مواقع الإعلام الاجتماعي هي مجتمعات يسكنها بشر بكل معنى الكلمة، يفكرون ويتأثرون، تنتابهم مشاعر الفرح والاكتئاب، يجيدون التعبير عن أنفسهم أحيانا ويفشلون في أحيان أخرى، يضعون أنفسهم ضمن مجموعات تشبههم، يتشاركون اهتماماتهم مع نظراء لهم قريبون أو بعيدون جغرافياً، يتفاعلون مع غيرهم، يؤثرون ويتأثرون.
والوصول إلى البشر سكان هذه المواقع بفاعلية يتطلب حرفية خاصة في الإرسال والاستقبال، والدخول معهم كجماعات وكأفراد في نقاشات مثمرة جذابة ذات معنى، تدفعهم في نهاية المطاف إلى رفع سماعة الهاتف أو القدوم إلى المحل وطلب المنتج أو الخدمة. وهنا أنا أتحدث عن النواحي التجارية.
كنا قبل سنتين أو ثلاثة شبه متفقين كخبراء إعلام اجتماعي على أن «المحتوى هو الملك»، أي ما تنشره من صور وغرافيكس وفيديو ونص وصوت هو الأكثر تأثيراً وأهمية في العمل على وسائل الإعلام الاجتماعي، لكن هذه المقولة تغيرت اليوم قليلاً، فمع أن المحتوى مازال يحتفظ بأهمية قصوى، إلا أن التفاعل أو «Engagement» بات يحظى بالأهمية القصوى، فما جدوى المحتوى الرائع دمن ون استثماره في توطيد العلاقة مع المستخدمين المستهدفين عبر إثارة نقاش مثمر حوله؟
خلال محاضرة قدمتها مؤخراً في جائزة «أفضل هوية تجارية في البحرين» نظمتها مجموعة أوريجين وشركة بوكسوبيا بدعم من تمكين، تحدثت عن كيفية استثمار وسائل الإعلام الاجتماعي في بناء الهوية التجارية، وكسب الولاء لها، ورفع قيمتها السوقية، وعرضت تجارب حول كيفية استخدام أفضل الماركات العالمية لوسائل الإعلام الاجتماعي.
لقد أصحبت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم تشكل واحدة من أهم وسائل الترويج للسلع والخدمات المختلفة، سواء للأفراد أو المؤسسات، حيث إن ما يزيد على نصف سكان الكرة الأرضية باتوا أهدافاً للحملات الترويجية، وذلك بعد الانتشار الكبير للتكنولوجيا والانترنت وسهولة الحصول عليه وقلة كلفته.
لكن من بين الأخطاء التي ترتكبها المؤسسات التجارية في الترويج لهويتها عبر وسائل الإعلام الاجتماعي هي معاملة تلك الوسائل على أنها لوحة إعلان طرقي أو صحيفة مطبوعة، حيث ترسل الرسالة الإعلانية وكأنها تطلق سهما في الظلام، لا تدري من هو الجمهور المستهدف بالضبط، ولا تتمكن من قياس الأثر والعائد على الاستثمار.
كما أن وضع الرسالة «البوست» ذاته على «فيسبوك» و «تويتر» و «انستغرام» وغيرها هو خطأ آخر، فكل وسيلة لها اعتبارها وجمهورها وطريقة استخدامها وتحقيق العائد الأكبر على هذا الاستخدام.
إن البشر، أو جمهور المستهلكين المستهدفين، على مواقع التواصل الاجتماعي يحتاجون إلى استراتيجية خاصة في مخاطبتهم، والتفاعل معهم، وفي مرحلة متقدمة يتم تمكين فريق التسويق والمبيعات من الحصول على صفقات تجارية.
هؤلاء البشر لن يتفاعلوا بأريحية إلا مع بشر مثلهم، فمستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لديه فضول لمعرفة الشخص الذي أرسل له الرسالة، وليس الشركة، هو يتوقع أن يرى بشراً مثله وهم يعملون على صناعة المنتج أو تقديم الخدمة، يتابع صفحاتهم الشخصية وأجواء العمل لديهم، وربما صور أبنائهم، عندها سيشعر أنه يعرفهم جيداً، وأنه يثق بهم، وبالتالي يثق بمنتجهم أو خدمتهم، ويبادر إلى طلبه.
إقرأ أيضا لـ "علي سبكار"العدد 4956 - الجمعة 01 أبريل 2016م الموافق 23 جمادى الآخرة 1437هـ