامها وتتمثل في قطاعات البلديات والبيئة والزراعة والثروة السمكية والتربية والتراث والصحة والشرطة والدفاع المدني والتخطيط والكهرباء والماء والأمن والسلامة والشركات ومؤسسات القطاع الخاصة المهمة ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في المجال البيئي والصحي، ويساهم ذلك التوجه في تعضيد قدرات العمل للتخطيط في بناء استراتيجية مؤسسة في أهدافها ومناهج عملها في اعتماد آلية تقييم مستوى الوعي البيئي لقطاعات المجتمع، ودراسة متطلبات خطط العمل التنفيذي لبناء السلوك البشري، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة.
البناء المؤسسي يمثل أولوية في استراتيجية القرار الدولي البيئي وركيزة محورية في منظومة القواعد الاتفاقية والمبادئ التوافقية، ويمكن الجزم على القول بأنه ليس هناك اتفاقية بيئية تخلو من القواعد المنظمة لآلية البناء المؤسسي الذي يتولى مسئولية تنظيم إجراءات إنفاذ اﻻتفاقية وتعزيز فاعليتها، وإدراكاً للأهمية الذي يتميز بها نظام التوحد القطاعي للإدارة البيئية في إنجاز أهداف المشروع البيئي، تبنى المجتمع الدولي منهج مراجعة الإدارة البيئية المعمول بها على المستوى الدولي والوطني للتمكن من بناء إدارة بيئية تجمع مختلف أطياف العمل المؤسسي، وتكون شاملة التمثيل، إذ يجري في مفاصل محددات مبادئ وثيقة ريو+20 التشديد على تعزيز الإدارة البيئية الشاملة.
والمجتمع الدولي في سياق العمل لتصحيح الإدارة البيئية يشير في المبدأ (75) من وثيقة ريو+20 إلى أنه يؤكد على (أهمية إيجاد إطار مؤسسي معزّز للتنمية المستدامة يستجيب على نحو متّسق وفعّال للتحديات الراهنة والمقبلة ويسدّ بكفاءة الثغرات الحالية التي تعتري تنفيذ جدول أعمال التنمية المستدامة. وينبغي أن يدمج الإطار المؤسسي للتنمية المستدامة الأبعاد الثلاثة للتنمية المستدامة بطريقة متوازنة، وأن يحسِّن التنفيذ بوسائل من بينها تعزيز الاتساق، والتنسيق، وتجنب ازدواجية الجهود، واستعراض التقدم المحرز في تحقيق التنمية المستدامة). ويجدد (التأكيد أيضاً على أن ذلك الإطار ينبغي أن يتسم بالشمولية والشفافية والفعالية، وأن يضع حلولاً مشتركة ذات صلة بالتحديات العالمية التي تعترض تحقيق التنمية المستدامة). وتعزيزاً لذلك يشير في المبدأ (76) إلى أن المجتمع الدولي يدرك (أن الحوكمة الفعّالة على الصعيد المحلي ودون الوطني والوطني والإقليمي والعالمي التي تمثّل أصوات ومصالح الجميع أمر بالغ الأهمية للدفع بعجلة التنمية المستدامة. وينبغي ألا يكون توطيد الإطار المؤسسي وإصلاحه هدفاً في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة).
التوحد القطاعي في العمل البيئي وسيلة للإنجاز، ومنهج مسلم بمنجزه الإيجابي في بناء السلوك البشري والتنمية المستدامة، ومن المفيد دراسة إمكانية الاستفادة من التجارب المؤسسية للدول، وخبرات الكادر الوطني في الشأن البيئي في اعتماد هذا النظام ضمن منظومة آلية عمل الإدارة البيئية.
إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"العدد 4969 - الخميس 14 أبريل 2016م الموافق 07 رجب 1437هـ