من الصعب الإلمام بكل العناصر عند التعامل مع عمق أزمة الثقة بين الغرب والشرق، وذلك بفضل إرث استعماري مازال حاضراً وأوضاع راهنة تسهم في تعقيد المشهد. لقد شهد الجزء الأول من 2016 سيلاً من العنف والدماء في كل من فرنسا وبلجيكا. لكن العنف مستمر في بلادنا العربية من اليمن لسورية والعراق وليبيا، ولا يوجد ما ينبئ بتوقف العنف حتى بعد أن تهدأ بعض الحروب، فكل نزاع في هذه المرحلة يفتح الباب لما قد يكمله. ويستمر الغرب كما والشرق في ملاحقة الدولة الإسلامية في العراق وسورية.
فتنظيم «داعش» مازال في حلبة النزاع بينما يخطط للأسوأ في المرحلة القادمة، وذلك لتخفيف حالة الاختناق المفروضة عليه. إن الظاهرة العنيفة التي تعم قطاعاً من المتطرفين الجهاديين مازالت تتطور.
ويمكن القول إن بعض السياسات العنصرية وسياسات العزل التي مورست بحق مسلمين في بعض العواصم الغربية لم تشمل بلجيكا، ومع ذلك تمثل مشكلة البطالة والشعور بفقدان القيمة بين الشباب المسلم البلجيكي قضية رئيسية بين عدد سكانها المسلمين البالغ 700 ألف من أصل 11 مليون مواطن. وهناك عوامل أخرى جعلت من بلجيكا مركزاً لتنظيم داعش، أهمها ضعف الدولة البلجيكية والتي تشبه دول البلقان في تشتتها الداخلي، فهي دولة فيدرالية لديها ثلاثة برلمانات، ولديها أربع لغات، البلجيكية واحدة منها، إلى جانب الفرنسية والألمانية ولديها أيضاً جهازا أمن منفصلان عن بعضهما البعض، وهي بالطبع مركز الوحدة الأوروبية.
في كل مرة يقع عمل كهذا يصلي الكثير من المسلمين في العالم بألا يكون الانتحاري عربيّاً أو مسلماً. وبطبيعة الحال فمن يقوم بهذه الأعمال مجموعات صغيرة تأكسدت بالغضب الذي يشعر به الكثير من الشبان العرب والمسلمين في العالم. هذا ليس بعيداً عن احتراب الشرق والغرب وإفرازات الاستبداد وحالة حقوق الإنسان العربي، وطبيعة الثقافة المنتشرة في الإقليم العربي، والنزيف غير المتوقف من جراء القضية الفلسطينية. هذا لا يعني عدم وجود اختراقات استخباراتية في بعض هذه المنظمات تسعى لدفعها للقيام بأعمال تؤدي لمزيد من العزل بين الغرب والشرق.
لقد أصبح استهداف المدنيين منهجاً لدى الجهاديين في العالم العربي والإسلامي. فالإرهاب يحاول هز سياسات حكومية وفرض قرارات مختلفة في الحرب والسلم، فهو في معركة حياة أو موت مع قوى أكبر منه، لهذا يبرر هجماته ضد المدنيين انطلاقاً من علاقتها بالتدخل العسكري الغربي تسليحاً ومشاركة في بلاد عربية، مما يؤدي لقتل مدنيين عرب في كل الأماكن. إن ضرب عواصم آمنة ودول ليست على التماس يثير أعنف ردود الفعل في العالم ويخسر المسلمين الكثير من قضاياهم، لكن بالوقت نفسه لقد أصبح العالم كله منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول خريطة واحدة للنزاع والصدام، فتلك الخريطة امتدت من أفغانستان للعراق ولدول كثيرة في الغرب. لا حل لهذه المشكلة في المدى القريب، فالإرهاب ظاهرة مستمرة في ظل درجة الاشتباك الذي يشهده العالم الإسلامي مع نفسه وشعوبه وبعض أنظمته ومع الغرب.
يبدو أن أوروبا والولايات المتحدة ستميل بعد حين للانسحاب من منطقتنا. فالخيارات تزداد صعوبة، هذا التراجع سيعني ترك الصراعات الإقليمية، وقد يكون هذا في جانب منه هدف الإرهاب. سيترك الغرب المنطقة لمنطقها، على أمل أن تداوي جراحها. هذا يعني في الترجمة العملية دوراً يزداد قوة للدول الإقليمية وللتيارات العربية والإسلامية العابرة للإقليم، أكانت تلك القائمة الآن أم التي قد تتشكل في المستقبل. وضع كهذا لن يكون في المدى البعيد لمصلحة إسرائيل التي تتطلب وجوداً دوليّاً وغربيّاً وأميركيّاً دائماً. القوى العربية أكانت شعبية أم رسمية، ومهما وصلت في درجات صراعها، ستضطر في لحظة تاريخية محددة لاكتشاف صيغ جديدة واتفاقات منظمة للعلاقات. لن يقع السلام في إقليمنا بلا معادلات جديدة تكتشف طريق البناء السلمي والحقوقي لكل الشعوب والأقاليم والأوطان.
إقرأ أيضا لـ "شفيق الغبرا"العدد 4955 - الخميس 31 مارس 2016م الموافق 22 جمادى الآخرة 1437هـ
هؤلاء لا هم جهاديين ولا علاقة لهم بالجهاد. هؤلاء غالبيتهم فكر مضلل ومركوب لأجل غايات صنعتها بعض الأنظمة لكي تبقى اطول مدة فحرّفوا الدين ومعنى الجهاد وضحكوا على هؤلاء البهائم وساقوهم للموت سوقا، وبقي السياسيون في القصور ينظّرون ويكيلون الاموال لشيوخ الضلال والفتنة من اجل تحريف اقدس الرسالات السماوية.
الغرب وجد ضالته ايضا في مثل هؤلاء الدّبش لينشب النزاعات المسلحة وذلك بهدف انعاش سوق السلاح هذا كل ما في الامر