حقاً، ماذا لو تحقق سيناريو كارثة اعتداء إرهابي نووي بواسطة قنبلة نووية قذرة بحوزة «داعش»؟ ماذا لو نفذت كوريا الشمالية تهديداتها شبه اليومية للجنوب الكوري حليف الولايات المتحدة بهجمات نووية مضادة واستمرت في إطلاق المزيد من صواريخها البالستية؟ ماذا وماذا؟
كثيرة هي الأسئلة والقضايا الأمنية التي أججت المخاوف، وأثارت الهواجس، ومثلت عناوين دفعت بالدول للمشاركة في قمة الأمن النووى، فمن حملة المداهمات بعد تفجيرات بروكسل الأخيرة؛ عثر في حوزة أحد المشتبه بهم الداعشيين على نحو عشر ساعات من المراقبة «التجسس» عبر الفيديو لمسئول نووي وأحد كبار علماء الطاقة النووية في بلجيكا، مما عظم مخاوف الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية لما يخطط إليه «الداعشيون» الغربيون من استهداف منشآت نووية غربية، حتى إن «نيويورك تايمز» ذكرت بأن السلطات البلجيكية نزعت بطاقات الدخول إلى بعض المرافق النووية من بعض العاملين غير الأساسيين في تلك المرافق، وطلبت منهم العودة لمنازلهم حتى إشعار آخر، وأشارت في الوقت ذاته إلى «رداءة نظام الرقابة على هذه المرافق في بلجيكا التي يتجذر فيها النشاط الجهادي».
أما الخطوة الاستفزازية الأخرى فتمثلت بإعلان كوريا الشمالية تفجير قنبلة هيدروجينية، قيل حسب التقارير؛ بأنها أحدثت هزات أرضية في مدن صينية حدودية وتشققات في مبانٍ عديدة. «المعهد الأميركي للجيولوجيا» بدوره أكد أن «زلزالاً بقوة 5.1 درجات على مقياس ريختر قد وقع على مقربة من مركز للتجارب النووية في منطقة كيلغواي الكورية الجنوبية حيث أجرت بيونغ يانغ تجارب نووية سابقة، الأمر الذي زاد من خشية تنفيذها لتجارب جديدة لاسيما بعد محاصرتها بفرض عقوبات دولية، في الوقت الذي لم تتوان روسيا في التعبير عن استنكارها من الحدث الذي اعتبرته انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، وقرارات مجلس الأمن الدولي»، ومنه فكل هذا وذاك دفع باتجاه عقد «قمة الأمن النووي»، السؤال: هل القمة أميركية أم أممية؟
ردع الإرهاب النووي
عقدت القمة الرابعة والأخيرة بواشنطن بين 31 مارس/ آذار و1 أبريل/ نيسان، الأخيرة لأنها ستتحوّل مستقبلاً إلى مؤتمر وزاري بشأن الأمن النووي، تترأسه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمرتقب عقده بمقر الوكالة بفيينا في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وشارك في القمة قادة ورؤساء دول ومسئولون من أكثر من 60 دولة، ومبعوثون وممثلون لمنظمات إقليمية ودولية متخصصة، فيما غابت باكستان وإيران وقاطعت روسيا التي تمتلك رؤوساً حربية وتتقاسم مع واشنطن 90% من الترسانة النووية العالمية، علماً أن القمة الأولى عقدت العام 2010 في واشنطن، والثانية في سيول بكوريا الجنوبية العام 2012، والثالثة عام 2014 في مدينة لاهاي بهولندا.
لا شك أن مكافحة الإرهاب النووي تمثل أولوية الأولويات في جدول أعمال القمة التي بحثت في خطر المنظمات الإرهابية كـ»داعش» وهجماتها الأخيرة في بروكسل، وسبل تعزيز إجراءات أمن المواد النووية، وما يدخل في صناعة القنبلة القذرة، وتجنب وقوعها في أيدي الأنظمة السياسية الخطرة، أو الجماعات الإرهابية وحماية المنشآت التي تحتوي مواد ومعدات نووية مشعة من اختراقهم، إلى جانب مناقشة إجراءات واستراتيجيات الردع للإرهاب النووي، ووضع سياسات تكبح جماح كوريا الشمالية ومتابعة تنفيذ إيران لبنود الاتفاق النووي.
وقد أوضحت المداولات مدى خطورة الأسلحة النووية في تهديد الأمن العالمي، كما كشفت مديرة مكافحة تهديدات أسلحة الدمار الشامل في مجلس الأمن القومي الأميركي لورا هولجيت عن وجود نحو 2000 طن متري من البلوتونيوم واليورانيوم عالي التخصيب الذي يدخل في تصنيع أسلحة نووية، إضافةً إلى آلاف الأطنان من المواد الانشطارية المخزنة تحت إجراءات أمنية غير مشددة، قد تتسبب في كارثة إنسانية ودمار شامل.
تقزيم الوكالة الدولية للطاقة
على رغم حرص روسيا على الأمن النووي، إلا إنها أثارت الشكوك بشأن جدوى القمة، وندّدت بالدور الطاغي والمهيمن الذي تلعبه الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وهولندا اللتين استضافتا القمتين السابقتين في إعداد الوثائق الرسمية، وما اعتبرته تمييزاً فاضحاً بحق دول أخرى. كما اعترضت على وثائق القمة الختامية الأخيرة التي ستستخدم كأساس لعمل منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والانتربول، ورأت إنها بذلك تنتزع سلطاتهم. في هذا الصدد ذكر الكرملين على لسان عدد من متحدثيه، بأن «الإعداد للقمة يتطلب جهوداً مشتركة تأخذ في الحسبان مصالح الطرف الآخر، وإن الجانب الأميركي لم يكن متعاوناً في دراسة المواضيع المدرجة على جدول الأعمال، وموسكو ترى بأنه تدخل خارجي غير مقبول في عمل منظمات دولية تملك خبرة كبيرة، وتعتمد على إجراءات ديمقراطية، خصوصاً مع إعداد تعليمات للوكالة الدولية والأمم المتحدة والانتربول وغيرها من المنظمات، بهدف فرض رأي مجموعة محدودة من الدول على هذه المنظمات، وعلى حساب آلياتها الخاصة في اتخاذ القرارات السياسية». وبالتالي فروسيا ترى ضرورة العمل على حماية الأمن النووي بالتوازي مع الوكالة التي لا تملك قدرةً على فرض القرارات على الدول النووية، وتجنب «خلق منظمة نووية جديدة» قد تتخذ قرارات قمعية تفرض نزع السلاح النووي لدول تراها واشنطن خطيرةً بحجة الأمن النووي.
كذلك وعلى رغم استخدام كوريا الشمالية كعصا غليظة بيد الصين وروسيا، ولطالما تلوّحان بها لكوريا الجنوبية واليابان وبقية نفوذ الولايات المتحدة المتنامي في منطقة آسيا والباسيفيك، حيث حاملات الطائرات والغواصات النووية الأميركية في بحر الصين الجنوبي، إلا أن الصين وروسيا على ما يبدو، طفح بهما الكيل من حلفائهما في بيونغ يانغ التي ترتكب المحرمات ولا تخطرهما بتجاربها إلا بعد التنفيذ، ولهذا فقد استنكر الصينيون والروس الفعل الكوري الشمالي، وأبديا غضبهما بعد تفجيرها لقنبلة هيدروجينية، وكانت إدانتهما رسمية وشديدة اللهجة، للمستوى الذي شككت فيه الصين بنجاح تجربة القنبلة الهيدروجينية، وقد صرح وزير خارجيتها قائلاً: «تعترض بكين بحزم على التجربة النووية الكورية الشمالية التي تجاهلت معارضة المجتمع الدولي، وتحض بقوة بيونغ يانغ على احترام التزامها بنزع السلاح النووي، ووقف أي عمل يزيد الوضع سوءاً». ولهذا فإن الصين جادةٌ في إقرار عقوبات رادعة شريطة عدم تهديد أمنها وأمن روسيا في حال قرّرت واشنطن نشر منظومة صواريخ «ثاد» المتطورة في كوريا الجنوبية والتي بدأت المفاوضات بشأنها».
خلافات ولكن
وعليه فواشنطن وبكين، وعلى رغم الخلافات بينهما بشأن قضايا متعددة كحقوق الإنسان وأمن الفضاء الإلكتروني والملاحة الدولية، إلا إنهما في القمة أكثر جدية وعزماً للتنسيق بينهما وتجاوز الخلافات بإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية ووضع حد للتمادي النووي لكوريا الشمالية، وذلك باتخاذ خطوات تنفيذية رادعة من شأنها شلّ فاعلية النظام والإطاحة به من الداخل. فقد سبق وخطط الأميركيون لضرب البلد عسكرياً؛ لكنهم أحجموا بسبب تحصينات كوريا الشمالية ووسائلها الدفاعية التي تتماهي وما تتمتع به من جغرافيا، حتى إن وزير الدفاع الأميركي السابق أشار إلى «أنهم يستخدمون الألياف الضوئية تحت الأرض للاتصال العسكري، وبالتالي يستحيل نشر الجواسيس في دولتهم، فهم متحسبون لأدنى إشارة، وحتى للهواء نفسه في السلم أكثر من الحرب». أما هيلاري كلينتون فكتبت مرةً: «إنه لا دواء مع كوريا الشمالية، إلا بتركها للتعفّن الذاتي، فهو السلاح الأمضى والأنجع، الذي يدفع بشعبها إلى الانفجار الشامل على سلطته الديكتاتورية الشاملة».
خلاصة الأمر، انتهت القمة إلى إقرار 260 التزاماً من قبل الدول المشاركة، بيد أن المحللين يشيرون إلى وجود ثغرات قانونية تتعلق بمدى التزامهم بقراراتها، وفرض عقوبات على غير الملتزمين، خصوصاً أن أقل من نصف الدول المشاركة وافقت على تأمين منشآتها ومخزونها من المواد المشعة، والخشية كل الخشية هو خلق بديل تفاوضي عن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ما يعني سيطرةً أحاديةً على العالم ومزيداً من الحروب والدمار.
إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"العدد 4960 - الثلثاء 05 أبريل 2016م الموافق 27 جمادى الآخرة 1437هـ
ماذا عن خطر امتلاك النظام الايراني الداعم الاول للارهاب في العالم على مثل هذا الشيء