أعلن الأديب والمسرحي سومرست موم في العام 1961 أنه قرّر التوقف عن الكتابة، والسفر في رحلة طويلة يزور فيها كل الأماكن التي كتب عنها واستوحى منها حكاياه ومسرحياته.
وأعلن موم في الفترة نفسها أنه عازمٌ على بيع جميع لوحاته التي اقتناها من كبار الفنانين في مزاد علنيّ، وتخصيص جزء كبير من ثمنها إلى جانب جزء كبير من ثروته، التي عُرفت بضخامتها، لمنح الأدباء الشباب فرصةً للسفر على حسابه؛ فقد كان يؤمن بأن للسفر وزيارة البلدان المختلفة فوائد جمة من شأنها أن تثري المخزون الفكري لدى المرء، وتصنع الكاتب الحقيقي من خلال ملامسته للثقافات المختلفة، واختلاطه بمختلف الأنماط البشرية. كما أنه كان يريد تجنيب الأدباء الشباب انتظار الصدف أو تسوّل متبنٍّ يتبنّى نتاجاتهم الفكرية والأدبية، وكان يريد لهم وضعاً أفضل مما عاشه. ولولا أن قامت ابنته بالتصدّي له وإجباره على التراجع عن فكرته، حتى كادت تحجر عليه، لكان قد فعل هذا لإيمانه بالشباب، ولرغبته بنشر الخير وحبّه للأدب والإبداع.
هذه المبادرة لم تكن محصورةً على سومرست موم، ولا على الغرب دون الشرق، إذ تبنّى بعض الأدباء والكتاب والمبدعين غيرهم من الشباب عن طريق تعبيد دروبهم للبدء في نشر إبداعاتهم، إما بشكل مادي أو معنوي، وما جعلني أتذكّر موقف سومرست هذا هو ما عرفته صدفةً عن أحد الأدباء في دولة شقيقة؛ كان يسعى إلى البحث عن الأدباء الشباب ويحاول مساعدتهم في نشر كتاباتهم ونتاجاتهم الأدبية ماداموا مبدعين، ولا يجعلهم ينتظرون كثيراً حتى تتكرّم هذه الدار أو تلك، لنشر كتابٍ لهم أو رواية. عرفتُ أنه يقوم بهذا سراً؛ إذ يتواصل مع الكاتب أو الأديب ويطلب منه نسخةً من كتابٍ جاهزٍ لديه، ثم يقدّر مبلغ طباعته، ويسلّمه النسخة المنقّحة مع ثمن طباعتها لتظهر إلى النور، ويطلب منه ألا يُعلم بهذا أحداً، وكانت الصدفة وحدها هي من أرشدتني لفعل هذا الأديب الإنسان.
وليس الأدباء وحدهم من يتبنّون هذا الفعل؛ إذ شرعت بعض دور النشر وبعض المراكز الثقافية الأهلية أيضاً في تبنّيها، إذا ما استثنينا الوزارات والهيئات الثقافية في بعض البلدان، باعتباره واجباً عليها تجاه أبناء بلدها، وما مبادرة دار مسعى للنشر والتوزيع «صندوق علي الصافي للإبداع الشعري» التي أطلقتها، إلا واحدة من هذه المبادرات التي تهدف إلى نشر نتاج الشباب الإبداعي وإظهاره إلى النور.
مثل هذه المبادرات التي تهدف إلى تشجيع الشباب من خلال نشر نتاجه الذي يستحق الظهور، تجعلنا نثق أن هناك من يفكّر في غيره، ومن يؤمن بالطاقات الشبابية التي من شأنها أن تثري الساحة الثقافية، وتضيف جديداً متميزاً لعالم الإبداع.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 4958 - الأحد 03 أبريل 2016م الموافق 25 جمادى الآخرة 1437هـ