محادثات بروكسل في (18 مارس/ آذار 2016) بين دول الاتحاد الأوروبي وتركيا بشأن أزمة اللاجئين الدولية، انتهت باتفاق صبَّ في مصلحة تركيا، على حساب جميع القضايا الأساسية الجوهرية المتعلقة بأوضاع المهاجرين واللاجئين، وضمانات حقوقهم المشروعة في البحث عن ملاذات آمنة، تحميهم من جور وظلم الأنظمة السياسية الدكتاتورية، التي تظل تضطهد شعوبها وتحرمها من أبسط حقوق المواطنة المشروعة.
وفيما كانت الفرحة بتوقيع الاتفاق الأوروبي ـ التركي، بشأن الهجرة العالمية، والذي وصفه رئيس وزراء تركيا، أحمد داوود أوغلوا بـ «التاريخي» تغمر وجوه الموقعين عليه، في بروكسل عاصمة دول الاتحاد الأوروبي، على رغم بعض مشاعر القلق، التي اعترت نفوس عدد من زعماء الاتحاد بشأن احتمالات تعرض الاتفاق إلى تحديات قضائية ـ بحسب ـ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أو بسبب سجل تركيا السيئ في مجالات حقوق الإنسان، ارتسمت علامات الحزن على شفاه ملايين الأشخاص الفارين من جحيم الحروب الضروس، والنزاعات المسلحة في بلدانهم، وينتظرون بلهفة شوق عارمة على طول وعرض ضفاف البحر الأبيض المتوسط، أية فرصة ذهبية سانحة للعبور إلى «جنة الأحلام» المزدهرة في أوروبا.
إحدى النقاط الأساسية المهمة في الاتفاق هي العمل على إعادة جميع المهاجرين واللاجئين الذين تطأ أقدامهم الأراضي اليونانية مباشرة إلى تركيا في حال رفضت السلطات الأوروبية طلباتهم المقدمة بشأن اللجوء، وكذلك أن تقوم دول الاتحاد الأوروبي بتوطين اللاجئين السوريين الذين يقيمون فعلاً في تركيا، وتقدر المصادر الاوروبية عددهم بأكثر من 73 ألف لاجىء، لكن باستطاعة جميع هذه الدول أن تتخلى عن قرار التوطين في حال تجاوزت أعداد اللاجئين المعادين إلى تركيا السقوف المطلوبة. وذلك في مقابل أن يقوم الاتحاد الأوروبي، بتلبية جميع احتياجات تركيا المالية من أجل تغطية النفقات العامة للاجئين، ومراجعة ملف أنقرة القديم والمعقد، بشأن حصولها على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي.
لكن ما اعتبره الزعماء الأوروبيون أنه «انتصار» حقيقي في معركة البحث عن حلول موجبة بشأن أزمة اللجوء في أوروبا، قد لا يتعدى كونه ناتجًا عن وجود بنية تحتية متهالكة في القرار الموحد الأوروبي، استغلته أنقرة من أجل تحقيق طموحات أوسع على المستويين السياسي والاقتصادي، بعد أن ظلت على مدى عدة عقود مضت تلهث وراء أوروبا، بشأن اندماجها في السوق المشتركة الأوروبية ولاحقاً في عضوية الاتحاد الأوروبي.
منظمة العفو الدولية المدافعة عن حقوق الانسان، من جانبها، انتقدت جوانب كثيرة وحساسة من ذلك الاتفاق، واتهمت زعماء دول الاتحاد الأوروبي بـ «النفاق» إلى أنقرة، التي ظلت تستغل الوضع الصعب في أوروبا، من أجل تحقيق تطلعاتها ومآربها المنشودة، وذلك من خلال إعلان الاتفاق بينهم، والذي يظل بصيغته الحالية يحرم ملايين المهاجرين واللاجئين من بعض حقوقهم الأساسية الجوهرية.
وقالت إن حكومات الاتحاد الأوروبي، مازالت مصممة على التنصل من أزمة اللاجئين الدولية. وهي في واقع الأمر حكومات ظلت على امتداد عقود من الزمن تتفاخر بحماية أوضاع اللاجئين والمهاجرين، انطلاقا من احترامها القوانين الوطنية والأوروبية وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وقال جون دالهويسن، مدير شئون أوروبا وآسيا الوسطى في منظمة العفو الدولية: «إن الوعود والتعهدات كافة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي بشأن احترام القوانين والإجراءات الوطنية الأوروبية والدولية والتقيد بها «تبدو وكأنها بمثابة غلاف من السكر يرسو على مادة سم السيانيد، الذي أجبر مبدأ حماية اللاجئين في أوروبا على تجرعه وابتلاعه».
وأضاف «إن ضمانات الالتزام والاحترام الكامل للقانون الدولي، لا تتماشى مع إعادة جميع اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، الذين يصلون إلى الأراضي اليونانية إلى تركيا»، مشيراً إلى أن الأخيرة لم تعد حاليا بلدا آمنا للمهاجرين واللاجئين، وأن أي اتفاق يكون مستندا إلى قرار إعادة اللاجئين والمهاجرين بشكل تعسفي سينظر إليه بنظرة «معيبة وغير قانونية وغير أخلاقية».
إقرأ أيضا لـ "هاني الريس"العدد 4954 - الأربعاء 30 مارس 2016م الموافق 21 جمادى الآخرة 1437هـ