تمنعنا والدتي من البدء بالطعام قبل أن تصوره لتنشره فوراً أو لاحقاً على مجموعة واتساب العائلة، فيما يخشى أحد معارفي كبار السن من إحالته إلى التقاعد قبل عامين من الموعد المحدد بسبب عدم إجادته استثمار فيسبوك وتويتر في عمله، وهو ما أدى إلى انعزاله عن جو العمل، وأعرف أيضا رجل أعمال شابّاً يستخدم فقط حسابه على انستغرام لجذب زبائن لخدماته من كل دول الخليج العربي وتحقيق مبيعات يومية.
هذا غيض من فيض الدلائل على التأثير العميق لوسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، وكيف غيرت هذه الوسائل من سلوك المجتمع، وباتت لاعبا أساسيا في تشكيله العلمي والمهني والتجاري والفكري والثقافي.
لدينا في البحرين 700 ألف حساب «فيسبوك» و1.1 مليون «انستغرام» و200 ألف حساب على «تويتر»، فهل يمكن أن تشير هذه الأرقام المهولة في دولة لا يتجاوز عدد سكانها 1.2 مليون نسمة نصفهم مواطنون إلا إلى أثر كبير متنام للإعلام الاجتماعي على حياتنا؟
بعد كل ذلك تخرج علينا أصوات من هنا وهناك تريد إسكات هذه المواقع بدعوى أنها حرفت الجيل عن مساره، وأسهمت في تأجيج الفتن، وباتت مرتعاً للشائعات، أو أسهمت في تضييع الوقت، وانقراص في فقرات الرقبة لدى بعض المستخدمين، وأنا أقول: إن كل ما سبق صحيح.
لكن هل يمكن أن يكون الحل في حجب هذه المواقع فعلاً؟ وهل هذا الحجب ممكن بالفعل من الناحية العملية؟.
منذ أكثر من ثلاث سنوات نعمل في النادي العالمي للإعلام الاجتماعي على تكريس عادات الاستثمار الأمثل لمواقع الإعلام الاجتماعي، وتمكنّا من عقد عشرات ورش العمل والمؤتمرات والفعاليات بشكل منفصل أو بالمشاركة مع جهات الأخرى، وبحضور مئات بل وآلاف من الشباب البحريني خصوصاً، وذلك لهدف واحد كبير، وهو تعليم وتدريب هؤلاء الشباب على الاستثمار الأمثل للإعلام الاجتماعي، في التعليم والعمل والترفيه وغيرها.
حدث هذا في وقت بقيت فيه مئات الدراسات والأبحاث رهينة الأدراج - حتى المرموقة منها - مع الأسف، والتي غالبا ما أجريت لغايات أكاديمية فقط، ولقد حظيت مسألة تأثير وسائل الإعلام على المجتمع وتركيبته الثقافية باهتمام الكثير من المنظّرين البارزين، وشاركهم الحوار أيضًا أولئك الذين يرتبطون بوسائل الاعلام بشكل من الأشكال. ولا يختلف اثنان على تأثير وسائل الإعلام، غير أن مثل هذا التأثير ينجم عن صيغ مختلفة ودقيقة.
ومع تسارع التقدم التكنولوجي وزيادة دخل الفرد ومستوى المعيشة بشكل عام، سنتوقع تنامي تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المجتمع، ولا شك أن هذا يحمل معه شيئين: تحديات وفرص، وواجبنا هو تعليم بل وتشجيع الناس على مواجهة تلك التحديات واقتناص الفرص.
ليس باستطاعنا إيقاف سطوة مواقع الإعلام الاجتماعي على حياتنا، إنها قطار سريع جارف لن نتمكن من إيقافه بيدين عاريتين، والأفضل لنا أن نركب في أفضل عربة فيه.
إقرأ أيضا لـ "علي سبكار"العدد 4962 - الخميس 07 أبريل 2016م الموافق 29 جمادى الآخرة 1437هـ