يوم الثلثاء الماضي كنت على وشك المغادرة إلى مطار هيثرو بلندن للتوجه إلى بروكسل لحضور اجتماع دولي أكاديمي مصغر بشأن «مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان». جاءني اتصال من شركة الطيران يبلغوني فيه إلغاء الرحلة بسبب التفجيرات التي وقعت في مطار بروكسل ومحطة قطار بقلب العاصمة البلجيكية، والتي سقط فيها عشرات الأبرياء بين قتيل وجريح. بالطبع لبلجيكا خصوصيتها في هذه المسألة، وليس هذا موضوعنا.
بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في أميركا، حصلت الولايات المتحدة على تعاطف دولي بسبب سقوط ضحايا أبرياء، وأعلنت أميركا «حرباً كونية على الإرهاب»، محلياً تم تأسيس «وزارة الأمن الداخلي، وقانون باتريوت»، ودولياً تم نسج تشريعات دولية «لمكافحة الإرهاب»، وصدرت قوانين خاصة بذلك في نحو 90 دولة.
وقامت أميركا، في إطار تحالف دولي، بغزو أفغانستان، وأتبعت ذلك، دون مشروعية دولية، بغزوها للعراق، في إطار محموم من «عقيدة المحافظين الجدد» المتطرفة، وأعلنت محوراً للشر، و«إما معنا أو ضدنا». وفي 2013 أعلنت أبرز الجهات الأميركية أن غزو العراق كان أسوأ قرار في تاريخ السياسة الخارجية الأميركية، بل وذهبت أرجح الآراء إلى أن ذلك الفعل لعب دوراً أساسياً في تصاعد الإرهاب.
أما في الشرق عندنا، حيث توجد المشكلة، زاد التطرف، وانطلق «داعش» ليعلن استنساخاً جديداً لـ «القاعدة»، ويصبح له أرض ينطلق منها، ويعزّز وجوده، برعاية إقليمية ودولية، أو غض طرف، أو تساهل في التعامل. منطقتنا ودولنا عموماً اندفعت في التجاوب مع التشريعات الدولية المتشددة، مع أن التشريعات والإجراءات القمعية ضد الناس هي من واقع الحال، ولكن لم لا يصبح للقمع مشروعية دولية؟. أصبح لمعظم أنظمة المنطقة متطرفوها وإرهابيوها، يتم استخدامهم حين الحاجة أو غير الحاجة. وأصبحت المنطقة مزدحمةً بالتدخلات الأجنبية، والحروب، وتفريخ المنظمات المتطرفة التي قد تكون تعمل لحسابها، وصار لدينا إرهاب خاص وإرهاب عام.
مازالت المنظومة الدولية والإقليمية تتعامل باستهتار مع واقع الحال المتردي، ومازالت تنطلق من منطق القوة، لا من منطق كرامة الإنسان، والأدلة تدل على فشل مكعب.
في مؤتمره الصحافي، الذي عقده رئيس وزراء بلجيكا للتعليق على الأحداث الدامية في بلاده، قال: «إننا في حالة حرب طويلة مع الإرهاب». فأين ذهبت الحرب الكونية على الإرهاب، التي أعلنتها أقوى دولة في العالم قبل خمسة عشر عاماً؟ أما آن الوقت لمراجعة أدبياتها وأدواتها ومكوناتها وفشلها في تحقيق أهدافها؟
أقول هذا، والحزن عميق على أرواح الأبرياء، الذين تسيل دماؤهم فقط لارتكابهم جريمة ركوب طائرة أو قطار، ألا قاتل الله الجهل والأنانية والغرور.
إقرأ أيضا لـ "غانم النجار"العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ
الأبرياء يدفعون ثمن خيانة السياسيين الكبار للقيم والأخلاق والتي داسوها أمام بريق المال في صفقات السلاح ودعم الدول المصدّرة للإرهاب