اتفاق إيقاف الاقتتال بين الفرقاء في سورية بين النظام وداعميه من جهة، وبين المعارضة / المعارضات بكل تلاوينها وداعميها من جهة أخرى مطلب مهم. فهل يصمد؟
نتمنى أن يصمد على الأقل لرفع المعاناة عن الشعب السوري. لكن في الأمور السياسية لا تسير الأمور كما نتمنى بل تسير وفقاً للمصالح الاستراتيجية للأطراف المشتركة في الاقتتال. وهي محلية وإقليمية ودولية.
وكما تشير الدلائل فإن الاقتتال بين الأطراف وصل إلى ما يعرف بتكسير العظم، بمعنى معركة وجود، فكل طرف يرغب في إنهاء الطرف الآخر بشكل مبرم ونهائي. إلا أنه بعد خمس سنوات ربما اقتنع الأطراف بأن ذلك غير ممكن، وبالتالي لابد من هدنة تحت أي تسمية لالتقاط الأنفاس لمعاودة القتال - ربما - أو للبناء عليها للخروج بحلول سياسية للأزمة السورية من خلال مخرج ثالث وانتقالي لا يستبعد النظام نهائياً وقوى المعارضة الراغبة في الدخول في هذا النوع من الحل.
وأظن أن الفرقاء ربما اقتنعوا أنهم غير قادرين على إلغاء بعضهم بعضاً، وأظن أيضاً أن الداعمين الإقليميين والدوليين من كلا الجهتين وصلوا إلى هذه النتيجة فقرروا وقف الاقتتال. وربما تعبوا، فتكلفة الحرب باهظة.
ويبدو أن سورية المستقبل لا يمكن أن تحكم بطريقة النظام الحالي ولا يمكن أن ترجع إلى الوراء بعد كل ما جرى، ولكن ما هو صحيح أيضاً أن سورية لا يمكن أنْ تحكم بالقوى المتطرفة وتحت أية تسمية. فسورية كانت دائماً علمانية. ولكن دون ديمقراطية.
والملاحظ أنه منذ تأسيس سورية الحديثة في 1920 كانت تحت حكم مدني وعلماني، وهذا يعود بطبيعة الحال للطبيعة التعددية والفسيفسائية للشعب السوري الذي لا يناسبه إلا نظام سياسي من هذا النوع. ولكن بعيداً عن الاستبداد.
وعليه فهل يعي النظام أن علمانيته منذ تسلمه الحكم في 1963 لم تشفع له دون الديمقراطية، أو أنه بدون الديمقراطية لا يمكن حكم سورية المستقبل، كما إن النظام لا يمكن أن يصبح ديمقراطياً بحكم طبيعته الاستبدادية. وبالتالي لابد من بديل.
أما قوى المعارضة فهي كذلك خليط غير متجانس، ولا أظن أنها تمثل ما خرج الشعب السوري من أجله خاصة إذا عرفنا أن ارتباطات المعارضة بقوى محلية وإقليمية ودولية تعتبر الديمقراطية من أعدى أعدائها.
إذن لا النظام بطبيعته القمعية يمثل خياراً للشعب السوري، فقد انتهى زمنه، ولا المعارضة بوضعها الحالي المتشرذم تمثل آمال وتطلعات هذا الشعب، فهي أيضاً معارضة لاديمقراطية. وبعضها بعيد عن روح العصر.
ومع ذلك وفي ضوء ما هو قائم يمكن الخروج بتوليفة يتوافق فيها كل الأطراف من الجهتين على مرحلة انتقالية تتمخض عن بديل ثالث وبطريقة ديمقراطية بحيث لا ينتمي هذا البديل للنظام السابق ولا إلى المعارضة الحالية. بحيث يجد الشعب السوري أن هذا البديل هو من يمثله وهو من خرج من أجله في 15 مارس/ آذار 2011، وبعيداً عن النظام وبعيداً عن المعارضة/ المعارضات. مع رعاية دولية خلال المرحلة الانتقالية حريصة على شعب سورية ووحدة سورية. للانتقال به إلى مرحلة تاريخية جديدة. ويظل السؤال يلحُّ علينا: مستقبل سورية إلى أين؟
إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"العدد 4922 - السبت 27 فبراير 2016م الموافق 19 جمادى الأولى 1437هـ