الاسم: روبرت موغابي. العمر: (92 عاماً). الحالة الاجتماعية: متزوج. الوظيفة: رئيس جمهورية زيمبابوي. الأوصاف: طوله رَبْعَة، مع بُنيَة سليمة، جَعْد الشعر، ذو بشرة داكنة، وحاجبين كثيفين، وعينين زجاجيتين صغيرتين، وشارب منتوف في طرفيه، يعلوه أنفٌ بمنخرين عريضين لكنه طويل.
تساءل كثيرون: كيف استطاع موغابي أن يُحافظ على صحته ويمتد به العمر إلى حيث الثانية والتسعين؟ موغابي يستيقظ في الرابعة صباحاً ولم يترك الرياضة قَط في حياته (الكريكيت والتنس والمشي)، ولا يُدخّن، ويتناول وجبته الشعبية السادزا المكوّنة من الذرة الخام. هذا كل شيء!
يحكم موجابي جمهورية زيمبابوي منذ العام 1980م. وبالمناسبة فإن لفظة زيمبابوي تُكتب بالانجليزية (اللغة الرسمية للبلاد لكن لا يتحدث بها سوى 3 في المئة من السكان) كما هي بلغة الشونا (التي يتحدث بها 70 في المئة من السكان)، وهي تعني اسماً لمدينة قديمة في ذلك البلد.
عاشت زيمبابوي ردحاً من الزمن تحت حكم الأقلية البيضاء العنصري. ثار السكان الأفارقة على ذلك في الستينات، وحصلوا على دعم قوي من الصين، ثم تأييد دولي أدى إلى أن يرضخ حاكمها إيان سميث لتلك الضغوط، وتُجرى انتخابات حُرَّة فاز بها السُّوْد نهاية سبعينات القرن الماضي.
عندما عاد روبرت موغابي إلى بلاده في العام 1979 لقِيَ ترحيباً كبيراً. وعندما ترشّح فاز في الانتخابات بلا منازع. كان ذلك بمثابة «الاستفتاء الحقيقي» لشعبيته. لكن ومع مرور الوقت وعضّه على السلطة بالنواجذ، وما صاحب ذلك من أزمة اقتصادية خانقة بدأت شعبيته في الانكماش.
حاول الرجل أن يستعيد شيئاً من عافيته عبر استخدام ورقة مُربحة: كان 1 في المئة من السكان البِيْض يملكون 70 في المئة من أكثر المناطق الزراعية خصوبة في زيمبابوي. أمر موغابي بإصدار قانون للإصلاح الزراعي انتزع من خلاله 95 في المئة من تلك الأراضي من أصحابها البِيْض وأعطاها للسود.
تحسنت شعبية الرجل أمام جزء مهم من شعبه، إلاّ أن ذلك سبّب له مشكلتين: الأولى غضب غربي تبعته عقوبات صارمة على زيمبابوي، والثانية هي تردِّي الوضع الزراعي حين باتت أراضٍ شاسعة تحت أيدي أناس جُدد لم يكونوا يملكون خطوط إنتاج ولا إدارة زراعية ولا علاقات دولية.
لكن، المسألة الداخلية في زيمبابوي بدأت في التفاقم في شقها السياسي عندما بدا أن البلد يسير نحو الفردانية المطلقة من الرئيس دون أن يسمح لأحد من حزبه فضلاً عن الأحزاب الأخرى على منافسته أو مشاركته «جزءًا» من السلطة ومؤسساتها السياسية والاقتصادية وغيرها.
لم يكن الغرب فقط الناقم عليه، بل امتدّت النقمة لتشمل إفريقيا التي ينتمي إليها البلد والرجل (بمن فيهم قيادات النضال التاريخية كمانديلا). فبدأ الاتحاد الافريقي بالضغط على موغابي كي يُعدِّل من سياساته، ويُخفف إجراءاته ضد المعارضة، وأن يقيم معها حكومة وطنية.
بالكاد جاء بالنقابي والمعارض السياسي مورغان تسفانغيراي كرئيس للوزراء، لكن ظلّ موغابي الرجل الأقوى بلا منازع في السلطة حتى اللحظة. بل بات يُعلن بين الفينة والأخرى أنه سيدخل انتخابات 2018م الرئاسية والتي سيكون عمره حينها 94 عاماً ليُكمل دورته في عمر الـ 99 عاماً!
بل مَنَعَ الأقوال التي تُطلق عن خليفته المحتمل في الحكم وهو في هذا العمر: 92 عاماً.
قبل فترة قال في خطاب إذاعي: «تؤذوني وتؤذوا زوجتي» بهذا الكلام. «هذا عار. هناك حاجة الآن إلى استخدام تأديب صارم» بحق الذين يتحدثون عن مسألة الرئاسة وغياب موغابي عنها. إنه يعشق الخلود!
وإمعاناً في ذلك، أقام لنفسه (عبر أنصاره كما يقول) قبل أيام حفل عيد ميلاده الثاني والتسعين (يصادف 21 فبراير/ شباط)، إذ احتشد 50 ألفاً من أنصاره ونظموا حفلاً اشتمل على الأغاني والأهازيج التقليدية وقصائد المدح ثم قام موغابي بإطلاق 92 بالوناً في الهواء في إشارة إلى سنيّ عمره.
المعارضون للرجل قالوا إن الحفل كلّف مليون دولار. وهو أمر شكّل إهانة للزيمبابويين وهم يعيشون موجة جفاف قاتلة لم يألَفُوها منذ ربع قرن بعد أن تراجعت الأمطار بنسبة 75 في المئة فجعلت البلاد تفقد ثلاثة أرباع محاصيلها الزراعية، وانخفض توليد الكهرباء بنسبة 62 في المئة الأمر الذي جعل مليونين و44 ألفاً من السكان (26 في المئة) في حاجة ماسة وفورية إلى المواد الغذائية.
هذا الأمر غير مناسب بالمرة. وهناك مَنْ تساءل من الزيمبابويين لو أن ذلك المليون أنفِق على 300 ألف مواطن لأشبعهم ليوم واحد، أو أنفِق على مشروع زراعي أو تجاري لكان أجدى. فموغابي ليس بحاجة إلى ذلك ليُثبت أنه محبوبٌ من شعبه. ولو أنه فعل خلاف ما قام به من بذخ لزاد احترام الناس له.
موغابي لا يُنقصه علم كي يدرك ذلك. فهو يمتلك ثماني شهادات علمية في الإدارة والتعليم والآداب والقانون. وهو لا ينقصه دهاء سياسي. فهو يحكم بلاده منذ 36 عاماً. ولا ينقصه اختبار نفسي وإنساني؛ كي يشعر بالآخرين. فهو قد فَقَد ابنه هامودزينيكا بسبب الملاريا. إذاً أين المشكلة؟! إنها باعتقادي تكمن في الاستغراق في حب الذات وعدم القدرة على رؤية أو الإحساس بغير ذاته.
كثيرون هكذا. فالحكم يجعلهم أشخاصاً آخرين. لا يعيشون كما يعيش الناس، ولا يأكلون ما يأكل الناس ولا يشربون ما يشرب الناس، ولا يركبون ما يركب الناس، لذلك فهم لا يستطيعون أن يشعروا كما يشعر الناس. إن الإحساس ينقطع عنهم ما خلا استخدامهم للمشاعر الصورية التي يُحسّنها لهم المنافقون لاستدرار التأييد. أما في الجوهر فلا روح هناك ولا قلب!
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 4926 - الأربعاء 02 مارس 2016م الموافق 23 جمادى الأولى 1437هـ
مقال رائع
تسلم أستاذي
أما في الجوهر فلا روح هناك ولا قلب!
عبارة رائعة وواصفة للعمق
حب الذات
نعم انه حب الذات والإنا التي تجعله يقيم حفل الذي كلف ما كلف لتلميع صورته ويعلن انه سوف يترشح ف عام 2018.
قمة الروعة
وأعتقد آخر فقرة فيها ضربة قوية للبعض تأملوها
أحسنننننت! بعد 36 مغلوب ويش بتقول
مقال رائع ومفيد
قال تعالى : (كلّا إن الانسان ليطغى . أن رآه استغنى) هذا حال البشر إلا ما نذر ، ...
As usual
مقال و كاتب روعه ، كالعاده إبداع محمدي ( محمد عبالله محمد ).
تحيه لمل مناضل ثبت على مبادئه ولم يغيره المنصب
امر مؤسف ان يصبح من كان مدافعا عن حقوق الناس في يوم من الايام وقاد النضال ضد المستعمرين ان تكون خاتمته نسيان كل المبادئ والقيم التي كان ينادي بها