مليونا إصابة بسرطان الجلد أمكن تجنّبها سنويّاً بسبب مصطفى كمال طلبة. هذا ما قالته مجلة «إيكونومست» في نعيها لهذا الرجل العظيم، الذي صنع «بروتوكول مونتريال» لحماية طبقة الأوزون.
حين حارب طلبة لمنع استخدام مواد «الكلوروفلوروكربون» المسببة لترقق الأوزون ووصول كميات ضارة من الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض، اعتبر معظم الناس أنه يخوض معركة فاشلة. فهذه المواد الكيميائية مستخدمة في صناعات حجمها بآلاف ملايين الدولارات، من الثلاجات إلى المكيفات. لكن العالم والديبلوماسي نجح في المهمة، عن طريق اتفاق دولي لم يتوقف عند وضع أهداف زمنية محددة لوقف استخدام المواد المضرة، بل أرفق هذا بتشجيع البحث العلمي لإيجاد مواد بديلة، وتأسيس صندوق دولي لمساعدة الصناعات في الدول الفقيرة في المرحلة الانتقالية.
مصطفى كمال طلبة رحل عن عمر 93 عاماً، بعد عقود من النضال لأجل البيئة. إنه مؤسس مفهوم الديبلوماسية البيئية العالمية، وليس فقط مؤسس برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب). هو مهندس المعاهدات البيئية الدولية الكبرى، والعالم والسياسي والمعلم والصديق.
مصطفى كمال طلبة والبيئة صنوان. فهو الذي حوّل العمل البيئي من شعارات وأمنيات أطلقها مؤتمر استوكهولم حول البيئة الإنسانية العام 1972، إلى معاهدات واتفاقات دولية. عمل مع موريس سترونغ على تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة العام 1973، ليتولى قيادته كمدير تنفيذي حتى العام 1992. وهو أول من وضع الادارة البيئية في إطار القانون الدولي، عن طريق إطلاق المعاهدات الدولية البيئية الناظمة، التي شملت قضايا الأوزون وتغير المناخ والتنوع البيولوجي ونقل النفايات الخطرة وغيرها. كان برنامج الأمم المتحدة للبيئة ذا موازنة محدودة، فعوّض طلبة عن ذلك بخلق قضايا يتحلق حولها العالم، وحوّلها إلى معاهدات وبروتوكولات.
عالم حصل على الدكتوراه من «إمبيريال كولدج» في جامعة لندن العام 1948، وشغل مناصب أكاديمية وسياسية رفيعة في مصر، منها وزير التعليم العالي والشباب ورئيس الأكاديمية المصرية للبحث العلمي والتكنولوجيا، قبل التحاقه بالأمم المتحدة.
كان معنا منذ اليوم الأول لانطلاق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، وترأس مجلس الأمناء التأسيسي للمنتدى، وله المساهمة الكبرى في تحديد توجهاته.
كان المعلم والمرشد، وحررنا معاً تقارير المنتدى الأولى عن وضع البيئة العربية، وظل حتى نهاية حياته يقدم المشورة بحماسة في جميع برامج «أفد».
عكف طلبة على كتابة مذكراته، التي نُشر جزء منها حول الشق المصري والسياسي في سلسلة «كتاب اليوم» لدار الأخبار المصرية. وهو خص مجلة «البيئة والتنمية» بالجزء حول البيئة، الذي نشرته حصريّاً مع الصحف المتعاونة في حلقات العامين 2013 و2014.
إذا كان لاتفاق الحدّ من تغير المناخ أن ينجح، فلا بد أن يسير على خطى مصطفى كمال طلبة في بروتوكول الأوزون: الديبلوماسية المدعومة بالعلم والتدابير المالية العملية.
لقد تعلمنا من طلبة الكثير، ولعل أهم ما تعلمناه منه في المفاوضات البيئية أنها تقوم على التسويات، كغيرها من المفاوضات. ومن يربح هو من ينجح في تقريب التسوية إلى وجهة نظره. وسلاح المفاوض البيئي الجدي العلم والقانون في إطار احترافي، لأن العمل البيئي ليس تسلية وهواية.
إقرأ أيضا لـ "نجيب صعب"العدد 4961 - الأربعاء 06 أبريل 2016م الموافق 28 جمادى الآخرة 1437هـ