تتعرَّضُ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لانتقادات شديدة بسبب سياستها الترحيبية باللاجئين السوريين الذين تدفّقوا بأعدد كبيرة جدّاً على بلادها، وقد وصف المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر قرار ميركل فتْح الباب دون قيود أمام اللاجئين بأنه «خاطئ»، مضيفاً أن ميركل «تمتلك قلباً لكنها لا تمتلك خطة». والأنظار تتجه نحو ثلاثة انتخابات يحين استحقاقها الشهر المقبل، وقد يحقق الحزب اليميني المُسمّى «حزب ألمانيا البديل» تقدُّماً، في وقت بدأت شعبية ميركل بالتراجع من 75 في المئة سابقاً إلى 46 في المئة. المشكلة ليست اقتصادية بالدرجة الأولى؛ لأنّ الاقتصاد الألماني قويّ ويتحمّل. ولكنّ المشكلة أن هناك مَن يخشى بأنّ مَن سيرحل إلى هناك لن يندمج في الحياة الألمانية، وقد يُعيد إنتاج الثقافة التي هرب منها.
ويوم أمس، دخل على الخط مؤسس شركة «مايكروسوفت» بيل جيتس، وأشاد بسياسة ميركل التي تنتهجها بشأن اللاجئين، مستذكراً أن الوضع ليس سهلاً، وقال إن «ضمان تلقّي اللاجئين معاملة جيّدة وعدم انقسام المجتمع يُعتبَرُ عملاً توازنيّاً مُعقَّداً». وفي الوقت نفسه طالب جيتس بمزيد من الإبداع في حلّ أزمة اللاجئين، وقال: «يتعيّن التفكير بطريقة بنّاءة في كيفية تنظيم اللاجئين في أوروبا والمنطقة المحيطة بسورية ومساعدتهم بصورة أفضل... هل يستطيع الأطفال تعلُّم لغات بإمكانيّاتهم الخاصة على الإنترنت؟ ما الوظائف التي يمكن أن يشغلها اللاجئون؟ كيف يمكن تنظيم أنفسنا؟».
جيتس ينطلق من فكرة استراتيجية، وهي أن القراءة ومعرفة استخدام الإنترنت، وتعلُّم اللغات ستكون مفتاح النجاح، ولكنّ الذين يهاجرون من سورية يعرفون القراءة والكتابة، ويعرفون كيفية استخدام الإنترنت. وبمعنى آخر، فإنّ شعوب منطقتنا ليست محرومة من هذه المهارات، وإنما هي محرومة من المشاركة الفعّالة والإيجابية في معارف وتجارب العصر الذي يعيشون فيه، وهذا يتسبّب في «فراغ حضاري» يتمُّ مَلؤه بما يبعث الكراهية للحياة وللآخرين، وينتُج عنه الخراب والدمار.
لقد أشار أحد الباحثين إلى أن العالم العربي (أكثر من 360 مليون نسمة) أنتج بأكمله، 15 ألف كتاب في العام 2012، وهذا الرقم يعادل ما تنتجه رومانيا (21 مليون نسمة) لوحدها، أو ما تنشره سنويّاً دار واحدة للنشر في أميركا.
إن بلداننا العربية، بصورة عامّة، لا تسمح للمعرفة التي تنعش الأمم الأخرى بالانتشار بما يكفي لتحقيق نهضة كبيرة، بل إن كثيراً مما ينتشرُ من كتب بين الناس ليس سوى تكرار لمقولات موروثة ومغلقة على نفسها.
إن القيادات العالمية (مثل ميركل وجيتس) يمكنها أن تلعب دوراً في مساعدة اللاجئين، ولكن يجب علينا أيضاً أن نساعد أنفسنا، ونساعد الآخرين، عبر الانعتاق من الأفكار التي تسبّبت في الصراعات المُدمِّرة الحالية، والانطلاق نحو المشاركة الإيجابية في الحضارة الإنسانية.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ
مرحبا