عمل في مصر 21 شركة في مجال الخدمات المالية أبرزها المجموعة المالية "هيرميس"، "سي آي كابيتال"، "إتش سي"، "إتش إس بي سي"، "برايم"، "بايونيرز القابضة"، و"النعيم القابضة"، ويتم ترخيص شركات الخدمات المالية لتقوم بعدة خدمات أبرزها الوساطة وأمانة الاستثمار وإدارة الاستثمار والاستشارات المالية وإدارة الإصدارات والتمويل على الهامش وخدمات مالية أخرى، ويعد قطاع الخدمات المالية هو الأكثر حساسية في الاقتصاد المصري؛ نظرًا لقدرة هذا القطاع على اختراق كافة البيانات الاقتصادية والاطلاع على الصفقات التي تجري داخل الدولة، فضلاً عن أن القطاع هو الأكثر استقرارًا في الاقتصاد المصري حتى الآن على الأقل.
القصة بدأت منذ عشر سنوات تقريبًا عندما أراد نجيب ساويرس صاحب مجموعة شركات أوراسكوم المتعددة التي تعمل في مجالات وقطاعات مختلفها لعل أبرزها الاتصالات، الفنادق، التشييد والتطوير العقاري، الإعلام والإنتاج، منافسة أكبر شركة في مجال الخدمات المالية وهي "هيرميس" ولكن كثير من محاولاته باءت بالفشل، وفي عام 2014 حاول أن يشتري 20% من الشركة نفسها ولكن أخفق مرة أخرى.
لذلك يسعى ساويرس اليوم في ظل عرض الدولة للعديد من الشركات والبنوك لخصخصتها أو بيعها في البورصة للظفر بحصة الأسد منها، ما يمكنه من بناء كيان منافس لشركة هيرميس يحاول الاستحواذ على شركات الخدمات المالية التي تعاني من ضغوط مالية وتريد تصفيتها وبيع أسهمها بنسبة 100%.
وبالفعل ففي خلال 3 أشهر فقط استطاع ساويرس الاستحواذ على شركة دايناميك لتداول الأوراق المالية ومن ثم استحوذ على شركة بلتون المالية بقيمة 83 مليون دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني في العام الماضي، واليوم تجري مفاوضات حثيثة من قِبله للاستحواذ على شركة "سي آي كابيتال" المملوكة للبتك التجاري الدولي في صفقة قد تتجاوز 118 مليون دولار؛ حيث أعلن البنك عن تلقيه عرض شراء من قِبل شركة أوراسكوم للاتصالات بنسبة 100% وقد أفصحت الشركتين المدرجتين في البورصة المصرية للإدارة تفاصيل عملية الاستحواذ وما جرى بينهما من مراسالات.
البنك التجاري المملوك من قِبل صناديق أمريكية ودولية من جهته وافق على الصفقة إلا أنها لم تنفذ حتى الآن بسبب معوقات وتعنت ظهرت في الأيام الماضية من قِبل الحكومة، بالإضافة إلى ظهور خلاف مع محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر الذي تنبه لنوايا ساويرس في بناء لوبي اقتصادي سياسي في البلد، فدفع البنك "الأهلي المصري" الحكومي لتقديم عرض للاستحواذ على "سي آي كابيتال" من أجل قطع الطريق على ساويرس، ولكن إجراء طارق عامر جاء متأخرًا حيث كان البنك التجاري الدولي قد أجرى "ترتيبات " مع ساويرس دفعت البنك التجاري إلى وضع عراقيل أمام استحواذ البنك الحكومي على "سي آي كابيتال".
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية أحمد طلب لـ "نون بوست": "لاشك أن تفاقم الأزمة بين رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، ومحافظ المركزي المصري تضر بالمناخ العام للاستثمار في البلد الذي يعاني أصلاً منذ ثورة 25 يناير، لكن أتوقع أن تتم صفقة شراء ساويرس لسي.آي. كابيتال التابعة للبنك التجاري الدولي في النهاية، رغم تبادل الاتهامات بين الطرفين، فضغط ساويرس دائمًا ما ينجح، وذلك في ظل عدم وجود قوانين اقتصادية في مصر تفصل في هذه الأمور، وإن صح قول ساويرس بأن هناك تعنتًا حكوميًا بعدم إتمام الصفقة، فهي وبلا شك رسالة سلبية جدًا للاستثمار الداخلي والخارجي، وستضر بالقطاع المصرفي بنسبة كبيرة وخاصة بعد الشبهات التي تثار حول القانون الذي أصدره المركزي بشأن تحديد مدة رئاسة البنوك بـ 9 سنوات، وعدم الموافقة على تعين هشام رامز نائبًا لرئيس مجلس الإدارة وعضوًا منتدبًا للبنك التجاري الدولي، كل هذه الأمور تصنع صراعات داخل القطاع الذي يعد أكثر القطاعات تماسكًا بالاقتصاد المصري خلال السنوات الأخيرة".
وأكد ذلك أيضًا مصدر لرويترز رجح "أن تمضي الإجراءات كالمعتاد والحصول على موافقة الرقابة المالية على الصفقة، وخلال الفترة المقبلة القصيرة نتوقع نجاح الصفقة".
أما رد ساويرس على تعنت الحكومة على صفقة الاستحواذ قال فيه إنه إذا استمر هذا التعنت فهو ينوي التوجه للاستثمار في الخارج، وأردف "أرض الله واسعة".
ما هي شركة سي آي كابيتال؟
هي شركة تابعة للبنك التجاري الدولي مصر، ويعاني البنك من ضغوط مالية وينوي بالفعل بيع بعض من الشركات الاستثمارية التابعة له ومنها سي آي كابيتال والتركيز على نشاط الخدمات المصرفية التجارية والتي تشمل قطاعات ائتمان الشركات والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وخدمات التجزئة المصرفية وقطاع الصيرفة الرقمية التي يركز عليها البنك، وتستحوذ شركة "سي آي كابيتال" على نحو 12% من سوق الخدمات المالية المصرية، ويتبعها 4 شركات تعمل في أنشطة إدارة الأصول والسمسرة وبنوك الاستثمار، ومن بين الشركات التابعة شركتين للسمسرة في الأوراق المالية "التجاري الدولي" للسمسرة، و"دايناميك" للسمسرة.
كما يتبعها شركة "سي آي استس مانجمنت" لإدارة الأصول، والتي تدير أصولاً بقيمة 10 مليارات جنيه، منها 8 صناديق يبلغ حجم استثماراتها نحو 6 مليارات جنيه، وتمتلك شركة سي آي كابيتال لترويج وتغطية الاكتتاب، فيما تدير بلتون أصولاً حكومية وغير حكومية تصل إلى 35 مليار جنيه ما يقدر بـ 4.47 مليارات دولار.
ماذا يعني كل هذا؟
يشير خبراء في أسوق المال أن استحواذ ساويرس على دايناميك وبلتون ومن ثم سي آي كابيتال يكون بهذا وضع يده على أكثر من 25% من سوق الخدمات المالية في مصر؛ وهذا يتيح له معرفة ولو نسبيًا على كواليس الاقتصاد المصري، ويعد هذا بالنسبة له خطوة أولية في منافسة الشركة الأكبر في الخدمات المالية "هيرميس".
شركتا بلتون وسي آي كابيتال تديران صناديق حكومية وأخرى مملوكة للبنوك الحكومية فضلاً عن الصناديق الأجنبية ليصل إجمالي ما تديره من أصول إلى أكثر من 45 مليار جنيه، كما أن ساويرس كان قد أسس حزب المصريين الأحرار وفي انتخابات 2015 حصل على 65 مقعدًا في البرلمان المصري وبهذا يحقق ساويرس نفوذًا سياسيًا واقتصاديًا على حد سواء تمكنه من استكمال إمبراطوريته الاقتصادية على أسس تبدو في الظاهر منطقية من وجهة نظر الاقتصاد.
ولكن آخرين يشككون في خطوات ساويرس في ظل أزمة حقيقية تواجه الدولة في عدة قطاعات منها السياحة والاستثمارات الأجنبية وإيرادات قناة السويس وانخفاض قيمة الجنيه، حيث سيعمل ساويرس على خلق "لوبي اقتصادي سياسي" قد يمكنه من استخدام البرلمان في تمرير قوانين تخدم مصالحه الخاصة فقط، ويعترض على تشريعات يرى أنها تضر بمصالحه.
الخلاصة أن استحواذات ساويرس هي استثمار سياسي بطعم الاقتصاد يفيده من جهة في توسعة إمبراطورية أوراسكوم وتنويع استثماراته، ومنافسة شركة هيرميس، كما أن هذه الاستحواذات قد لا تتم من خلال دفع مبالغ نقدية منه مباشرة ولكن عن طريق أخذ قروض من البنوك الأخرى وتسهيلات ائتمانية يحصل عليها، لتغطية تكلفة الاستحواذ ومن ثم يقوم بتغطية هذه القروض من خلال أرباح وعوائد تلك الشركات، ومن جهة أخرى قد يعمد من خلال أصواته في البرلمان لتمرير مشاريع لصالحه الخاص ورفض أخرى تضر به، ولهذا يجب على الحكومة أن تضع قوانين تتصدى لهكذا أفعال قد تصدر من رجال الأعمال.