أحتفظ بتسجيل صوتي للراحل سماحة العلامة السيدجواد الوداعي (1923 - 2016) هو من بقايا مرحلة شُغلت فيها بجمع كل ما يتعلق بشخصيته رحمه الله، وفي التسجيل يتحدّث عن أمنيته في تحويل مكتبته الشخصية إلى «وقف» ينتفع به أهل العلم. وفي سياق حديثه قال إنه يرغب في أن يرى هذه المكتبة في مبنى مستقل يقع في ثلاث أدوار وذلك في منطقة «رأس الرمان» في أرضٍ يبدو أنه يملكها. وقال إن المكتبة ستحمل اسم «مكتبة السداد» تيمناً بالكتاب الفقهي المعروف للعلامة الشيخ حسين بن محمد آل عصفور (ت 1802م) «سداد العباد ورشاد العبّاد»، وهو ذاته الاسم الذي حملته المكتبة الشخصية القابعة الآن في الدور الثاني من منزل العلامة الوداعي.
المكتبة والتراث الخطي
الذي أعرفه أن العلامة الوداعي كان قد رعى شخصياً مشاريع علمية مماثلة في النجف الأشرف؛ فقد تعاون مع رفيق عمره الشيخ باقر شريف القرشي (ت 2012) في إنشاء صرح «مكتبة الإمام الحسن العامة»، وساهم مادياً ومعنوياً في تحوّل هذا المشروع من مجرد فكرة إلى مشروع قائم على الأرض يكبر يوماً بعد يوم. وكان العلامة الوداعي مُطلّعاً بشكل تفصيلي على كل ما يرتبط بتطورات المكتبة والتحسينات التي أدخلت عليها، وليس سراً أن أغلب كتب الشيخ القرشي في مجال السيرة كان قد تكفّل بطباعتها الوداعي نفسه.
وتحوي مكتبة الوداعي ما يزيد على 8000 كتاب مطبوع في مختلف حقول المعرفة، ولا تقتصر على كتب الديانات أو الأحكام الفقهية، بل تشمل كتب الشعر والأدب القديم والحديث، وكتب التربية والاجتماع والفكر والتاريخ. كما أن هناك ركناً خاصاً بالمخطوطات التي ورثها الوداعي عن جدّه لأمه السيدعلي الوداعي (ت 1955)، وقد شاهدتُ أثناء تفقدي للمكتبة عدداً من الكتب منها كتب خطية استنسخها السيدعلي الوداعي بخطّه، أبرزها كتاب «معتمد السائل» للعلامة الشيخ عبدالله الستري (ت 1851). وقد أكّد لي العلامة الوداعي أن المكتبة تتضمن مخطوطة لكتاب «المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية»، وهي نسخةٌ كان الراحل يتحدّث عنها باعتزاز بالغ. ناهيك عن احتواء المكتبة لمراسلات خطّية جرت بين الجدّ السيدعلي والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ت 1954)، المرجع الديني في عصره، حول بعض المشكلات السياسية في المنطقة.
التراث الصوتي
في مرحلة مبكرة من حياته، أخذ العلامة السيدجواد الوداعي مقدّمات الخطابة الحسينية عند الشيخ محمد علي آل حميدان (ت 1954)، وكان واضحاً شغفه المبكر بالخطابة والوعظ منذ بداية انخراطه بطلب العلم في مرحلة اليفاعة، لكن صلته بالمنبر كخطيبٍ ظلّت مرتبطةً بمواسم شهر رمضان، حيث كان يقرأ في منطقة رأس الرمان والديه وباربار والبلاد القديم والنُعَيم.
وقد ذكر لي الراحل أنه قرأ مجالس عند الحاج أحمد بن سلمان الغتم في منطقة رأس الرمان ما يقرب من عشر سنوات خلال ليالي شهر رمضان، ثم قرأُ - كما نقل لي الحاج أحمد الترانجة - في مأتم الترانجة في قريتي النعيم والديه مدّة 38 سنة، كما قرأ في البلاد القديم بمجلس الحاج علي بن إبراهيم السماك، وفي مأتم الوداعيين في قرية باربار، خلال موسم عاشوراء لمدّة 4 سنوات.
وكان يشاركه قراءة هذه المجالس نجله الأكبر السيدعلوي الذي كان «صانعاً»، و «الصانع» هو من يقرأ الأبيات الحسينية في مطلع المجلس بطريقة شجيّة. وقد أخبرني السيدعلوي نفسه أنه يملك عدداً كبيراً من أشرطة كاسيت تحتوي على مئات المحاضرات للوداعي في مجالسه طيلة هذه السنوات، وفيها يظهر «براعة علمية وإحاطة بأحداث التاريخ الإسلامي» كما ينقل نجله الأكبر علوي.
والمطلوب الآن التعجيل في «رقمنة» هذا التراث الصوتي تلافياً لضياعه أو تلفه بسبب سوء التخزين وحالات الطقس الحار التي تعمل على تدمير محتويات أوعية المعلومات التقليدية.
الوثائق المتعلقة بحياته ومواقفه
لاشك في أن هناك الكثير من الوثائق والبيانات الخطية التي شكّلت حصيلة مسار التجربة الحياتية الغنية والزاخرة بالأحداث والمواقف التي اتخذها العلامة الراحل خلال القرن الماضي، وأرى من المناسب البدء الفوري بجمع كل هذه الوثائق وتوفير سبل حفظها وإتاحتها أمام الباحثين والمهتمين بدراسة تاريخ البحرين ودور شخصيات البلاد وإسهاماتها الريادية في مختلف الميادين، ولعل هذا الأرشيف - فيما لو قُدّر له الجمع وحسن التنظيم - من شأنه أن يستحثّ الباحثين ويشجّعهم على تقديم دراسات أكاديمية وتاريخية أصيلة وغير مسبوقة في مجالها.
أخيراً، ما أتمناه هو أن نتجاوز جميعاً وقع الحدث عاطفياً، فالعواطف شعورٌ داخلي وغير إرادي ينبعث من أعماق النفس ولا يترتب عليه أدنى مسئولية، والمطلوب تجاوز الحالة والتعامل بحرص ومسئولية وواقعية أكبر مع تراث الرجل وتاريخه ومواقفه ومدى تأثيره على مجرى الأحداث التي عاصرها، وهذا ما لا يتم إلا عبر مبادرات عمليّة طموحة تعمل على إدامة مشروع الراحل وتُبقي على مكتسباته الباقية عوض الاكتفاء بترديد عبارات المديح وتدبيج صيغ التوقير التي درجنا عليها بعيد رحيل الشخصيات الكبيرة، دينيةً أم سياسيةً أم فكريةً؛ فالتعامل الطقسي الباهت يُفرغ أي رسالة أو مشروع لمثل هذه الشخصيات من مضمونها الحقيقي، ويحدّ بالتالي من قدرتها على تمثيل النموذج المحفّز على المبادرة والعمل والإنجاز.
ثلاثة وتسعون عاماً، قد تكون ومضةً سريعةً في عمر الزمن، لكنها أيضاً قد تشكّل منطلقاً للتراكم المنتج الذي يثري حياتنا ويخدم وجودنا الإنساني، ذلك الوجود المرتبط بقيم الخير والعطاء والفضيلة... وكلها روافع للارتقاء بالإنسان كما وعاها الراحل وعاشها طيلة حياته المباركة.
إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"العدد 4952 - الإثنين 28 مارس 2016م الموافق 19 جمادى الآخرة 1437هـ
دائما
دائما بعد وفاة الشخصية تجري مثل هذه الأمور في محاول تخليد ذكراه وأعماله، بينما لا يكون ذلك التحرك الجدي أيام حياته
السيد جواد الوداعي
كان السيد شغوفاً بالقراءة حتى عندما ضعف بصره كان ابناءه واحفاده يقرأون الكتب له وكان يفهمها فهمت تاما وينقاشها
رحمة الله عليه
آلمنا فراقك سيدي
سردت فأجدت فبارك الله فيك
شكرا لمرورك
الونيس
الى رحمة الله الواسعة الفاتحة
علما نافعا وأخلاقا عالية ودروس في الورع ومحبة في قلوب المؤمنين ذلك وغيره من القيم الرفيعة التي تركها خلفه هذا العالم الجليل وهذا لن يضيع عند الله فما كان لله ينمو ويبقى ويستمر... رحمك الله يا ابن الرسول رحمة الابرار
شكر وتقدير
شكرا لكم أيها اﻷستاذ الكبير على هذه اﻹضاءة على جانب من حياة العﻻمة السيد جواد الوداعي - رحمة الله - وباﻷخص مشروع المكتبة الحلم الذي نتمنى أن يرى النور سريعا .
بارك الله فيكم وفي قلمكم الرشيق
شكرا للكاتب
الف رحمة ونور تنزل عليك ياسيدنا الجليل
العلامه سيد جواد
كلمة واحده لن ولم اثنيهاعالم جليل بحمل آيات من العلم الكثير الله يرحمك أردت ان اكتب الكثير لن اوفي ولكن اكتفي وأقول افجعتنا برحيلك يا ابو هاشم لو عرفت منزلتك في قلوب من هتفو بأسمك ومشو وراك لتقول لهم ها أنتم كرماء وانا استاهلكم رحمة من رب العباد ورحمة من رب العباد
كفيت ووفيت تحفه سوف تتم لنا ونورك لم يخذلنا ولم يفارقنا سوف تبقى في قلوب من احبوك وجالسوك فرحمة لك